فوتوغرافيا.. بقلم علي بلدو
السودان اليوم:
مثلت الصورة اهتمام الكثيرين والكثيرات وشكلت وجدان حقب تاريخية مختلفة ومتنافرة باختلاف الصور والمتصورين وكما كانت ولاتزال مخزوناً لا ينضب من معين الذكريات وتصاريف الأقدار خيراً وشراً، افراحاً وأتراحاً.
وأدى انتشار الوسائط وتطور التقنيات الى إعادة بعث تلك الصور بعد أن كاد نجمها يأفل في غياهب النسيان وعادت أكثر قوة وبتأثراتها المختلفة والحقيقية منها والمفبركة والمعالجة لتداري سوءات شتى وثقوباً كثر وكأنها تقول:
إن غاب اسمنا فهذا رسمنا
ونحملها معنا بدلاً عن البراويز، ونسير بها في ممشانا العريض وسكة سفرنا الطويل والممتد منذ سنوات طوال، وسط معاناة الحياة وشظف العيش وهموم كالجبال. ووسط التغريدات والصدمات المزعومة والتي لا تغني ولا تسمن من جوع سوى التصفيق والهتاف.
على أن الغريب هواعتماد الكثيرين على الصور أكثر من العمل والانجاز للفت الانتباه وشد الحاضرين، فهذا المغني مثلاً من ينظر لصورته قبل سنوات قليلة لا يصدق أنه هو الآن على هيئته بفضل التجميل والراحات والعدادات، وتتغير صورته من حين لآخر بفضل النيولوك وتقنيات التصوير المتقدمة والظل والضوء والذي يجعل القرد غزالاً ومها لا يشق له غبار ولا يعرف له إطار؟
ثم ونحن على تلكم الحال تطل علينا فنانة الموسم وهي بصورتها البيضاء الفاقع لونها ولكن تتناسى صورة لها قبل أشهر معلومات وهي تكاد تشبه من عناه :
حرقتني الشموس
وشوتني كقرابين على نار المجوس
فأنا منها كعود الأبنوس
وأما عن كتابنا وكاتباتنا فحدث ولاحرج، فمرة نراهم بالبلدي وأخرى بنظارة وتارة بدونها، وحينا بالعمامة وأخرى بالطاقية وما أكثر الطواقي في هذه البلاد،وأولئك يأتون مرة بالبرنيطة وحيناً بالشعر السافر وأحايين بالحجاب ومن حين لآخر بالنقاب وكلو حسب الظروف وايضاً ما أكثر تلكم الظروف في هذه البلاد.
ويأتي الإسفين الأخير من الساسة والذين تقلبوا في نور السلطة ونارها سنين عددا ورأيناهم يلبسون ويتصورون بكل شيء من اللبس القومي للعسكري للشعبي لأزياء القبائل ، تقلباً مع الانتخابات والاستقطابات والمواقف والتي تتغير كثيراً، بدءاً من مواقف الرجال والأحزاب، مروراً بمواقف الحركات وانتهاء حتى بمواقف المواصلات .
وكثيراً ما يعمد أل السلطان الى غمر وإشباع الناس والمواطنين بصرياً وصورياً بتلك الصور في كل ناحية في الطرقات والأحياء والسيارات الخاصة، و تشغيل الآلة الإعلامية الضخمة لأولياء السلطان بدفق هائل من الصور والتصريحات تسري في الفضاء الإسفيري في كل ثانية، موثقة لكل شيء ابتداءً من اللقاءات الضاربة والمصطنعة والتي لا تهم المواطن البسيط في شيء، وانتهاء بالاجتماعات التظيمية لبطانة الوالي الفاسدة والتي امتصت ملياراتها من دماء المسحوقين والمهمشين، ومن جبايات اطفال الدرداقات وعرق بائعات الشاي الشرفاء، ثم يدعوا أن ذلك جاء بدعم أهل الجاه، وملء الشاشات بصور الزعماء حتى في البقالات والطبالي وربما دورات المياه، بحيث أصبحنا في كل حين شئنا أم أبينا، توالينا أم عارضنا، أصبحنا نراه، هو وأهله وأخاه وحتى صهره الصحفي وخاله الرئاسي ونسيبته وحماه، عندها نعلم أن والينا لا يزال حياًوفي ظل ما نعيشه وواقع الحال نحمد الله كثيراً أننا مازلنا على قيد الحياة؟