ذكرى سقوط بغداد
محتويات المقال
سقوط بغداد
يعرف سقوط بغداد بأنّه دخول المغول بقيادة هولاكو خان حاك إلخانيّة فارس إلى مدينة بغداد مركز الدولة العباسيّة، وعاصمة الخلافة الإسلاميّة بتاريخ 10 شباط عام 1258م بأمرٍ وتكليف من الخاقان الأكبر مونكو خان لاستكمال الفتوحات المغوليّة في الجنوب الغربي الآسيوي، والتي بدأها الجد جنكيز خان، حيث حوصرت المدينة مدّة اثني عشر يوماً قبل دخولها وتدميرها وقتل معظم سكانها.
تاريخ سقوط بغداد
التحرك باتجاه بغداد
في أواخر شهر كانون الثاني من سنة 1257م، تحرَّك هولاكو بالجيش وبصحبته أُمراء المغول والقادة وحُكامٌ وكُتّابٌ من إيران، ولمَّا وصل أسد أباد، أرسل للمُستعصم يأمُره بأن يأتيه، فماطلهُ المُستعصم في البداية، ثُمَّ حاول استرضاءه ومُهادنته، فأرسل وفداً إليه يُفاوضه ويستأمن على حياة الخليفة وعائلته، ويُثنيه عن احتلال بغداد، وكان الخليفة يُدرك مدى علاقة هولاكو بالمسيحيين السُريان؛ نظرًا لِكون زوجته دوقوز خاتون مسيحيَّة نسطوريَّة، فأراد استغلالها.
كان هذا الوفد محمّلاً بالهدايا الغالية والثمينة، وحذر ابن الجوزي هولاكو من خطر الهجوم على بغداد، كما عرض عليه تسليمه خزائن المدينة مقابل الرجوع عن احتلالها، ولكنّ هولاكو رفض كل ذلك، وأراد الانتقام من الإهانة التي حصلت لرسله، وفي أثناء مسيره هاجمت بعض قواته بقيادة قدغان وكتبغا نوين الأكراد عند ديار بكر، مما أدى إلى خوفهم وفرارهم إلى الجبال، ولكنّ قوات المغول تعقبّتهم وقتلت البعض، وأسرت الباقين، كما أنهم نهبوا كرمانشاه، وبعد ذلك هاجموا طلائع الجيش البغدادي، وأسروأ أيبك الحلبي وسيف الدّين قلج، واستخدموهم كمرشدين لقوّات المغول.
في 16 كانون ثاني لعام 1258م مرّ بايجو نويان وبوقا تيمور وسونجاق نهر دجلة باتجاه الدجيل وصولاً إلى نهر عيسى، وهناك تفرقوا، وزحف بايجو خان بجيشه إلى الغرب من بغداد، وعند سماع الوزير مجاهد الدين أيبك الدوادار قائد الجيش البغدادي بعبور المغول ضفة دجلة الغربيّة حتى انضم إلى قوات سونجاق وبوقا تيمور بالقرب من حدود الأنبار، وهذا ما جعله يحقق نصراً مؤقتاً نتج عنه التحاق قوات سونجاق وبوقا تيمور إلى قوات بايجو، وآنذاك فتح المغول سدّاً على النهر أدى إلى غمر الصحراء بالماء، ومحاصرة الجيش البغدادي، ثمّ هاجم بايجو وبوقا تيمور قوّات مجاهد الدين وابن قر.
هزيمة الجيش البغدادي
هُزم الجيش البغدادي بعد قتل ابن قر، ومات حوالي اثني عشر ألف رجلٍ قتلاً وغرقاً، وهرب مجاهد الدين إلى بغداد، كما هرب البعض من الجنود إلى الحلَّة والكوفة، واصل بعد ذلك بوقا تيمو وبايجو وسونجاق زحفهم حتى بلغوا الجزء الغربي من بغداد، كما عبر هولاكو خانقين، واتجه منها إلى شرق بغداد بتاريخ 18 كانون الثاني لعام 1258م، وبذلك حوصرت بغداد من كلِّ الجهات، ويشار إلى مشاركة العديد من القوّات الإسلاميّة من مختلف المذاهب في الهجوم المغولي على المدينة.
حصار وضرب بغداد
في 29 كانون الثاني لعام 1258م قصف المغول المدينة بالمجانيق، وكان هولاكو متصدّراً قلب الجيش في حصاره للمدينة من أمام البرج العجمي، وبعض القادة من مقابل بوابة كلواذي، وآخرون من أمام باب سوق السلطان، وبايجو وسونجاق من أمام غرب المدينة بالقرب من البيمارستان العضدي، وأدى القصف إلى إصابة البرج العجمي بثغرة كبيرة، وعندها أحسّ الخليفة بالخطر الكامن به، وأنّ الأمر خرج عن السيطرة، وهذا ما دفعه إلى إيجاد حلّ سلمي مع هولاكو، حيث ناشده للرجوع عن حصار المدينة، وأرسل وزيره ليقول له أنّ الخليفة حقق له مطالبه، وعلى هولاكو الآن أن يفي بوعوده التي قطعها، ويتراجع عن التسبب بالأذى للمدينة وأهلها، وردّ عليه هولاكو بالقول أنّه طلب ذلك عندما كان على باب همدان، وهو الآن على أبواب بغداد.
استمرّ هولاكو بنشر الفتن والقتال، وفي اليوم التالي بعث الخليفة وزيره مع صاحب الديوان والعديد من الشخصيّات الأخرى لكنّ هولاكو لم يستمع لهم واستمرّ في القتال والضرب لمدّة ستة أيام أخرى، وبعد ذلك رمى المغول بغداد بسهام تحتوي على رسائل تتضمن أنّ المغول أمَّنوا العلماء والشيوخ والتجّار والقضاة الذين لم يشاركو في القتال.
في تاريخ 1 شباط لعام 1258م هدم المغول قسماً من البرج العجمي، وتسلقوه بعد ثلاثة أيام، وقتلوا حراسه، كما سيطروا على الأسوار الشرقيّة مع حلول المساء، ونصبوا المجانيق على النهر بأمرٍ من هولاكو، وذلك لمنع أي محاولة هرب سوف تتم من خلاله، وأقدم مجاهد الدّبن على الفرار من بغداد بالسفينة، ولكنّ المغول أغرقوها، وعادوا مرة أخرى إلى المدينة.
عندما يئس الخليفة من مقاومة المغول أرسل إلى هولاكو الهدايا، ولكنّه لم يهتم بها، وفي اليوم التالي أرسل أموالاً لهولاكو مع ابنه أبي الفضل، ولكنّه رفضها، واستمرّت محاولات الخليفة لإرضاء هولاكو، ولكنه رفض كل هذه المحاولات، وهناك بعض الأقليّات الدينيّة والعرقيّة التي تفاوضت سرياً مع المغول لعدم مقاتلتهم.
سقوط بغداد
أرسل هولاكو رسالة إلى الخليفة العباسي فحواها أنّه حرٌ في البقاء أو الخروج من المدينة، ولكنّ الجيش المغولي لن يبتعد عن الأسوار حتى خروج سليمان شاه والدوادار اللذان خرجا إليه، ولكنّ المغول طالبوهم بالرجوع والخروج مع أتباعهم الجنود، فرجعوا مرةً أخرى ومعهم العساكر البغداديين مستسلمين، وعندما رأى هلاكو أعداد المستسلمين الكبيرة أمر بتقسيمهم إلى مجموعات مكونة من ألوف ومئات لقتلهم جميعاً.
قبض هولاكو على سليمان شاه وسبعمئة ألف من أقاربه، وقتلهم أجمعين، وبعث برأسه ورؤس الدوادار وتاج الدين إلى بدر الدين لؤلؤ لتعليقها في الموصل، وعندما رأى بدر الدين ذلك حزن حزناً شديداً؛ لأن سليمان شاه من أعزّ أصحابه، ويشار إلى أنّ المغول كان يستدعون أكابر دار الخلافة بأولادهم ونسائهم ويأخذونهم إلى مقبرة الخلال، ويذبحونهم كذبحهم للشاة، ويأخذون بناتهم وجواريهم حسب ما قالة المؤرخ بدر الدّين العيني.
بتاريخ 10 شباط 1258م خرج المستعصم بأولاده أبي الفضل وأبي العباس وأبي المناقب مبارك مصحوبين بسبعمئة من القضاة والفقهاء والأمراء ورجال الدولة للقاء هولاكو، ولكن تم إيقافهم، والسماح لسبعة عشر رجلاً فقط بأن يصحبوا الخليفة إلى هولاكو، وقتل الباقون، كما جعل هولاكو الخليفة بأمر سكان المدينة دون أسلحة لعدّهم، ولكنّ المغول غدروا بهم فور خروجهم وقتلوهم، ووضع الخليفة وأولاده الثلاثة وبعض أتباعه وحراسه في معسكر كتبغا نويان القريب من باب كلواذي.