صلاح الدين الأيّوبي
لم تزل الأطماع الغربيّة في السّيطرة على مقدّرات الأمّة الإسلاميّة وتدمير حضارتها قائمة إلى وقتنا الحاضر، فقد أكّد القرآن الكريم على العداوة المتأصّلة في نفوس أعداء الدّين والتي قد تظهر أحيانًا وتبدو للعيان، وقد تبقى في الصّدور متحيّنةً الفرصة للانقضاض على أمّة الإسلام واحتلال أراضيها، قال تعالى (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) .
وفي عام 1919 ميلاديّة قامت القوات الفرنسيّة باحتلال سوريا ضمن خطة الانتداب الفرنسي للسّيطرة على تركة الخلافة العثمانيّة، وقد كان قائد القوات الفرنسيّة آنذاك الجنرال غورو الذي دخل إلى دمشق مزهوّاً بنصره يقوم بالتّوجه إلى قبر صلاح الدّين الأيوبي الذي يقع قرب الجامع الأموي وتحديدًا في حيّ الكلاسة ويقوم على القبر ويركله بحذائه النّجس مردّدًا عبارة أبانت عن حقده الدّفين على الإسلام حين قال ها قد عدنا يا صلاح الدّين، وهو يقصد بذلك عودة مرحلة الحملات الصّليبيّة التي كانت تستهدف مصر وبلاد الشام، فما هي سيرة هذا البطل الذي وقف غورو على قبره ليردّد تلك العبارات؟
صلاح الدين الأيّوبي
ولد صلاح الدين محمّد بن أيوب في بلدة تكريت من أعمال العراق وتحديدًا في قلعتها وذلك سنة 1138 ميلاديّة لعائلة كرديّة نبيلة، وما لبثت هذه العائلة أن هاجرت إلى الموصل لتقيم مع السّلطان عماد الدّين زنكي، وحينما قرّر عماد الدّين زنكي أن يتوجّه بجيشه غربًا باتجاه دمشق ليضمّها إلى سلطانه تحقّق له ما يصبو إليه، وقد رحل إلى دمشق ليستقر فيها وأخذ معه نجم الدين أيوب وابنه صلاح الدّين؛ حيث بقيت العائلة في كنف عماد الدّين زنكي ورعايته ومن بعده ابنه نور الدين محمود بن زنكي، وقد أثّرت البيئة التي تربّى فيها صلاح الدّين على شخصيّته حيث شبّ كريم الأخلاق جواداً كريمًا متسامحًا.
أمّا على صعيد الجانب العسكري فقد تبلورت شخصيّة صلاح الدّين الأيوبي العسكريّة بتأثّره الكبير بعمّه أسد الدّين الذي كان بطلًا مغواراً وفارسًا شجاعًا؛ حيث انتدبه نور الدّين زنكي للتوجّه إلى مصر من أجل احتلالها وضمّها إلى سلطانه، وقد رافقه في مهمّته تلك صلاح الدّين ابن أخيه؛ حيث أبدى شجاعةً فائقة، وقتل وزير الفاطميين في مصر شاور الذي تسلّط على العباد وتعاون مع الصّليبيّين الأعداء، وقد فرح المصريون فرحًا شديدًا بقتل شاور ولاحقًا بإنهاء حكم الدّولة الفاطميّة العبيديّة التي استمرت ما يقارب ثلاثمئة سنة؛ حيث تولّى صلاح الدّين مقاليد حكم مصر ونشأت الدّولة الأيوبيّة التي تمكّنت من ضمّ الشّام إليها لتتوحّدان في قطرٍ واحد، وليتمكّن صلاح الدّين الأيوبي من هزيمة الصّليبّين في معركة حطّين ودحرهم عن بلاد الشّام .