اشعار مميزة عن الغزل

مقدمة

تميز الشعر العربي بجماله وسلاسة عباراته في الإفصاح عن المشاعر والأحاسيس الموجودة في قلب الشاعر، وتغنى الكثير من الشعراء بالحب والهيام لأشخاص كانوا يمثلون الكون بأكمله بالنسبة لهم، فمنهم من كان شعره عذرياً ومنهم من كان يتفنن في الشعر غير العذري، ومنهم الشاعر نزار قباني، وهو نزار بن توفيق القباني، شاعر سوري معاصر له الكثير من القصائد الشعرية التي تغنت بالحب والغزل

أشعار نزار قباني

حب بلا حدود

  • يا سيّدتي:
كنت أهم امرأة في تاريخي
قبل رحيل العام.
أنت الآن.. أهمّ امرأة
بعد ولادة هذا العام..
أنت امرأة لا أحسبها بالساعات وبالأيّام.
أنت امرأة..
صنعت من فاكهة الشّعر..
ومن ذهب الأحلام..
أنت امرأة.. كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوام..
يالمغزولة من قطن وغمام.
يا أمطاراً من ياقوت..
يا أنهاراً من نهوند..
يا غابات رخام..
يا من تسبح كالأسماك بماء القلب..
وتسكن في العينين كسرب حمام.
لن يتغير شيء في عاطفتي..
في إحساسي..
في وجداني.. في إيماني..
فأنا سوف أظلّ على دين الإسلام..
لا تهتّمي في إيقاع الوقت وأسماء السنوات.
أنت امرأة تبقى امرأةً.. في كل الأوقات.
سوف أحبّك..
عند دخول القرن الواحد والعشرين..
وعند دخول القرن الخامس والعشرين..
وعند دخول القرن التاسع والعشرين..
وسوف أحبّك..
حين تجفّ مياه البحر..
وتحترق الغابات..
أنت خلاصة كلّ الشعر..
ووردة كلّ الحريات.
يكفي أن أتهجى اسمك..
حتى أصبح ملك الشعر..
وفرعون الكلمات..
يكفي أن تعشقني امرأة مثلك..
حتى أدخل في كتب التاريخ..
وترفع من أجلي الرايات..
  • يا سيّدتي
لا تضطربي مثل الطائر في زمن الأعياد.
لن يتغير شيء منّي.
لن يتوقّف نهر الحبّ عن الجريان.
لن يتوقف نبض القلب عن الخفقان.
لن يتوقف حجل الشعر عن الطيران.
حين يكون الحب كبيراً..
والمحبوبة قمراً..
لن يتحول هذا الحبّ
لحزمة قشّ تأكلها النيران…
ليس هنالك شيء يملأ عيني
لا الأضواء..
ولا الزينات..
ولا أجراس العيد..
ولا شجر الميلاد.
لا يعني لي الشارع شيئاً.
لا تعني لي الحانة شيئاً.
لا يعنيني أي كلام
يكتب فوق بطاقات الأعياد.
لا أتذكّر إلا صوتك
حين تدقّ نواقيس الآحاد.
لا أتذكر إلا عطرك
حين أنام على ورق الأعشاب.
لا أتذكر إلا وجهك..
حين يهرهر فوق ثيابي الثلج..
وأسمع طقطقة الأحطاب..
  • ما يفرحني يا سيّدتي
أن أتكوّم كالعصفور الخائف
بين بساتين الأهداب…
  • ما يبهرني يا سيّدتي
أن تهديني قلماً من أقلام الحبر..
أعانقه..
وأنام سعيداً كالأولاد…
ما أسعدني في منفاي
أقطّر ماء الشعر..
وأشرب من خمر الرهبان
ما أقواني..
حين أكون صديقاً
للحرية.. والإنسان…
كم أتمنى لو أحببتك في عصر التنوير..
وفي عصر التصوير..
وفي عصر الروّاد
كم أتمنى لو قابلتك يوماً
في فلورنسا.
أو قرطبة.
أو في الكوفة
أو في حلب.
أو في بيت من حارات الشام…
كم أتمنى لو سافرنا
نحو بلاد يحكمها الغيتار
حيث الحبّ بلا أسوار
والكلمات بلا أسوار
والأحلام بلا أسوار
لا تنشغلي بالمستقبل، يا سيدتي
سوف يظلّ حنيني أقوى مما كان..
وأعنف مما كان..
أنت امرأة لا تتكرّر.. في تاريخ الورد..
وفي تاريخ الشعر..
وفي ذاكرة الزنبق والريحان…
  • يا سيّدة العالم
لا يشغلني إلا حبّك في آتي الأيام
أنت امرأتي الأولى.
أمي الأولى
رحمي الأول
شغفي الأول
شبقي الأوّل
طوق نجاتي في زمن الطوفان…
يا سيّدة الشعر الأولى
هاتي يدك اليمنى كي أتخبّأ فيها..
هاتي يدك اليسرى..
كي أستوطن فيها..
قولي أيّ عبارة حبّ
حتى تبتدئ الأعياد

حقائب الدموع والبكاء

  • إذا أتى الشتاء..
وحركت رياحه ستائري
أحس يا صديقتي
بحاجة إلى البكاء
على ذراعيك..
على دفاتري..
إذا أتى الشتاء
وانقطعت عندلة العنادل
وأصبحت..
كل العصافير بلا منازل
يبتدئ النزيف في قلبي.. وفي أناملي.
كأنما الأمطار في السماء
تهطل يا صديقتي في داخلي..
عندئذ.. يغمرني
شوق طفولي إلى البكاء..
على حرير شعرك الطويل كالسنابل..
كمركب أرهقه العياء
كطائر مهاجر..
يبحث عن نافذة تضاء
يبحث عن سقف له..
في عتمة الجدائل..
واغتال ما في الحقل من طيوب..
وخبأ النجوم في ردائه الكئيب
يأتي إلى الحزن من مغارة المساء
يأتي كطفل شاحب غريب
مبلل الخدين والرداء..
وأفتح الباب لهذا الزائر الحبيب
أمنحه السرير.. والغطاء
أمنحه.. جميع ما يشاء
من أين جاء الحزن يا صديقتي
وكيف جاء
يحمل لي في يده..
زنابقاً رائعة الشحوب
يحمل لي..
حقائب الدموع والبكاء..
أحزان في الأندلس
كتبت لي يا غالية..
كتبت تسألين عن إسبانية
عن طارق، يفتح باسم الله دنيا ثانية..
عن عقبة بن نافع
يزرع شتل نخلة..
في قلب كلّ رابية..
سألت عن أمية..
سألت عن أميرها معاوية..
عن السرايا الزاهية
تحمل من دمشق.. في ركابها
حضارةً وعافية..
لم يبق في إسبانية
منّا، ومن عصورنا الثمانية
غير الذي يبقى من الخمر،
بجوف الآنية..
وأعين كبيرة.. كبيرة
ما زال في سوادها ينام ليل البادية..
لم يبق من قرطبة
سوى دموع المئذنات الباكية
سوى عبير الورود، والنارنج والأضالية..
لم يبق من ولاّدة ومن حكايا حبها..
قافية ولا بقايا قافية..
لم يبق من غرناطة
ومن بني الأحمر.. إلا ما يقول الراوية
وغير “لا غالب إلا الله”
تلقاك في كلّ زاوية..
لم يبق إلا قصرهم
كامرأة من الرخام عارية..
تعيش لا زالت على
قصّة حبّ ماضية..
مضت قرون خمسة
مذ رحل “الخليفة الصغير” عن إسبانية
ولم تزل أحقادنا الصغيرة..
كما هي..
ولم تزل عقلية العشيرة
في دمنا كما هي
حوارنا اليوميّ بالخناجر..
أفكارنا أشبه بالأظافر
مضت قرون خمسة
ولا تزال لفظة العروبة..
كزهرة حزينة في آنية..
كطفلة جائعة وعارية
نصلبها على جدار الحقد والكراهية..
مضت قرون خمسة.. يا غالية
كأننا.. نخرج هذا اليوم من إسبانية..

قصيدة الحزن

  • علمني حبك.. أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور..
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البللور المكسور
  • علمني حبك.. سيدتي
أسوأ عادات
علمني أفتح فنجاني
في الليلة آلاف المرات..
و أجرب طب العطارين..
و أطرق باب العرافات..
علمني.. أخرج من بيتي..
لأمشط أرصفة الطرقات
و أطارد وجهك..
في الأمطار وفي أضواء السيارات..
و أطارد طيفك..
حتى.. حتى..
في أوراق الإعلانات..
علمني حبك..
كيف أهيم على وجهي.. ساعات
بحثا عن شعر غجري
تحسده كل الغجريات
بحثا عن وجه.. عن صوت..
هو كل الأوجه والأصوات
  • أدخلني حبك.. سيدتي
مدن الأحزان..
و أنا من قبلك لم أدخل
مدن الأحزان..
لم أعرف أبداً..
أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزن
ذكرى إنسان..
  • علمني حبك..
أن أتصرف كالصبيان
أن أرسم وجهك..
بالطبشور على الحيطان..
و على أشرعة الصيادين
على الأجراس..
على الصلبان
علمني حبك..
كيف الحبّ يغير خارطة الأزمان..
علمني أني حين أحبّ..
تكف الأرض عن الدوران
علمني حبك أشياءً..
ما كانت أبداً في الحسبان
فقرأت أقاصيص الأطفال..
دخلت قصور ملوك الجان
و حلمت بأن تتزوجني
بنت السلطان..
تلك العيناها.. أصفى من ماء الخلجان
تلك الشفتاها.. أشهى من زهر الرمان
وحلمت بأني أخطفها
مثل الفرسان..
وحلمت بأني أهديها
أطواق اللؤلؤ والمرجان..
علمني حبك يا سيدتي ما الهذيان
علمني كيف يمر العمر..
و لا تأتي بنت السلطان..
كيف أحبك في كل الأشياء
في الشجر العاري..
في الأوراق اليابسة الصفراء
في الجو الماطر.. في الأنواء..
في أصغر مقهى..
نشرب فيه، مساءً، قهوتنا السوداء..
علمني حبك أن آوي..
لفنادق ليس لها أسماء
وكنائس ليس لها أسماء
ومقاه ليس لها أسماء
كيف الليل يضخم أحزان الغرباء..
علمني.. كيف أرى بيروت
إمرأة.. طاغية الإغراء..
إمراةً.. تلبس كل كل مساء
أجمل ما تملك من أزياء
وترش العطر.. على نهديها
للبحارة.. والأمراء..
أن أبكي من غير بكاء
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمين..
في طرق (الروشة) و(الحمراء)..
  • علمني حبك أن أحزن..
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة.. تجعلني أحزن
لامرأة.. أبكي بين ذراعيها..
لامرأة تجمع أجزائي..
كشظايا البللور المكسور..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى