قصائد عن بغداد
مدينة بغداد العظيمة التي تغنى بها الشعراء والأدباء على طول متداد عمرها المديد منذ بناها الخليفة أبو جعفر المنصور، نقدم لكم بعض من أجمل الأبيات الشعرية الجميلة والمعبرة للشعراء العرب الذي قالوا بها أروع الكلمات وأعذب المفردات وأصدق المعاني:
مد بساطك واملئي أكوابي
وأنس العتاب فقد نسيت عتابي
عيناكِ يا بغداد منذ طفولتي
شمسان ناعمتان في أهدابي
لا تنكري وجهي فأنتِ حبيبتي
وورود مائدتي وكأس شرابي
بغداد جئتك كالسفينة متعباً
اخفي جراحاتي وراء ثيابي
بغداد عشت الحسن في ألوانه
لكن حسنك لم يكن بحسابي
ماذا سأكتب عنك يا فيروزتي
هواك لا يكفيه ألف كتابِ
قبل اللقاء الحلو كنتِ حبيبتي
وحبيبتي تبقين بعد ذهابي
كانت محطاً للعلوم وأهلها
وقرارة للمجد والإيجاد
اليوم هاتيك العلوم بأسرها
مدفونة بمقابر الأجداد
أيام مد الأمن وأرف ظله
فيها كانت جنة المرتاد
أيام بغداد تضيء جميلة
فتلوح مثل الكوكب الوقاد
أبعاد ما قد مر مِن عمرانها
أم ذلك العمران غير معاد
لا نرجع الرغبات نحو عراصها
أو ترجع الأرواح للأجساد
حبيبة القلب جاري الأسد في الأجمِ
تالله عودي لك قلبي لك قلمي
فلا أحِسّ بأجفاني أحَسّ بها
فقد الرقاد غريبٌ بتّ لم أنمِ
من اقتضى بهوى العذري غربته
أجاب كلّ سؤالٍ عن هلٍ بلمِ
أرجو لقاك فما كان الهوى سهلاً
أرجو لقاءً خفيف الظل والألمِ
أرجو لقاك إذا ما كنت لي أملاً
يا ذات حسنٍ بأحلى ما بها إرمِ
فالموت أفضل لي والصبر أهلك بي
من بعد ما جرى بي منك ومن سقمي
سقيت شعري دموعاً خلتها مطراً
كأن جفني سحابٌ مغدق الكرمِ
كنّا نجوماً وما أبقى الفراق لنا
حتى العقول وما أبقى الذي أرَمِ
قبلتها ودموعي مزج أدمعها
وقبلتني على خوفٍ فماً لفمِ
فذقت ماء الحياةٍ من مقبلها
لو نال ترباً لأحيا غابر الأممِ
من أسكن الشاعر الولهان موطنه
بغداد أنت نجوم الليل والظلمِ
بغداد أنت شفاء العين من رمدٍ
بغداد أنت لقاء الله بالأممِ
ظردت منك لكن لا أودعك
بغداد أنت انبراء الروح من سقمِ
الشمس أنت فضاء الدوح مبتهجٌ
أو جنة الجنات أرضها علمي
بغداد أنت دواء القلب من عجزٍ
بغداد أنت هلال الأشهر الحرمِ
بغداد أنت هوى العصفور مهجته
كالريح تعزف ألواناً من الحلمِ
شتان أنت سوى حلمٍ شغفت به
ذا الحلم كالموت مريحٌ بعضه يلمِ
بغداد كوني للحوادث ضيغماً
للموت بعد حياةٍ فيه منتقمِ
قد كان ما أصبو بالله لي هدفاً
شتان ما أصبو والله أن يسمِ
أصبو الحياة بعيداً عن مساوئها
إنّ الحياة خمارٌ برقعٌ دلمِ
بغداد تصرخ والأعراب يشغلها
حكم العبيد بعيد العزّ والكرمِ
يا روح دجلة للأرواح مالكةٌ
تبكي عليك عيونٌ قلّ ما تنمِ
تبكي عليك عيونٌ غاب بؤبؤها
وذي سيوفٌ لطعم الطعن تلتهمِ
تبكي عليك عيونٌ ذبن من أرقٍ
وبي عذابٌ بريح الغدر من دَلَمِ
فالذلّ يظهر في الذليل ودّته
وسادة المسلمين الأعبدُ القُزمِ
أغاية الإسلام أن تحفوا شواربكم
و أمةً ضحكت من جهلها أممِ
إنا لفي زمنٍ فعل القبيح به
خيرٌ من البيض مثل العذر واللممِ
مالي رأيت صروف الدهر تغدر بي
قد كنت سيدها في العرْب والعجمِ
لا تشك للناس جرحاً أنت صاحبه
شكوى الذبيح إلى الغربان والرخمِ
لا تشك للناس جرحاً لا تشمته
شكوى الأسير إلى القضبان و الظلمِ
وفدت على بغداد والقلب موجع
فهل مزجت كربي؟ وهل أبرأت دائي؟
عفا الحب عن بغداد وكم عشت لأهيا
أكاثر أيامي بليلى وضمياء
فكيف وقعت اليوم في أسر طفلة
مكملة بالسحر ملثوغة الراء
أحاول عينهيا بعيني، والهوى
يشيع الحميا في فؤادي وأعضائي
أكاتم أهليها هيامي ولو دروا
لهامت بجنب الشط أرواح أصدائي
إلى الحب أشكو بل إلى الله وحده
أخوض بأسائي لديها ونعمائي
فدى لك يا بغداد كل قبيلة
مِن الأرض حتى خطتي ودياريا
فقد طفت في شرق البلاد وغربها
وسيرت رحلى بينها وركابيا
فلم أرَ فيها مثل بغداد منزلا
ولم أرَ فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل أهليها أرق شمائلا
وأعذب الفاظا وأحلى معانيا
وكم قائل لو كان ودك صادقا
لبغداد لم ترحل فكان جوابيا
يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم
وترمي النوى بالمقتربين المراميا
سقى الله صوب الفاديات محله
ببغداد بين الكرخ فالخلد فالجسر
هي البلدة الحسناء خصت لاهلها
باشياء لم يجمعن مذكن في مصر
هواء رقيق في اعتدال وصحة
وماء له طعم الذ من الخمر
ودجلتها شطان قد نظما لنا
بتاج الى تاج وقصر الى قصر
ثراها كمسك والمياه كفضة
وحصباؤها مثل اليواقيت والدر
على بغداد معدن كل طيب
ومغنى نزهة المتنزهينا
سلام كلّها جرحت بلحظ
عيون المشتهين المشتهينا
دخلنا كارهين لها فلمّا
الفناها خرجنا مكرهينا
وما حب الديار بنا ولكن
أمر العيش فرقة من هوينا
ماذا ببغداد من طيب الأفانين
ومن منارة للدنيا وللدين
تمشي الرياح بها إذا نسمت
وجوشت بين أغصان الرياحين
أودعكم يا أهل بغداد والحشا
على زفرات ما ينين من اللذع
وداع خنا لم يستقل وإنما
تحامل من بعد العثار على ظلع
فبئس البديل الشام منكم وأهله
على أنهم قومي وبينهم ربعي
الأزودوني شربه ولو أنني
قدرت أذن أفنيت دجلة بالجوع
أبيت فلم أطعم نقيع فراقكم
مطاوعة حتى غلبت على النشع
لبست حداداً بعدكم كل ليلة
من الدهر لا الغر الحسان ولا الدرع
أظن الليالي وهي فود غوادر
بردى إلى بغداد ضيقة الذرع
وكان إختياري أن أموت لديكم
حميداً فما ألفيت ذلك في الوسع
خليت حمامي حم لي في بلادكم
وجالت رماحي في رماحكم المسع
فدونكم خفض الحياة فإننا
نصبنا المطايا بالغلاة على القطع
دَمعٌ لبغداد .. دَمعٌ بالمَلايينِ
مَن لي ببغداد أبكيها وتبكيني؟
مَن لي ببغداد؟.. روحي بَعدَها يَبسَتْ
وَصَوَّحتْ بَعدَها أبهى سناديني
عدْ بي إليها.. فقيرٌ بَعدَها وَجعي
فقيرَة ٌأحرُفي.. خرْسٌ دَواويني
قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذَتي
وَعششَ الحُزنُ حتى في رَوازيني
والشعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعها
فأنظرْ بأيِّ سهامِ المَوتِ ترميني؟!
عدْ بي لبغداد أبكيها وتبكيني
دَمعٌ لبغداد .. دَمعٌ بالمَلايين
عُدْ بي إلى الكرخ .. أهلي كلهُم ذُبحُوا
فيها .. سأزحَفُ مَقطوع َالشرايين
حتى أمُرَّ على الجسرَين .. أركضُ في
صَوبِ الرَّصافةِ ما بينَ الدَّرابين
أصيحُ: أهلي .. وأهلي كلهُم جُثثٌ
مُبعثرٌ لَحمُها بينَ السَّكاكين
خذني إليهم .. إلى أدمى مَقابرِهم
للأعظميةِ .. يا مَوتَ الرَّياحين
وَقِفْ على سورِها، واصرَخْ بألفِ فم
يا رَبة َالسور .. يا أُمَّ المَساجين
كم فيكِ مِن قمَرٍ غالوا أهلتهُ؟
كم نجمَةٍ فيكِ تبكى الآنَ في الطينِ؟
وَجُزْ إلى الفضلِ.. لِلصَّدريَّةِ النحِرَتْ
لحارَةِ العدلِ .. يا بؤسَ المَيادين
كم مَسجدٍ فيكِ .. كم دارٍ مُهدَّمَةٍ
وَكم ذ َبيح عليها غيرِ مَدفون؟
تناهَشتْ لحمَهُ الغربانُ، واحترَبَتْ
غرثي الكِلابِ عليهِ والجراذينِ
يا أُمَّ هارون ما مَرَّتْ مصيبتنا
بأُمةٍ قبلنا يا أُمَّ هارونِ!
أجرى دموعاً وَكبرى لا يُجاريني
كيفَ البكا يا أخا سبْع ٍوَسبعينِ؟!
وأنتَ تعرفُ أنَّ الدَّمعَ تذرفهُ
دَمعُ المُروءَةِ لا دَمعَ المَساكين!
دَمعٌ لفلوجةِ الأبطال .. ما حَمَلتْ
مَدينة ٌمِن صِفاتٍ، أو عناوين
للكِبرياءِ .. لأفعال ِالرِّجال ِبها
إلا الرَّمادي .. هنيئا ًللمَيامين!
وَمرحبا ًبجباه لا تفارِقها
مطالعُ الشمس في أيِّ الأحايين
لم تألُ تجأرُ دَباباتهم هلعا
في أرضِها وهيَ وَطفاءُ الدَّواوين
ما حَرَّكوا شَعرَة ًمِن شيبِ نخوَتِها
إلا وَدارَتْ عليهم كالطواحين!
يا دَمعُ واهملْ بسامَرَّاء نسألها
عن أهل ِأطوار.. عن شمِّ العَرانين
لأربعٍ أتخمُوا الغازينَ مِن دَمِهم
يا مَن رأى طاعنا ًيُسقى بمَطعون!
يا أُختَ تلعفرَ القامَتْ قيامَتها
وأُوقدَتْ حولها كلُّ الكوانين
تقولُ برلين في أيام ِسطوَتِها
دارُوا عَليها كما دارُوا ببرلين
تناهبُوها وكانتْ قرية ًفغدَتْ
غولا ًيقاتلُ في أنيابِ تنينِ!
وَقِفْ على نينوى .. أُسطورَة ٌبفمي
تبقى حُروفكِ يا أٌمَّ البراكين
يا أُختَ آشور .. تبقى مِن مَجَرَّتهِ
مَهابَة ٌمنكِ حتى اليوم تسبيني
تبقى بوارِقهُ، تبقى فيالقهُ
تبقى بيارِقهُ زُهرَ التلاوين
خفاقة في حنايا وارِثي دَمه
يحلقونَ بها مثلَ الشواهين
بها، وَكِبرُ العراقيين في دَمِهم
تداوَلوا أربعا ًجَيشَ الشياطين
فرَكعُوه ُعلى أعتابِ بَلدَتهم
وَرَكعُوا مَعهُ كلَّ الصَّهايين!
يا باسقاتِ ديالى .. أيُّ مَجزَرَة
جَذَّتْ عروقكِ يا زُهرَ البَساتين؟
في كلِّ يَومٍ لهُم في أرضِكِ الطعِنتْ
بالغدرِ خِطة أمْن غيرِ مأمون
تجيشُ أرتالهُم فوقَ الدّروع بها
فتترُكُ السوحَ مَلأى بالقرابين
وأنتِ صامِدَة ٌتستصرِخينَ لهُم
مَوجَ الدِّماءِ على مَوج ِالثعابين
وكلما غرِقوا قامَتْ قيامَتهم
فأعلنوا خطة أُخرى بقانون!
يا أطهرَ الأرض .. يا قدِّيسة َالطين
يا كربلا .. يا رياضَ الحُورِ والعِين
يا مَرقدَ السيدِ المَعصوم.. يا ألقاً
مِن الشهادَةِ يَحمى كلَّ مِسكين
مُدِّى ظِلالكِ للإنسان في وَطني
وَحَيثما ارتعشتْ أقدامُهُ كوني
كوني ثباتاً لهُ في ليلِ مِحنتهِ
حتى يوَحدَ بينَ العقلِ والدِّينِ
حتى يَكونَ ضَميرا ًناصِعاً، وَيَداً
تمتدُّ للخيرِ لا تمتدُّ للدُّون
مَحروسة ٌبالحُسَينِ الأرضُ في وَطني
وأهلها في مَلاذٍ منهُ ميمون
ما دامَ في كربَلا صَوتٌ يَصيحُ بها
إنَّ الحُسينَ وَليٌّ للمَساكين
يا جرحَ بَغداد.. تدرى أنني تعِبٌ
وأنتَ نصلٌ بقلبي جدُّ مَسنونِ
عدْ بي إليها، وَحَدِّثْ عن مروءَتها
ولا تحاولْ على الأوجاع تطميني
خذني إلى كلِّ دارٍ هدِّمَتْ، وَدَم
فيها جرى، وَفم ٍحرٍّ يناديني
يَصيحُ بي أيها الباكي على دَمِنا
أوصِلْ صَداكَ إلى هذى المَلايين
وقلْ لها لمْلمي قتلاكِ وأتحِدى
على دِماكِ اتحادَ السين والشين
مِن يومِ كانَ العراقُ الحُرُّ يَغمُرُهُم
حباً إلى أن أتى مَوجُ الشعانين!
دَمعٌ لبغداد .. دَمعٌ بالمَلايين
دَمعٌ على البُعدِ يَشجيها وَيَشجيني