هل يجد الاقتصاد السوداني طوق نَّجاة ينقذه من أزمة السيولة؟!
الخرطوم: باج نيوز
عشرات من المواطنين يصطفون منذ الصباح الباكر أمام ماكينات الصراف الآلي في العاصمة الخرطوم، وبقية المدن السودانية، أملاً في صرف بعض مدخراتهم، لإعانتهم على تسيير حياتهم اليومية، بينما ينجح قلة فقط في الوصول إلى هذه الغاية، مقابل أوبة الغالبية بخفي حنين.
ومنذ اتجاه بنك السودان المركزي إلى تحجيم الكتلة النقدية، عجزت البنوك عن الإيفاء بالتزامات العملاء الذين أحجموا عن توريد أموالهم وإدخالها في الدورة المصرفية.
وتتفاقم أزمة السيولة بشكل يومي في الأسواق السودانية بشكل متصاعد دون أن تجد معاناة المواطنين استجابة من قبل الجهات المختصة.
ويواظب عدد كبير من عملاء المصارف بالحضور إلى أفرع المصارف المختلفة وقضاء سحابة يومهم بهدف الحصول على مبالغ من ودائعهم المدخرة -غالباً- من دون جدوى.
وفي نوفمبر الماضي ضخ البنك المركزي مليارات الجنيهات في الصرافات لحل الأزمة التي ما لبثت أن عادت مجدداً، فيما أبلغ رئيس الوزراء معتز موسى البرلمان قبل أسبوعين أن العملاء سحبوا المبالغ المالية وأودعوها في منازلهم .
ويرى الخبير المصرفي محمد عبد العزيز إن “قرار حجب السيولة من أسوأ الإجراءات التي تم اتخاذها في القطاع المصرفي”، متوقعاً عدم عودة الأوضاع لما كانت عليه قبل فبراير الماضي، وهو تاريخ فرض قيود حكومية على سحب أموال العملاء من القطاع المصرفي بالبلاد.
ويوضح عبد العزيز لـ”باج نيوز” إن “إعادة الثقة إلى العملاء أمر في غاية الصعوبة” ويلفت إلى أن التجار ورجال الأعمال ما عادوا يودعون أموالهم في البنوك والمصارف .
وكشف الحريق الذي طال سوق أم درمان، أحد أعرق الأسواق الرئيسة في الخرطوم، عن حجم الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي، وقالت تقارير غير رسمية إن الخسائر تقدر بـ”تريليون” جنيهاً.
وأضاف عبد العزيز إن القيود المفروضة على السيولة النقدية لم تتوقف عند المصارف بل امتدت إلى فرض قيود لخدمة تحويل الرصيد في الهواتف النقالة وتحديد سقف لتحويل الرصيد بجانب فرض قيود على الإجراءات المتعلقة ببيع وشراء العقارات والسيارات وربطها بالشيكات المصرفية .
وكان بنك السودان قد نفي اتخاذ سياسات لتحديد سقف تحويل الرصيد عبر الهواتف النقالة.
ويعتقد عبد العزيز أن السودانيين لديهم طبيعة تجارية تقوم على “الكاش” ولا يفضلون التعاملات الالكترونية أو البنكية لذلك كان ينبغي تنظيم حملات إعلامية لحثهم على إيداع الأموال في المصارف عوضاً عن النظام التقليدي.
فيما يوضح الاقتصادي معتصم الاقرع لـ”باج نيوز” أن “الحكومة طبعت تريليونات الجنيهات في السنوات السابقة لتمويل صرفها، وهو إنفاق غير منتج، وإزاء هذا الأمر اتجهت إلى فرض قيود على البنوك لتتجنب سوء الأوضاع ولو مؤقتاً.
ويضيف الأقرع بأنه “لولا فرض الحكومة قيوداً على أموال العملاء في البنوك أتوقع أن تظهر الآثار الكاملة لطباعة العملة بارتفاع جنوني للأسعار وانهيار أكثر رعباً في قيمة صرف الجنيه مقابل الدولار”.
ومنذ أن رفعت الولايات المتحدة في أكتوبر 2017 عقوبات اقتصادية على السودان استمرت لعقدين من الزمان، والاقتصاد المحلي يترنح وقفز سعر الدولار في السوق الموازية من 18 إلى 57 جنيه تقريباً.
ويرى الأقرع أن الحكومة تطبع وتمول نفسها وتزيد الكتلة النقدية ثم تسعى إلى تقليل واحتواء حدة التضخم بفرض قيود على أموال المواطنين في المصارف.
وأردف: “لولا سقوفات السحب في حدود ألفي جنيه لكانت معدلات التضخم ووتيرة انهيار العملة أسرع من مما هي عليها الآن.
وينوه إلى أن الجانب السلبي لسياسة التجفيف يتمثل في السخط الشعبي وعرقلة الموسم الزراعي وإضعاف حركة التجارة والإنتاج وندرة في السلع الأساسية المستوردة والمنتجة محلياً.
وأعلنت الحكومة يوم الأربعاء عن توفير السيولة اللازمة لحصاد القطن في ولاية الجزيرة.
ويذهب الأقرع إلى أن أسبوع من الإجراءات المصرفية كفيل بإنهاء أزمة السيولة، وذلك عبر تقليل الحكومة لودائع المصارف التجارية المحفوظة في البنك المركزي كاحتياطي وبذلك تستطيع المصارف الاستجابة لجزء من طلب “الكاش”.
وزاد: “إذا استمرت الأزمة يمكن للمركزي أن يقرض المصارف التجارية، ويلزمها بالوفاء تجاه الجمهور، ويمكن للمركزي أن يقترض من الداخل آو الخارج، مؤكداً بأن المصارف يمكن أن تسدد ديونها للمركزي في المستقبل القريب وإذا ما عجز مصرف يمكن تصفيته بصورة قانونية منظمة.