مفهوم المقاطعة
تدور عجلة التاريخ، وتتقلَّب الدول و تتغيَّر الأحوال، فهذه الدولة التي لم تكن تُذكر، تتموقع الآن في موقع عالمي مهم، أما الدولة التي كانت عظيمة وسبَّاقةً فإنّها الآن في أسفل القائمة مع أرذل الأرذلين علمياً وساسياً واقتصادياً واجتماعياً. والغريب في الموضوع أنّه ومن باب المفارقات التاريخية قد تتسلط هذه الدولة التي لم تكن شيئاً يذكر، قد تتسلط على هذه الدولة الضعيفة، فتنكِّل بشعبها، وتنهب خيراتها وثرواتها، وتسيطر على مواردها ، وتدمِّر تاريخها، وتحطِّم حاضرها ومستقبلها، وتحظر عليها التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فتعيدها إلى عصور ما قبل التاريخ. في هذه الحالة لا يكون أمام هذا الشعب الأعزل إلا القيام بمبادرات قد تشكل ضغطاً على دولة الاحتلال والاستعمار، ومن أهم هذه الميادرات المقاطعة.
فالمقاطعة هي ترك التعامل مع بلدٍ من البلدان، بهدف الضغط عليه لتغيير معاملته لأية دولة أخرى أو تغيير موقفٍ يتبناه تجاه قضية من القضايا. حيث تعد المقاطعة شكلاً من أشكال العقاب. وقد يتبادر إلى الأذهان مباشرة عند ذكر المقاطعة، مقاطعة بضائع ومنتجات دولة معينة، إلَّا أنَّها قد تأخذ أشكالاً أخرى لا تَقِلُّ أهميةً عنها. وفي ما يلي تبيانٌ لكل نوع من أنواع المقاطعة:
أولاً: المقاطعة الاقتصادية: تعد المقاطعة الاقتصادية من الأشكال الأكثر شهرة للمقاطعة، حيث تهدف المقاطعة الاقتصادية إلى ضرب اقتصاد دولة معينة، عن طريق الامتناع عن شراء بضائعها ومنتجاتها مما يؤثر سلباً على الدولة المُقاطَعة.
ثانياً: المقاطعة الإعلامية: الإعلام وسيلة مهة من وسائل التأثير على الرأي العام في العصر الحديث سواءً كان مرئيا أم مسموعاً أم مقروءاً، لذا قد تستخدمه بعض الدول حتى تغير رأي شعبها تجاه قضية معينة من القضايا، عن طريق تلفيق الأكاذيب والخدع لإيهام الناس وتعمية عيونهم عن الحقيقة، فتلجأ الفئات الشعبية المتنورة إلا حملات مقاطعةٍ لهذا الإعلام، لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وإظهاراً للحقيقة.
ثالثاً: المقاطعة السياسية: جاءت هذه المقاطعة للاحتجاج على عدد من الإجراءات السياسية داخل الدولة أو خارجها، ولهذه المقاطعة أنواعاً عديدة فمنها مثلاً المقاطعة الانتخابية، التي تستخدم في حال ظنَّ أفراد الشعب أنَّ الانتخابات التي تجري داخل بلدهم تعتريها شبهة تزوير، فيلجؤون لمقاطعة هذه العملية الانتخابية كوسيلة ضغط على الحكومة. ومن أنواع المقاطعة السياسية أيضا ما يعرف بالعصيان المدنيِّ، فالعصيان المدنيِّ هو نوع من أنواع رفض الخضوع لسلطة الدولة الظالمة، أو لقانون متحيز، يتخذ الطابع السلميَّ، وهو في جوهره عمل مخالفٌ للقانون، فرفض دفع الضرائب مثلا يعد عملاً مخالفا للقانون، ولكنه وفي نفس الوقت يعد وسيلة مهمة للضغط على الحكومات والسلطات.
ومن الجدير بالذكر أنَّ المقاطعة قد تتخذ طابعا أممياً وشعبياً وحكومياً كمقاطعة الحكومات لبعضها البعض، وقد تتحد هذه الأشكال معاً فتكون المقاطعة متكاملة.