آثار العولمة
محتويات المقال
مفهوم العولمة
العَوْلَمة في اللغة كما جاء في معجم اللغة العربيَّة المُعاصِر مصدر الفعل عَوْلَم، وهي حُرِيَّة انتقال المَعلومات، وتدفق رؤوس الأموال، والتكنولوجيا، والأفكار المُختلفة، والسِّلع والمُنتجات، وانتقال البشر أيضاً بين المُجتمعات الإنسانيَّة، وكأنّ العالَم قرية صغيرة،[١]ومُصطلح العَوْلَمة جاء من ترجمة المُصطلح الإنجليزي (Globalization) وهو مُصطلح شائع بين الاقتصاديين والسِّياسيين والإعلاميين، والعَوْلمة تعني تعميم الشيء وإعطاءه صفة العالميَّة لِيشمل جميع أنحاء العالَم،[٢] أما اصطلاحاً فالعَوْلمة هي تغيير للأنماط والأنظمة الاقتصاديّة والثّقافية والاجتماعية، وتغيير للعادات والتّقاليد السَّائدة، كما تُزيل العَوْلمة الفروقات الدِينيَّة والوطنية والقومية حسب الرؤية الأمريكيّة الّتي تزعم بِأنَّها الحامية للنِّظام العالَمي الجديد.[٣]
يُشير مُصطلح العَوْلمة إلى عمليّة تحويل جميع الظواهر سواء كانت محليّة أو إقليميّة إلى ظواهِر عالميَّة، كما يتم من خلالها تعزيز الترابط بين الشُّعوب في شتّى أنحاء العالَم، بهدَف توحيد جهودهم وقيادتها نحو الأفضل وعلى جميع المُستويات الاقتصاديّة والاجتماعيَّة والسِياسيّة والثَّقافية والتكنولوجيَّة.[٤]
كَثُرت الآراء واختلفت وجهات النظر حول تعريف العَوْلَمة وذلك بسبب غُموض مفهومها، فأصبح للسِّياسيين تعريف خاص بهم، وللاجتماعيين تعريف خاص بهم أيضاً وهكذا، إلى أنْ تمّ تقسيم التَعريفات جميعها إلى ثلاثة أنواع رئيسيَّة هي: ظاهرة اقتصاديَّة، وثورة تكنولوجيَّة واجتماعيَّة، وهيمنة أمريكيَّة،[٢] إلّا أنَه غالباً ما يتم استخدام مفهوم العَوْلمة للإشارة إلى عوْلَمة الاقتصاد والمقصود به تجميع الاقتصاد القومي وتحويله إلى اقتصاد عالَمي، وذلك من خلال مجالات مُختلفة مثل التِّجارة، وتدفق رؤوس الأموال، وهجرات الأفراد، والاستثمارات الأجنبيّة، واستخدام وسائل التكنولوجيا بِكثرة، ويعود تعدد تعريفات العولمة إلى تأثير انحيازات الباحثين الإيديولوجيّة واتِّجاهاتهم بِرَفض أو قُبول العَوْلمة.[٤]
مجالات العولمة
العولمة الاقتصاديّة
تُعرف العَوْلمة الاقتصاديَّة حسب الصندوق الدوليّ بأنّها التّعاون الاقتصادي لجميع دول العالم والذي تتسبب به زيادة حجم التَعامل بالسِّلع والخدمات المُتنوعة عبر الحدود، بالإضافة إلى رؤوس الأموال الدّولية والانتشار المتسارع للتقنية في جميع أنحاء العالم،[٢] وتظهر العَوْلمة الاقتصادية بوضوح في تبادل الدُّول للاقتصاديَّات القومية، وتظهر في وحدة الأسواق الماليّة وفي المُبادلات التِجاريّة، أمّا ظهوها البارِز فهو في إنشاء مُنظمة التِّجارة الدولية.[٤]
العولمة السِّياسيَّة
وتظهر هذه العَولَمة بشكل كبير في الهيمنة المفروضة من قِبَل دُول العالم القويّة على الدُّول النَّامية والضعيفة، وذلك من خلال تأثيرها في اقتصادها واختراقه، مما يدفع الدول النَّامية إلى الخُضوع لِما يُرضي الدُّول القوية ويخدم مصالحها، ويتم ذلك دون الرجوع إلى الرأي العام في الدُّول النَّامية، الأمر الذي يُؤدي إلى حدوث اضطِرابات كبيرة وعدم استقرار.[٥]
العولمة الثَّقافية
هي صياغة شاملة تُغطِّي مُعظم جوانب النّشاط الإنسانيّ، وتستمد العَوْلمة الثَّقافية خصوصيتها من تَطوُّر الأفكار والقِيَم والسُّلوك، مثل انفتاح الثَّقافات العالَمية وتأثُّرها ببعضها البعض، وقد برزت بِشكل واضح خلال التِّسعينيات من القرن الماضي، وأمّا انفتاح الواقِع حالياً فلم يحدُث له مثيل في أي فترة من فترات التّاريخ، كما يُمكِن القَول إنّ العَوْلمة الثَّقافية تعني أن ينتقل اهتمام الإنسان من المجال المحلِّي إلى المجال العالمي، وخروجه من المحيط الدّاخلي إلى المُحيط الخارجي، بالإضافة إلى زيادة الوعي بوحدة البشر، كما توحي العَوْلمة الثَّقافية إلى سيطرة الثَّقافات القوية ونشر قِيَمها وهيمنتها على الثَّقافات الضعيفة، كما تفرِض الفلسفات الغربيَّة من خلال الإعلام ووسائل الاتِصالات.[٦]
العولمة الإعلاميّة
يُقصد بالعولمة الإعلاميّة سيادة قيم ومفاهيم الدَّولة القوية والفعَّالة عبر وسائل الإعلام،[٧]وللعَوْلمة الإعلامية جذور قديمة مُرتبطة بتغطية الأخبار العالَميَّة، وقد بدأت في منتصف القرن التَّاسع عشر عندما أنشأ شارل هافس مكتبة الأخبار في فرنسا في عام 1832م والتي أصبحت تُدعى وكالة هافس،[٨] ومنذ ذلك الوقت أصبح للإعلام دور كبير وفاعل في المُجتمع في كافة الميادين، وإذا نظر الفرد إلى الوقت الذي كان يتطلبه وصول خبر من مكان إلى مكان آخر مقارنة بالوقت الحالي فعندئذٍ سوف يُدرك دور الإعلام في عصر العَولمة الحالية.[٩]
وسائِل نشر العولمة
من وسائِل نَشر العَوْلمة ما يلي:[٣]
- استخدام اللغة في استبدال الثَّقافة الغربية بالثَّقافة العربيَّة الإسلاميّة.
- اسخدام القوى العلمانيَّة الداخليَّة وتسخيرها في سبيل خدمة العَوْلمة مثل رجال الإعلام والكُتَّاب ورِجال التَربية.
- الاستعانة بوسائِل الإعلام والدِّعايات.
- الاستعانة بشبكات الاتصال الحديثة.
- السيطرة على وسائِل تكنولوجيا المعلومات والتحكم باستخدام الحواسيب.
- تملُّك شركات إنتاج الثّقافات الشَّعبية مثل السينما، والموسيقى والسيطرة عليها.
آثار العولمة
لِلعَوْلمة آثار إيجابيّة وسلبية على المُجتمعات، وهي:[٣]
إيجابيات العولمة
- تُغطِي العَوْلمة كافّة الأخبار العالميَّة والمحلِيَّة.
- ساهمت العَوْلمة في انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتِصالات.
- اهتمَّت العَوْلمة بالحفاظ على البيئة من التَّلوث.
- اختصرت العَوْلمة المسافات ويسرت الاتصالات بين الشُّعوب والدُّول ونشرت الثقافة التقنية.
- رفعت العَوْلمة الظُّلم عن المظلومين والمُضطهدين في العالَم.
- ساعدت العوْلمة العُلَماء ودُعاة الإسلام على نَشر رسالة الإسلام لِلشُّعوب في كافّة أنحاء العالم.
سلبيات العولمة
- نشرت العَوْلمة الثَّقافة الغربيَّة وفرضت الجري وراء الموضات الاجتماعية بلا وعي.
- أشاعت العَوْلمة الذَّوق الغربي في الاستهلاك ومُمارسة السُّلوك الاجتماعي بين النَّاس.
- فرضت العَوْلمة هيمنة الثَّقافة الواحِدة بالتَّقليل من قيمة الثَّقافات المُختلفة الأُخرى.
- سحقت العَوْلمة الهوية الوطنية وأعادت تشكيلها بإطار هوية عالمية.[١٠]
- سحقت العَوْلمة الثَّقافة المحلية والوطنية، وأوجدت حالة من الاغتراب بين الإنسان وتاريخه الوطنيّ والحضاريّ الموروث عن الآباء والأجداد.[١٠]
- سيطرت العوْلمة على الأسواق المحليَّة وفرضت نفوذها القوي على الكيانات المحليَّة الضَّعيفة وحولتها إلى مُؤسَّسات تابِعة لها.[١٠]
- فرضت العولمة الوصاية الأجنبية وأذَّلت كل شيء محلِّّي، وذلك باعتبار أنّ الأجنبي هو الأكثر تقدُّماً ونفوذاً. [١٠]
أهداف العولمة
لِلعولمة مجموعة أهداف، وهي:[١٠]
- إقامة سوق عالمي مفتوح وممتد وشامل للعالم بكافة القطاعات والمُؤسَّسات والأفراد، وبذلك يُصبِح العالم كتلة واحدة متكاملة، ويُؤدي هذا الهدف إلى احتكار الموروث الحضاري والثَّقافة المتعددة لكافة الأجناس البشريَّة، وصهر الاختلافات الواقعة فيما بينهم في بوتقة الائتلاف والوحدة.
- تجانُس العالم، وذلك من خلال تقليل حجم وفروقات مستويات المعيشة أو متطلَّبات الحياة، وهذا التَجانس لن يقوم على التَّماثل وإنّما على التَّعدُّد والتنوع، حيث يُساعد التجانس على الارتقاء والارتفاع بجودة الحياة، واختفاء الأحقاد وزيادة المودَّة بين النَّاس، لِتتحول قيمة الحياة فيما بعد إلى المُساواة والعدل.
- توحيد النَّاس جميعاً عن طريق استخدام قدر كبير من الحراك الحضاري والذي يُؤكِّد على الهوية العالمية، كما تهدِف إلى تحسين الضمير الإنساني، وتُنَمِّي الإحساس بالوحدة البشريَّة ووحدة حقوق الإنسان.
- جعل العالم وحدة مُتكاملة من حيث المصالح المُشتركة ومن حيث الإحساس بالخطر الذي يُهدِّد كافة البشر، كما تسعى العَوْلمة إلى تحقيق الأمن الجماعي، والتَّعاون الجماعي والقضاء على التوتُّر والقلق.
- تعميق الإحساس العام بالإنسانيَّة، والسعي إلى إزالة جميع أشكال التعصُّب والتمييز العُنصري لِلوصول إلى عالم إنساني خالٍ من التعصُّب والتناقضات.
- بعث رؤى جديدة فاعلة تكون بمثابة دعم طموحات البشر حتى وإن اختلفت أجناسهم وشعوبهم.
- إيجاد لُغة اصطلاحية واحدة لِلعالم، وذلك لِيتم استخدامها وتبادلها سواء بتخاطب البشر مباشرة مع بعضهم البعض، أو عبر الحسابات الإلكترونيّة، أو بتبادل البيانات وصناعة المعلومات بين المراكز المُختلفة.