طرق المحافظة عن الصداقة
محتويات المقال
الصداقة
من أجمل العلاقات الإنسانيّة في الحياة علاقة الصداقة، ومن النادر أن تجد شخصاً ليس له صديق، حتى وإن كان صديقاً واحداً، لأنّ الإنسان بطبعه يميل إلى العلاقات التي يبنيها بنفسه، والشخص هو الذي يختار صديقه، فهو غير مفروض عليه، كالقريب والزميل والجار، لذلك أصبحت علاقة الصداقة من أسمى العلاقات الإنسانية التي تحكم الناس، ومن أجملها.
والصديق هو توأم صديقه الروحي، وخازن أسراره، وشريكه في الأحزان والأفراح، ودائماً ما يحاول كلا الصديقين الحفاظ على ديمومة هذه العلاقة، واستمرارها، لأنّ كلاهما يعرف الآخر، ويرتاح بصبحته، ولكن قد تحصل الخلافات، والمشاكل، ويفقد كلاهما صحبة الآخر، متناسين بذلك سنوات الصحبة بحلوها ومرّها، وكأن شيئاً لم يكن، فكيف تحافظ على صديقك؟
كيفية الحفاظ على الصديق
علاقة الصداقة تستحق من الشخص أن يتعلّم كيفية الحفاظ عليها، لأنّها كما ذكرنا علاقة سامية، وتخلو من المصالح والماديات، وهناك عدة عوامل تساعد الشخص في الحفاظ على صداقته، ودوام هذه العلاقة بل وتمتينها أيضاً، وتطويرها للأفضل، وهذه العوامل هي:
معرفة طبيعة الصديق
يجب على كل شخص أن يعرف طبيعة صديقه، سواء أكانت هذه الطباع إيجابية، أم سلبية، ويتعامل معه على أساسها، وإلّا فإنّ صديقه لن يتعامل معه بأريحيّة، وسيملّ منه، ومن مجالسته بسرعة، لأنّه لا يعرف طبيعته، ولا يتعامل معه على أساسها، فلا يفرض الشخص طباعه على صديقه، ويحكم على العلاقة أن تسير بهذا الشكل ووفق طباعه وشخصيته؛ بل عليه أن يفهم أنّ هذه العلاقة أطرافها متساوون في كل شيء، وكل منهم له طبيعته، وعلى الآخر أن يتعامل معه على أساسها، للحفاظ على هذه العلاقة من الانهيار.
التصرّف بعفويّة
يجب على الشخص أن يتعامل مع صديقه بعفوية، وبساطة، وتلقائية، ولا يصطنع الأقوال والأفعال؛ فهو يتعامل مع صديقه، ويجب أن يكون معه بحقيقته، وهذا يقوّي العلاقة بينهما، فيتعاملان مع بعضهما البعض دون حرج، ودون مجاملات، وبكل أريحية وصراحة، لأنّ الشخص الذي لا يتعامل مع صديقه بعفوية، ويبذل المجاملات المستمرة تجاهه، قد يفقد ذلك عند مروره بأزمة ما، أو عندما يكون مزاجه سيئاً، عندها ستظهر طبيعته رغماً عنه، وسيُفاجأ صديقه بأنّ الذي أمامه هو إنسان آخر ليس الذي يعرفه، وقد يحدث الخلاف والنفور ولا تستمر العلاقة.
التواجد عند الطلب
يجب على الشخص أن يتواجد عند حاجة صديقه إليه، ولا يتخلّى عنه إلّا لأمر قاهر، فالصداقة ليست أقوال فقط بل هي أفعال؛ فيجب على الشخص أن يكون متواجداً فور احتياج صديقه له، ويُشعره بذلك، بل عليه هو المبادرة في الوقوف مع صديقه، وهذا التواجد هو الذي يُقوي أواصر الصداقة ويمتنها، لأنّ الصديق عند مروره بمشكلة ما، أوّل شخص قد يخطر بباله صديقه، خاصة أنّ هذا الصديق هو خازن أسراره، والأمين عليها، فعند اتصاله بصديقه وطلبه، عليه أن لا يخيبه، وعليه أن يلبيه، وكما تدين تدان، فإن فعلت أنت ذلك مع صديقك، ستجده هو الآخر متواجداً عند الطلب.
التحفيز والدعم المعنوي
عند نجاح الصديق بإنجاز معيّن على الصديق أن يُحفزه، ويدعمه معنوياً، خاصة إن هوجم هذا الإنجاز، أو تمّ نقده بشدة، عندها على الصديق أن لا يقف ضد صديقه مع من هاجموه، حتى وإن لم يكن ذلك الإنجاز على المستوى المطلوب، بل يقف معه حتى يتخطى تلك الحالة، ثمّ بعدها يجلس مع صديقه جلسة صادقة، ويبدأ معه بنقد ذلك الإنجاز، وبيان النقاط السلبية فيه، ومن ثم مشاركته في محاولة تعديلها، لتحسين الأداء في المستقبل، وتطويره، وهكذا يكون الصديق قد حفّز صديقه، وبنفس الوقت ساعده على تقديم الإنجاز بالشكل الصحيح.
الوقوف عند الأزمات
يقولون (الصديق وقت الضيق)؛ نعم هذا صحيح، ومَن غير الصديق يقف مع صديقه عند الأزمات، وهذه النقطة تختلف عن نقطة التواجد عند الطلب، فتلك وقفة بناء على طلب الصديق، أمّا هنا نحن نتحدث عن الوقفة التي يبادر فيها الصديق في الوقوف مع صديقه دون طلب منه، فبمجرد وصول الخبر إلى الصديق بأنّ هناك مشكلة يعاني منها صديقه، أو أنّ هناك ظرفاً ما، عليه أن يفرّغ نفسه ويُعلن تواجده بنفسه، بحيث يلتفت الشخص الذي تمرّ به الضائقة ويجد صديقه بجانبه لمعاونته ومساعدته، حتى مرور تلك الضائقة على خير، وانتهاء تلك الأزمة بسلام.
الصحبة الصالحة
إن كان لدى الشخص عادات سيئة، أو تصرفات سلبية، عليه أن يُجنب صديقه إياها، ولا يحاول إشراكه معه في هذه العادات، والتصرفات، ويكفيه غرقه فيها، وليس عليه أن يجرف صديقه معه، فأين تلك الصداقة والصحبة، وهو يأخذ صاحبه معه إلى تلك التصرفات السلبية، والعادات القبيحة، بل ليس عليه إلا أن يدلّه على كل خير وكل أمر صالح، لأنّه بالنتيجة حتى وإن علّم صديقه تلك العادات والتصرفات السيئة، سيتنبّه ذلك الصديق بأنّه قد تعلّمها منه، وقد يصحو، ويحاول النجاة بنفسه، ويترك ذلك الصديق السيء، وكذلك ليس على الصديق أن يترك صديقه يخطىء ويجلس متفرجاً، وينظر إليه وهو يهوي بنفسه، بل عليه أن يدلّه على الخير، وينصحه دائماً، بل يقسو عليه إن تطلب الأمر ذلك، حتى يستطيع إبعاده عن تلك التصرفات، فهذا هو المعنى الحقيقي للصحبة الصالحة.
الابتعاد عن الأمور المالية
للحفاظ على الصداقة، يجب على كلا الصديقين الابتعاد عن الأمور المالية، قدر الإمكان، وهذا واقع؛ وتجارب الناس هي التي تخبرنا بذلك، فنجد الكثير من علاقات الصداقة انتهت بسبب دخول المسائل المالية بينهما، فمنهم من يقترض من صديقه، ومنهم من يشاركه، والمال كما يقولون عديل الروح، والإنسان بطبعه مُحب للمال، وقد يخسر صديقه، مقابل عدم خسارته لماله. فمن أراد الحفاظ على علاقة الصداقة، عليه أن يبتعد عن الأمور المالية، ولا يدخلها في علاقته مع صديقه.
الوسطيّة في العلاقة
يقول الإمام الشافعي:
أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما
وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما
وهذه دعوة للوسطيّة في العلاقة، فالاعتدال في العلاقة أمر مطلوب، لا أن يقترب من صديقه حتى يملّه، ولا أن يبتعد عنه حتى ينساه، بل عليه أن يوازن في العلاقة؛ فيتركه يمارس حياته بكل أريحية، دون أن يلتصق به، ويقيّده، وعليه أن يُغيّر من طرق التواصل، فتارة يتصل به هاتفياً، وتارة يزوره، وتارة يخرج معه، ولكن دون الالتصاق به، وخنقه، وتقييده، وقد تكون هذه المشكلة متواجدة لدى كلاهما، فكل منهما مرتبط بالآخر ارتباطاً خانقاً، ويعتبران أنّ هذا هو المعنى الحقيقي للصداقة، ولكن في المستقبل سيملان بعضهما البعض. كما أنّ الأهل قد لا يعجبهما هذا الارتباط مما يؤدي إلى كره ذلك الصديق، والذي يتوجب عليهم بالأصل أن يحبوه، لذلك كان لا بدّ من الوسطية في العلاقة.
وفي الختام أدعو الجميع للتأمل في صورة علاقة الصحبة التي كانت تجمع سيد البشرية، سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام مع صديقه خليفة المسلمين الأوّل الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي عنه، وما كان يجمعهما من محبة، ومساندة، ومشاركة، ومؤاخاة، ونصرة. ومن أراد أن ينتصح، ويتعلم كيف يحافظ على صديقه، فليطلع على سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام في علاقته مع صديقه أبي بكر، وعلاقته مع صحابته رضوان الله عليهم جميعاً.