اذهبوا مدى الحياة
بقلم : محمد عتيق
في الأنباء أن عدداً كبيراً من نواب البرلمان قد تداولوا أمر تعديل في الدستور يسمح لرئيس الجمهورية ان يترشح للرئاسة في ٢٠٢٠ ، وأنهم لم يكتفوا في مقترح التعديل بدورة إضافية او دورتين ، بل اقترحوا ان يستمر الرئيس الحالي في منصبه مدي الحياة ، مدي الحياة ؟ ، نعم ، ليصبح رئيساً بقية حياته بعد رئاسة امتدت ثلاثين عاماً !! وما معني مدي الحياة ؟؟ عقوبة السجن مدي الحياة في قوانين العقوبات تعني في الغالب ٢٠ عاماً ، أي ان المحكوم بالمؤبد يتم إطلاق سراحه بعد عشرين عاماً ، والعام الواحد في لوائح اغلب سجون العالم يساوي ٩ أشهر اذا كان المحكوم حسن السلوك داخل السجن (ولن أفسر ) ..
مقترح التعديل الدستوري هذا قد يكون تكتيكاً يستهدف رفع سقف مطالب الحزب الحاكم او الحكومة في حوار تقول المعطيات أنه سيجري بينها وبين بعض معارضيها قريباً ، وقد يكون لأسباب اخري .. ولكننا نتطلع لأبعد من ذلك ، ننظر لكل الذي يجري بأنه عبث فارغ ، ولعموم أوضاع بلادنا بأنها ملهاة موجعة … لدينا همس جاد ونداء متهدج ؛ انطلاقاً من نوايا حسنة بأن هناك بعضاً من ضمير وطني لا زال ينبض في أحشاء المؤتمر الوطني وقياداته ، ومن ظنون طيبة انه سيلقي السمع وسيستجيب للنداء ؛ نداء الشعب الصامت حيناً والمدوي أحياناً ، نداء الشعب والتاريخ والوطن : تنازل عن السلطة ، ترجل دون تردد او لجلجة ، لأنك لم تفشل فحسب وإنما فتكت بالوطن ومزقت كل شيء فيه ..
وانطلاقاً من تلك النوايا الحسنة والظنون الطيبة ندعوك ان تجلس الي كتب التاريخ ، وأن تستعرض ما فعله جيش المغول بعاصمة الخلافة العباسية ، زهرة الدنيا ومدينة المداين والنور ، وقارنوا بين ما فعلتموه بوطنكم وشعبكم وما فعله هولاكو ببغداد واهلها ، القتل هو القتل ، بالسيف كان أم بالجوع والمرض او الرصاص ، والنهب هو النهب ، بسلب الذهب من قباب المساجد والأولياء ، والمشغولات والتحف من القصور أم بسرقة ريع الدولة وممتلكاتها …
انظروا في مرآة المغول ستجدون انفسكم ، وفي مخلفات جيوشهم سترون وطنكم ، وفي اشلاء البغداديين شعبكم ..
هذا يكفي ، الي هنا كفاكم فابتعدوا ، دعوا الناس (أحزاباً ومنظمات مجتمع مدني) ، دعوهم يتنادوا الي مؤتمر دستوري وسياسي شامل – لا يد لكم في ادارته ومداولاته – لصياغة دستور يقر التنوع الثقافي والاثني والديني البديع الذي يزين بلادنا فيحدد الصيغة المثلي لحكم هذا السودان علي ضوئه بعيداً عن ثنائي الدين والقوات النظامية :
فالدين ، دوراً ومكانةً ومكاناً معروف القداسة ومحفوظ الشعائر والآداب ..
– والقوات النظامية ، مهامها معروفة ومحددة … ولا علاقة لأي منهما بشئون الحكم والسياسة والقانون ..
ابتداع صيغة الحكم المناسب ، تحديد المهام والواجبات ، وتمكين مبدأ سيادة حكم القانون ، هي العناصر التي تتحكم الي حد بعيد في عملية الاندماج الوطني الذي يحتاجه شعبنا ووطننا بإلحاح ، كما ان النهوض الشامل بالعملية التعليمية/التربوية بالخطط القصيرة والمتوسطة والطويلة الأمد هي ضمانة المستقبل عندما نتمكن من خلق الانسان المستنير الذي تتوطن به الديمقراطية وتطلق به الأعنة امام الإبداع والابتكار .. اذهبوا راشدين .