شبح منزلي اسمه.. النكد الزوجي 2019
سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
النكد والغم بئر عميق ندفن فيه كل اللحظات السعيدة و الذكريات الحلوة، ولا يبقى في عمرنا وأيامنا سوى الحسرة والتعاسة والكآبة.. النكد تصرف غير مباشر يعبر عن غياب الاستقرار الأسري والتناغم الزوجي وتبخر أحلام السعادة التي راودتنا طيلة فترة الخطبة.. إنه نذير خطر وأمارة شؤم على بيوتنا وأسرنا، ورغم أنه يبدو في ثورات متقطعة من الغضب والنفور إلا أنه يمكن أن يتحول إلى مشكلة مزمنة يصعب التخلص منها إلا بالانفصال.
أسباب ودوافع:
النكد أقوى الوسائل وأمضى التصرفات التي تستخدمها الزوجة عندما تريد أن تقول شيئاً ما لزوجها تعلم من خلال تجاربها الحياتية معه بأنه لن يتجاوب معها. وكثيراً ما يؤدي غياب قنوات التواصل الحواري بين الزوجين إلى لجوء الزوجة لافتعال المشاكل لإثارة هذا «الرجل المتبلد» الذي لا يحرك ساكناً ولا يكترث بمشاعر زوجته ولا معاناتها. ومن المعروف عن المرأة بأنها حساسة لا تقوى على كتمان مشاعرها؛ فهي سريعة التأثر وسرعان ما تعبر عن دواخلها من ضغوطات ومشاعر سواء سلبية أو إيجابية، وربما هذا ما يجعل تصرفاتها تصنف في قائمة النكد.
والبعض يرجع النكد إلى معاناة الزوجة من النظرة الدونية من قبل زوجها، وإحساسها بأن حقوقها مهضومة لمجرد أنها أنثى، وأنها غير قادرة على جني أي مكتسبات، مما يجعلها تلجأ للشكوى وتصبح كثيرة التذمر والصراخ لعلها تجد متنفساً عن إحبطاتها.
ولاشك أن للنشأة و التربية علاقة بهذا السلوك؛ فالتي تكبر وهي تشاهد أمها تستخدم هذا الأسلوب مع والدها تتشرب هذه السلوكيات وتبدأ لا شعورياً بتقليد أمها، كما تلعب نصائح الصديقات -التي لا يجب الأخذ بها دوماً- دوراً في استخدام «النكد» كأسلوب لتحصل الزوجة المهضومة على ما تريد من زوجها.
أيضا تتسبب الرتابة والملل اللذان يخيمان على عش الزوجية في إشاعة جو النكد. وقد يكون النكد بسبب طبيعة المرأة العاطفية الحالمة التي تصطدم بالواقع حين تواجه الحياة الأسرية حيث تعتقد الكثيرات أن الزواج شهر عسل دائم، ورومانسية لا تنتهي، وحين تدخل هذا العالم وتلمس حجم المسؤوليات الملقاة عليها وصعوبة الحياة بشكل عام يصيبها الاكتئاب ويدخل النكد حياتها الذي ينعكس تباعاً على الزوج والبيت وال أطفال أيضاً.
سيناريوهات كارثية:
غالبا ما يحمل الزوج زوجته كل المسئولية في نكدها، ويندهش ويتسائل لماذا هي نكدية؟ ولماذا تختفي الابتسامة من وجهها معظم الوقت ويحل محلها الغضب والوعيد؟! ولماذا هي لا تتكلم؟! لماذا لا ترد؟! والحقيقة أن هذا الزوج لا يعرف أن زوجته بصمتها الغاضب إنما هي تدعوه للتفاعل معها وتفهم دواخلها.. إنها تصدر إليه رسالة سلبية، ولكن هذه هي طريقتها لأنهما لم يتعودا معا على طريقة أكثر فاعلية في التفاهم.
يقول المختصون: يقلق الزوج ويكتئب كرد فعلي على نكد الزوجة، ثم يغلي في داخله، ثم ينفجر، وتشتعل النيران، أما الزوجة فتصمت وتتجاهله لتثيره وتحرق أعصابه وتهز كيانه وتزلزل إحساسه بذاته كي يسقط ثائراً هائجاً وربما محطماً.. عندها تهدأ الزوجة داخلياً ويرضيها زلزلة زوجها حتى وإن ازدادت الأمور اشتعالاً وشجاراً، وهذا هو شأن التخزين الانفعالي للغضب.
بذلك تكون الزوجة قد نجحت في استفزازه إلى حد الخروج عن توازنه، لأنها ضغطت بأهم شيء يألم رجولته وهو «التجاهل».. ولكن هذه ليست حقيقة مشاعرها فقط، بل هي تغلي أيضاً لأنها غاضبة، غاضبة من شيء ما، ولكنها لا تستطيع أن تتكلم. فهذا هو طبعها. ربما يمنعها كبرياؤها، فهذا الزوج يخطئ في حقها وهو لا يدري أنه يخطئ، وأن أخطاءه ربما تكون غير إنسانية. ربما هو يتجاهلها عاطفياً.. ربما بخله يزداد.. ربما بقاؤه خارج البيت يزداد بدون داع حقيقي.. ربما أصبح سلوكه مريباً.. ربما…وربما.. وربما.
ولكنه لا يدري، أو هو غافل، أو هو يعرف ويتجاهل. وهو في كل هذا لا يشعر بمعاناتها، أي أنه فقد حساسيته، ولكنها لا تتكلم ولا تفصح عن مشاعرها الغاضبة.. ربما لأنها أمور حساسة ودقيقة، وربما لأن ذلك يوجع كرامتها، وربما لأنهما لم يعتادا أن يتكلما، ولهذا فهي لا تملك إلا هذه الوسيلة السلبية للتعبير بل والعقاب.
وإذا بادل الزوج زوجته صمتا بصمت وتجاهلا بتجاهل فإن ذلك يزيد من حدة غضبها وربما تصل هي إلى مرحلة الثورة والانفجار فتنتهز فرصة أي موقف -وإن كان بعيداً من القضية الأساسية- لتثير زوبعة.. لقد استمر في الضغط عليها حتى دفعها للانفجار، وضغط عليها بصمته وتجاهله رداً على صمتها وتجاهلها، وتلك أسوأ النهايات أو أسوأ السيناريوهات.
هذا الأسلوب يؤدي إلى تآكل الأحاسيس الطيبة، ويقلل من رصيد الذكريات الزوجية الحلوة، ويزيد من الرصيد السلبي المر. وتسير الحياة خالية من التفاهم وخالية من السرور ويصبح البيت جحيم. فتنطوي الزوجة على نفسها واهتماماتها الخاصة، ويهرب الزوج من البيت، وتتسع هوة كان من الممكن ألا توجد لو كان هناك أسلوب إيجابي للتفاهم.
والخطأ الأكبر الذي يقع فيه الزوجان أن يجعلا المشاكل تتراكم بدون مواجهة، بدون توضيح، بدون حوار بصوت عال هادئ، بدون أن يواجه كل منهما الآخر بأخطائه أولاً بأول، بدون أن يعبر كل منهما عن قلقه ومخاوفه وتوقعاته وآلامه وهمومه.
قد يكون تجاهل الزوج لمتاعب الزوجة ليس عن قصد أو سوء نية أو خبث، ولكن لأنه لا يعرف، لا يعلم، لأنها لم تتحدث إليه، لأنها لم تعبر بشكل مباشر. ربما لأنها تعتقد أنه يجب أن يراعى مشاعرها دون أن تحتاج هي أن تشير له إلى ذلك، ربما تود أن يكون هو حساساً بالدرجة الكافية، ربما تتمنى أن يترفع عن أفعال وسلوكيات تضايقها وتحرجها. وهذا جميل وحقيقي، ولكن الأمر يحتاج أيضاً إلى تنبيه رقيق.. إشارة مهذبة.. تلميح راق، كلمات تشع ذوقاً وحياء دون مباشرة. ولا مانع وخاصة في الأمور الهامة والحساسة والدقيقة من المواجهة المباشرة والحوار الموضوعي.
وينبغي أن لا يخاف أي من الزوجين تطور الحوار إلى قليل من الانفعال، فالشجار ليس بداية النهاية.. بل بالعكس بداية استقرار الحياة الزوجية, فعقب كل شجار يسعى الزوج و الزوجة جديا للتوفيق بين طباعهما وميولهما, واحتياجاتهما, وطموح كل منهما في الحياة، والشعور بخطر المنازعات الزوجية علي مسيرة الزواج.
الحوار أفضل وسيلة :
أفضل وسيلة لتسوية أي خلاف ينشأ بين الزوجين هي المناقشة الهادئة بالمنطق و الحجة, ومراعاة كل منهما ظروف صاحبه, وأيضا تنازل كل طرف عن جزء من رغباته للوصول إلي منتصف الطريق. ومعظم المشاكل بين الزوجين تنبع من اختلاف البيئة التي ينشأ فيها كل منهما, واختلاف الطباع والعادات والميول وغير ذلك. وتعتبر النظرة الواقعية للزواج هي المدخل الحقيقي لحل أية مشكلات تواجه الزوجين في بدء حياتهما الزوجية.. النظرة الواقعية التي تري حقيقة الزواج وأنه ليس مجرد شهر عسل دائم, بل حياة مشتركة فيها الحقوق والواجبات وفيها أيضا المسئوليات.
ولذلك فعلي الزوجين أن يسلمان في أوائل عهدهما ب الزواج بأنه لا مفر من المنازعات، ثم يتفقان علي أسلوب المناقشة بينهما, والطريقة التي سوف تتبع في حل خلافاتهما.. فهناك فارق كبير بين أن يختلف رجل مع امرأته علي موضوع معين, ثم يجلس الاثنان معا ويبحثان خلافاتهما بهدف الوصول إلي حل لها.. وبين أن يختلف الزوجان ثم يتضح أن سبب الخلاف هو رغبة كل منهما في فرض شخصيته أو كلمته علي الآخر.
وأسوأ ما يمكن أن يحدث بين زوجين أن ينشب بينهما نزاع في مكان عام, أو أمام الأقارب أو الأصدقاء, وما قد يترتب علي ذلك من إفساح مكان للغرباء للتدخل ونصرة رأي أحدهما علي الآخر, وتكون النتيجة هو أن يتمسك كل طرف برأيه في محاولة لحفظ ماء الوجه, فضلا عما يثيره هذا التدخل من شعور في نفسهما معا بأنهما أصبحا غريبين, وما يتركه ذلك من رواسب يكون لها أسوأ الأثر في مستقبل العلاقة الزوجية .. فالأفضل أن أي شجار بين الزوجين يجب أن يسوى بينهما دون أن يتركا المجال لأحد مهما كانت علاقته بالطرفين بالتدخل لفض هذا النزاع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين