WP: تهمة الإرهاب بمصر تلاحق الناشطات والمنددات بالتحرش
السودن اليوم:
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقال رأي لمقدمة البرامج المصرية والعضو المؤسس لحزب الحرية والعدالة، دينا زكريا، التي تحدثت فيه عن ظاهرة التحرش والاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها المعتقلات السياسيات في مصر.
وقالت الكاتبة، في مقال ترجمته “عربي21″، إن واقعة الممثلة المصرية رانيا يوسف التي استقطبت اهتماما إعلاميا دوليا، بعد الإعلان عن إمكانية تقديمها للمحاكمة على خلفية اختيار الفستان الذي ظهرت به على السجادة الحمراء في القاهرة، يجب أن تفتح أبواب النقاش حول ظاهرة معاقبة النساء في مصر على مواقفهن السياسية، وعلى تنديدهن بالتحرش.
وهو ما لم يحظ بذات الاهتمام الذي حظيت به قضية رانيا يوسف، على الرغم من فداحة الانتهاكات والتوسع بانتشارها ضد النساء في مصر.
وأضافت الكاتبة أن العديد من النساء المصريات الأخريات اللاتي يواجهن قدرا كبيرا من الاضطهاد الفظيع، تحظى تجارب المعاناة التي عايشنها بالقليل من الاهتمام.
ومن بين هؤلاء النساء، أمل فتحي، التي نشرت فيديو من 12 دقيقة على فيسبوك، تروي فيه حادثة تحرش جنسي تعرضت لها.
ومؤخرا، وقع تمديد حبسها الاحتياطي إلى 45 يوما إضافيا، علما بأن التهم السخيفة التي تواجهها تشمل “بث أخبار كاذبة من شأنها تقويض الأمن القومي”، و”الانضمام إلى جماعة إرهابية”.
والجدير بالذكر أنه ليس لأمل فتحي ذنب سوى أنها تحدثت علنا عن التحرش الجنسي، بما في ذلك انتقاد فشل الحكومة المصرية في حماية النساء.
وقد ألقي القبض على فتحي بعد يومين من نشر الفيديو، وذلك في 09 أيار / مايو، ولم يقع الإفراج عنها منذ ذلك الوقت.
وأوضحت الكاتبة أن القاهرة قد صنفت على أنها أخطر مدينة كبرى في العالم بالنسبة للنساء، وذلك بالاستناد إلى استطلاع أجرته مؤسسة تومسون رويترز عام 2017، يرتكز على أربع فئات للتقييم، تكمن الأولى في “العنف الجنسي”.
وفي حادثة أخرى، اعتبرت مي الشامي، التي بادرت، في وقت سابق من هذه السنة، بالتحدث علنا عن الشكوى التي رفعتها ضد رئيسها في العمل على خلفية محاولة التحرش جنسيا بها، بأنها إرهابية. وقد قوبلت بسيل من الإساءات العدوانية والعنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي مثال آخر، وقع القبض على اللبنانية منى المذبوح في مطار القاهرة، وذلك إثر نشرها مقطع فيديو على فيسبوك تتحدث فيه عن تجربتها مع التحرش الجنسي في مصر.
وقد حكم عليها في البداية بالسجن لمدة ثماني سنوات، قبل أن يقع إطلاق سراحها بعد قضاء ثلاثة أشهر من عقوبتها، نتيجة لموجة عارمة من التنديد الدولي.
وأكدت الكاتبة أنه في القضايا الثلاث، وقع اعتماد قانون جديد أقر من قبل مجلس النواب المصري في شهر تموز / يوليو، لتبرير الإجراءات المتشددة في حق هؤلاء النساء.
ويسمح هذا القانون بمعاقبة أي شخص يعمل على نشر “أخبار كاذبة” بهدف الإخلال بالنظام العام أو “نشر الإشاعات التي تقوض المجتمع المصري”.
وأفادت الكاتبة بأنه من منطلق عملها على اعتبارها مقدمة برنامج حواري، فهي تتلقى بشكل دوري رسائل وشكاوى بشأن تجارب تحرش جنسي.
وقبل بضعة أيام، تلقت أخبارا عن أحد المدرسين في مدرسة التحرير الابتدائية في القاهرة الذي أقدم على التحرش جنسيا بكل الفتيات في فصله.
وأضافت الكاتبة أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، تم احتجاز وإخفاء العديد من المدافعات عن حقوق الإنسان البارزات قسرا.
ووفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، خلال ليلة غرة تشرين الثاني/ نوفمبر، تم اعتقال ثماني نساء على الأقل في منازلهن، بما في ذلك محامية حقوق الإنسان البالغة من العمر 60 سنة هدى عبد المنعم.
ولم تستطع أسرتها الوصول إليها ومعرفة مكانها لمدة 21 يوما حتى ظهرت في المحكمة، بتهمة تمويل منظمة محظورة.
علاوة على ذلك، اختفت كل من عائشة الشاطر، ابنة أحد كبار قادة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر، وسمية ناصف، الناشطة في مجال حقوق الإنسان في تلك الليلة.
وأنكرت السلطات معرفة مكان وجودهما إلى أن ظهرتا في المحكمة. والجدير بالذكر أن ثلاث ناشطات من بين الثماني اللاتي احتجزن تلك الليلة تم إطلاق سراحهن، لكنهن يرفضن الخوض في تفاصيل الحادثة التي تعرضن لها خوفا من العواقب.
وأفادت الكاتبة بأن هذه الاعتقالات تضاف إلى حوالي 80 عملية اعتقال مماثلة لنساء أخريات محتجزات حاليا على اعتبارهن سجينات سياسيات.
والأمر سيان بالنسبة لعدد من الرجال أيضا، ففي نفس الليلة، أي غرة تشرين الأول/ نوفمبر، تعرض أكثر من 30 رجلا لعمليات اختفاء قسري. وقد أصبح أمرا روتينيا أن يقع إسكات كل من يعارض الرئيس عبد الفتاح السيسي وأعماله على الفور.
وشددت الكاتبة على أن ما يميز وضعية النساء في مصر، يتمثل في استهداف اللاتي ينددن بعمليات التحرش الجنسي.
ومن خلال عمليات الاعتقال هذه، يبدو أن الحكومة المصرية لا ترى إمكانية للسماح للنساء بالتعبير عن أنفسهن أو أن يسمع صوتهن، مطلقا.
ويعتبر النظام المصري أي انتقاد موجه للحكومة أو الرجال المصريين إهانة لقوته، في حين يعتمد أي وسيلة ممكنة لإسكات النساء اللاتي يتمتعن بشجاعة كافية لرفع أصواتهن.
في الحقيقة، يتبع نظام السيسي منهجا تعسفيا واستبداديا، ويحكم من خلال العنف والإخضاع، في الوقت الذي يعجز فيه عن رؤية الضرر الذي يلحقه هذا المنهج في صفوف جميع فئات المجتمع.
وذكرت الكاتبة أنه من المفارقات أن السيسي، الذي دافع ذات مرة عن إجراء “كشف العذرية” القسري على المعتقلات، حاول أن يظهر نفسه كمصلح في ما يتعلق بحقوق المرأة.
وأصدر السيسي خلال سنة 2014 مرسوما يقضي بأن الشرطة يجب عليها تطبيق القوانين التي تحمي النساء من التحرش الجنسي بعد ظهور فيديو مروع لامرأة تعرضت للاعتداء ووقع تجريدها من ملابسها خلال الاحتفالات التي أقيمت على خلفية تنصيبه رئيسا. وتعد هذه الحادثة دليلا إضافيا على أن نظام السيسي لا يستطيع الحكم إلا من خلال التخويف والقوة.
وفي الختام، أشارت الكاتبة إلى أن الطريقة التي يتعامل بها النظام والمجتمع مع المرأة في مصر باتت مفضوحة.
في الأثناء، لا يجب تجاهل هذه العلامات التي تحيل إلى أن نظام السيسي غير مستقر وفوضوي. فخلال الفترة التي سبقت مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بادر ولي العهد السعودي باعتقال واحتجاز النساء اللاتي ينتقدنه، في الوقت الذي كان يروج فيه لنفسه كمصلح. لكن المجتمع الدولي تجاهل هذه التحذيرات المأساوية، الأمر الذي منحه غطاء لمواصلة ارتكاب جرائمه. لذلك لا يمكننا أن نسمح بحدوث الأمر ذاته في مصر.
عربي 21