آدَابُ الْدُّعَاء
آدَابُ الْدُّعَاء
وهي التي بالوقوف عليها والعمل بها يُرزق العبد
الإجابة من الله وقد أشار إلى بعضها إبراهيم بن أدهم حين سأله رجلٌ قائلاً
يا إبراهيم قال الله{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فمــا بالنا ندعو فلا
يستجاب لنا فقال إبراهيم من أجل خمسة أشياء :
1- عرفتم الله فلم تؤدُّوا حقه .
2- وقرأتم القرآن فلم تعملوا به .
3- وقلتم : نحبُّ الرسول ، وتركتم سنَّته .
4- وقلتم : نلعن إبليس ، وأطعتموه .
5- والخامسة : تركتم عيوبكم ، وأخذتم في عيوب الناس .
ونجمل هذه الآداب باختصار شديد فيما يلي :
تجنُّب الحرام في المأكل والمشرب والملبس والكسب لقوله عليه أفضل الصلاة و
أتُّم السلام( يدعو الرجل )يَـمُدُّ يَدَيْهِ إلـى السماءِ يا ربِّ يا ربِّ
، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، ومَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ ،
وقَدْ غُذِّيَ بالـحَرَامِ ، فأَنَّى يُسْتَـجَابُ لَهُ) سنن البيهقي
الكبرى عن أبى هريرة ، ورواه مسلـم
الإخلاص لله تعالى وتقديم عمل صالح ويذكره عند الشدَّة كما فعل أصحاب الغار
الثلاثة الذين ذكرهم النبي ولقوله تعالى{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ}التنظُّف والتطهُّر والوضوء واستقبال القبلة وتقديم صلاة
الحاجة إن أمكن ويستحسن الجثو على الركب عند الدعاء والثناء على الله تعالى
أولاً وآخراً والصلاة على النبي كذلك وبسط اليدين ورفعهما بحذاء المنكبين
وعدم رفع البصر إلي السماء وأن يسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته
العليا وأن يتجنَّب السجع وتكلُّفه وأن لا يتكلَّف التغنِّي بالأنغام وخفض
الصوت والتأدُّب والخشوع والتمسكن مع الخضوع والإقرار بالذنب أن يتخيَّر
الجوامع من الدُّعــاء وخاصة الأدعيــة الصحيحة الواردة عن النبي أن يبدأ
بالدُّعاء لنفسه وأن يدعو لوالديه وإخوانه المؤمنين وأن لا يخصَّ نفسه
بالدعاء إن كان إماماً وأن يسأل بعزم ويدعو برغبة ويكرر الدُّعاء ويلحَّ
فيه وأن لا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم وأن لا يدعو بأمر قد فُرِغَ منه وأن لا
يعتدي في الدعاء بمستحيل أو ما في معناه وأن لا يتحجَّر وأن يسأل حاجته
كلها وأن لا يستبطئ الإجابة أو يقول دعوت فلم يستجب لي وأن يمسح وجهه بيديه
بعد فراغه وأن يؤمِّن الداعي والمستمع
أوْقَاتُ الإِجَـابَة
وقد حصر الأئمة الكرام الأوقات التي يتأكد فيها إجابـة الدعاء على ما ورد في الأحاديث الصحيحة فيما يلي :
ليلة القدر ويوم عرفة وليلة الجمعة ويومها ونصف الليل الثاني وثلثى الليل
الأول والآخر وجوف الليل ووقت السحر وساعة الجمعة وهي في أصح الأقوال ما
بين أن يجلس الإمام في الخطبة إلي أن تقضى الصلاة وشهر رمضان وخاصة عند
الإفطار لقول النبى(الصَّائِمُ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُ)عن أبي هريرة رواه
ابن ماجه فى سننه ، ومسند الشهاب .
وكذلك بيَّنت الأحاديث الشريفة الأحوال التي يُرْجَى فيها إجابة الدَّعاء
وهي : عند النداء بالصلاة ، وبين الآذان والإقامة ، وعند إقامة الصلاة ،
وعند الحيعلتين (أى حىَّ على الصلاة و حىَّ على الفلاح اللتان بالآذان )
لمن نزل به كرب أو شدَّة ، وعند التحام الصف في سبيل الله ، ودبر الصلوات
المكتوبات ، وفي السجود ، وعقيب تلاوة القرآن ولا سيما الختم لما رواه
الإمام السيوطي في جامعه الكبي ( أن العبد إذا ختم القرآن صلَّى عليه عند
ختمه ستون ألف مَلَك )وفي رواية الأذكار للنووي( أمَّن على دعائه أربعة
آلاف ملك ) وعند صياح الدِّيكة وعند اجتماع المسلمين وفي مجالس الذكر وعند
قول الإمام{وَلاَ الضَّالِّينَ } وعند تغميض الْمَيِّت وعند نزول الغيث
وعند رؤية الكعبة وهذا للعبد الذي لا يستطيع جمع قلبه على الدوام مع الله
أما العبد الذي رزقه الله الإخلاص ووفقه لتصفية القلب وتنقيته من الأغيار
فأصبح همه مجموعاً على مولاه فهذا عبد يستجيب الله له في أي وقت يدعو ومن
ذلك ما روى عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال{ ما احتجت إلى شئ
إلا قلت : يا رب عبدك يحتاج إلى كذا فما استتم هذا الكلام إلا وهذا الشئ
بجواري }
أمَاكِنُ الإِسْتِجَابَة
وهي المواضع الشريفة وقد جمع الإمام الحسن البصري أماكن الإجابة في مكة المكرمة فقال :
{{ إن الدعاء هناك مستجاب في خمسة عشر موضعاً : في الطواف ، والملتزم ،
وتحت الميزاب ، وفي البيت ، وعند زمزم ، وعلى الصفا والمروة ، وفي السعي ،
وخلف المقام ، وفي عرفات ، وفي المزدلفة ، وفي منى ، وعند الجمرات الثلاث
}} ويضاف إلى ذلك :
الروضة الشريفة وعند النبي وقد قال الإمام الجزري{ وإن لم يجب الدعاء عند
النبي ففي أي موضع} لما ورد في رواية الإسراء والمعراج المذكورة في
الصحيحين عن أنس أن سيدنا جبريل قال له(انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ فَقَالَ
: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ ؟ صَلَّيْتُ بِطَيْبَةَ وَإلَيْهَا
الْمُهَاجَرُ ، ثُمَّ قَالَ : انْزِلْ فَصَلِّ ، فَصَلَّيْتُ ، فَقَالَ :
أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ
اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ثُمَّ قَالَ : انْزِلْ فَصَلِّ ،
فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ ، فَقَالَ : أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ
بِبَـيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ) والصلاة هنا
هي الدعاء ،ومما يزيدنا يقيناً في هذا الأمر ما حكاه الله عن عبده ونبيه
زكريا حيث يقول (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ
عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ
مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{37}
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ
ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء{38} فَنَادَتْهُ
الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ
يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً
وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{39}