نازك شمام: السبت الأسود
سبت أسود مرّ على التجار بسوق أمدرمان، أحد أعرق الأسواق السوانية، لم يخيم الحزن على أولئك الذين فقدوا مصدر أرزاقهم أو رؤوس أموالهم في غمضة العين، الحزن حينها لف على كل الأسواق بأنحاء البلاد المختلفة بل تعداها إلى قلب كل مواطن سوداني يستشعر حجم المصيبة التي راح ضحيتها أكثر من مئة محل تجاري يعمل بها مئات العاملين التي كانت تشكل لهم مصدر رزقهم الأوحد فضلا عن تلف مليارات الجنيهات والعملات الصعبة في حريق كان هو الأكبر من نوعه بعد أن أستمر أكثر من سبع ساعات ولم تفلح جهود الدفاع المدني في إخماده بالسرعة المطلوبة لأسباب تتعلق بالبنية التحتية للمطافئ.
مع التسليم بقضاء الله وقدره وفضل الصبر عند الشدائد إلا أن وقوف المسؤولين والتنفيذين عند الحادث لم يكن بالشكل الائق ولا بالطريقة المطلوبة ولا نقصد هنا وجودهم في مكان الحادث فنعلم أن عدد من المسؤولين خفوا الى مكان الحادث في الصباح الباكر ولكن التعامل مع الذين فقدوا رؤوس اموالهم التي كانوا يحتفظون بها في محلاتهم بعد أن فقدوا الثقة في الجهاز المصرفي عقب قرار الدولة بتحجيم الكتلة النقدية التي إتخذته بداية العام للسيطرة على سعر الصرف فحددت المصارف على إثره سقوفات للسحب فاصبح التجار لايستطيعون السحب من ودائعهم عند الحوجة اليها فأثروا الإحتفاظ بها في خزائنهم بالمحلات.
إن صح أن المسؤوليين وبخوا التجار على الإحتفاظ بأموالهم بطريقتهم الخاصة وعدم إيداعها في المصارف فهذا أكبر خطأ في مثل هذه الحادثة ومثل هذه الظروف على المسؤولين أن يعلموا أن التجار ماكان لهم أن يحتفظوا بتلك المبالغ الهائلة في خزائنهم لو لم تضن عليهم المصارف باموالهم التي يكاد أن يكونوا يحتاجونها بصورة يومية إما لشراء بضاعة جديدة أو إستيرادها من الخارج أو سداد مستحقات العاملين معهم وهذه كلها لا تقبل إلا أن تكون عبر الكاش وتوفر السيولة.
الصورة التي تم تداولها بوسائل التواصل الإجتماعي لأحد التجار وهو يفترش نقوده المحروقة كانت تحمل في تفاصيلها مأساة لرجل فقد رأس ماله وهي أحد المصائب التي أقرها الله سبحانه وتعالى ألم يقل في سورة البقرة ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155 – 157، فهي أحد المصائب التي تتطلب وبالطبع في هذه اللحظات فإن المصابين في غنى عن عبارات على شاكلة ( ليه ما وديت قروشك البنك) فإذا كان لكل مقام مقال فهذه العبارة ليس في مقامها.
نسأل الله أن يخلف على المتأثرين في مصابهم وأن يعوض عليهم وأن يربط على قلوبهم الصبر.