عمر بن الخطاب ، خطبة عن عمر بن الخطاب كاملة ، موضوع عن عمر بن الخطاب

ملخص الخطبة

1- ثلاث رؤى للنبي عن عمر بن الخطاب. 2- إسلام عمر. 3- موقف عمر المحب عند وفاة النبي. 4- زهد عمر. 5- تفقد عمر لرعيته. 6- عدل عمر في قصة القبطي مع ابن عمرو بن العاص. 7- وقوف الهرمزان بين يدي عمر. 8- عمر يتمنى الشهادة ويلقاها على يد أبي لؤلؤة المجوسي. 9- نصيحة لعمر وهو في سكرات الموت.

الخطبة الأولى

أيها الناس:

نتكلم اليوم عن ((شهيد المحراب))، من هو شهيد المحراب؟ ولماذا قتل؟ وكيف قتل؟ وأين قتل؟ ومن قتله؟

الزمن: صلاة الفجر.

المكان: مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.

المقتول: عمر بن الخطاب .

القاتل: أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله.

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضلٍ وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين [آل عمران:169-171].

أيها المسلمون:

من منكم لا يعرف عمر؟ مَنْ مِن الناس لم يسمع بعمر؟

· السلام عليك يا عمر بن الخطاب في يوم الجمعة.

· السلام عليك في هذه الساعة المباركة.

· السلام عليك يوم أسلمت.

· السلام عليك يوم توليت.

· السلام عليك يوم قتلت.

· السلام عليك يوم تبعث حياً.

ترى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندسٍ خضر

فوا طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثـوى إلا اشتهت أنهـا قبـر

فتـى كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكـر

الرسول عليه الصلاة والسلام يفسر ثلاث رؤىً رآها في المنام، كلها لأبي حفص وكلها صحيحة كالشمس.

الأولى: قال : ((بينا أنا نائم، رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعُرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره))، قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الدين))[1].

دينه يغطيه، دينه يستره، فلا يظهر منه إلا كل جميل، ولا يخرج من فيه إلا كل حق.

الثانية: عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: ((بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت، حتى أني لأرى الريّ يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب)). قالوا: فما أوّلته يا رسول الله ؟ قال: ((العلم))[2].

سبحان الله ! رجل اجتمع له العلم والدين، فأي رجل هو؟

الثالثة: عن أبي هريرة قال: بينا نحن عند رسول الله ، إذ قال: ((بينا أنا نائمٌ، رأيتني في الجنة، فإذا امرأةٌ تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته، فوليت مدبراً)) فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله[3]؟

كيف يغار عمر من النبي وهو تلميذ من تلاميذه، وهو حسنة من حسناته .

قُتل هذا العظيم وهو يصلي في المحراب، والعظماء يقتلون دائماً؛ لتعلم الأمة أنهم عظماء، فتعيش على نهجهم، وتنظم من دمائهم نظماً زكياً تحيا به، وتبني من جماجمهم مكرمات ما كان لها أن تُبنى، وتجعل من أشلائهم تحفاً تتحدى بها التاريخ.

يقول أحد المسلمين من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، من الذين خاضوا المعارك، وتكسّرت سيوفهم على رؤوس المارقين وسالت دماؤهم نصرة لهذا الدين.

وهو ليس من الشباب الذين تكسّرت أيديهم وأرجلهم يوم تزلجوا على الثلج في العطلات الصيفية، أو الذين قتلوا في ساعات السهر الحمراء، أو الذين تدحرجت بهم مسارح الفن فوقعوا على رؤوسهم، لا. إنما هو من شباب الجهاد وطلائع الصحوة.

يقول هذا الشاب:

تأخـرت أستبق الحيـاة فلم أجد لنفسي حياـة مثل أن أتقدّما

وليس على الأعقاب تدمى قلوبنا ولكن على أقدامنا يقطر الدما

هذا جيل محمد عليه الصلاة والسلام، هذه مدرسته التي قدمها للتاريخ، هذا الرعيل الأول الذي ما سمع الناس بمثله.

عاش عمر مع الرسول عليه الصلاة والسلام، يؤازره، ويعينه، أسلم بـ طه. وكان أجمل من الشمس في ضحاها، أوضح من القمر إذا تلاها، تولى الأمة فرعاها، وقاد المسيرة وحباها. فمرحباً بعمر.

أسلم لما سمع: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى الرحمن على العرش استوى [طه:1-5].

وهل هناك إنسان يستمع إلى هذا الخطاب ثم لا يسلم؟ هل هناك إنسان يفهم كلام رب البشر، ثم لا يسري هذا الكلام في ذرات دمه؟

فهم عمر هذا الخطاب؛ لأنه العربي القح، فسرى في دمه، وانتشر تيار الإسلام في كل جزئية من كيانه.

أسلم، ووضع يده في يد محمد عليه الصلاة والسلام، وعاهده، على ماذا؟ على الاستيلاء على أموال الناس بالباطل؟ على توسيع القصور والدور؟ على بناء الحدائق الغنّاء والبساتين الفيحاء؟ على استغلال البشر وتسخيرهم؟ لا، إنما بايعه على الحق، والعدل، بايعه على لا إله إلا الله.

فكان عمر في كف الرسول، عليه الصلاة والسلام سيفاً مصلتاً يهزه للحادثات والمعضلات.

يقول العقاد: الفرق بين أبي بكر وعمر؛ أن أبا بكر عرف محمداً النبي، أما عمر فقد عرف النبي محمداً.

أبو بكر عرف الرسول عليه الصلاة والسلام، في جاهلية أبي بكر وبعد إسلامه، لكن عمر لم يعرف الرسول عليه الصلاة والسلام إلا ساعة ميلاده يوم أسلم، فكان كلما رأى حدثاً، كلما رأى زنديقاً، كلما رأى معترضاً على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، ائذن لي أضرب عنقه، ولو أذن له الرسول عليه الصلاة والسلام لقتل العشرات!! فهو لا يتأخر لحظة واحدة عن أمر رسول الله .

ويموت الرسول عليه الصلاة والسلام، كما يموت البشر، لكن عمر لم يعترف بذلك، فقام رافعاً سيفه يقول: من قال إن محمداً عليه الصلاة والسلام قد مات، ضربت عنقه بهذا السيف!!

ولكن يتأكد الخبر، ويتحقق النبأ، فيطيح عمر على وجهه مغمىً عليه، وكان قوي الجثة، صلب البنيان، متين الهيكل، ولكن أين قوته؟ أين عضلاته؟ أين بنيانه ؟ خار في لحظة واحدة.

قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

قل للملوك تنحـوا عن مناصبكـم فقد أتـى آخـذ الدنيا ومعطيها

كان عمر بن الخطاب يأخذ الدنيا في يوم، ويسلمها للفقراء في يوم.

تأتيه الموائد من الذهب والفضة على الجمال، وتدخل المدينة، وهو يصلي وفي بردته أربع عشرة رقعة من الفقر والعوز.

هذا الرجل؛ يقضي على إمبراطورية هرقل، ويجعل عاليها سافلها، ولا يجد خبز الشعير ليأكله مع فقراء المسلمين.

يتولى أبو بكر الخلافة بعد الرسول، عليه الصلاة والسلام، فيقف عمر بجانبه كما وقف بجانب رسول الله ويكون مستشاره ووزيره.

ويحين أجل أبي بكر فيكتب ولاية العهد لعمر يقول أبو بكر في كتابه لعمر :

بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر إلى عمر بن الخطاب، وأنا في أول أيام الآخرة، وآخر أيام الدنيا، فقيراً لما قدمت، غنياً عما تركت.

أما بعد:

فيا عمر بن الخطاب، قد وليتك أمر أمة محمد، علي الصلاة والسلام، فإن أصلحت وعدلت، فهذا ظني فيك. وإن اتبعت هواك، فالله المطلع على السرائر، وما أنا على صحبة الناس بحريص.

يا عمر: اتق الله لا يصرعنّك الله مصرعاً كمصرعي، والسلام.

وتولى عمر خلافة المسلمين، وبحث عن ميراث أبي بكر، فإذا هو ثوبان وبغلة، فبكى وقال: لقد أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر!!.

تولى عمر، وألقى خطبة عظيمة، بين فيها سياسته، وأوضح فيها واجباته تجاه الأمة، وسار في الناس سيرة عمريّة ما سمع الناس بمثلها.

كتب عنه الفضلاء، وتكلّم عنه العلماء، وتدارس سيرته الأذكياء؛ عمر يطوف المدينة، عمر رجل العسّة الأول، ينام الناس في عاصمة الخلافة ولا ينام، يشبع الناس ولا يشبع، يرتاح الناس ولا يرتاح.

كان إذا هدأت العيون، وتلالأت النجوم، يأخذ درّته ويجوب سكك المدينة، علّه يجد ضعيفاً يساعده، أو فقيراً يعطيه، أو مجرماً يؤدّبه.

وبينا هو يمشي في ليلة من الليالي، إذ بامرأة في جوف دار لها، وحولها صبية يبكون، وإذا قدْرٌ على النار قد ملأته ماءً، فدنا عمر من الباب فقال: يا أمة الله، ما بكاء هؤلاء الصبيان؟ قالت: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذا القدر الذي على النار؟ قالت: قد جعلتُ فيه ماءً، هو ذا، أعلّلهم[4] به حتى يناموا، وأوهمهم أن فيه شيئاً.

فبكى عمر، ثم جاء إلى دار الصدقة، وأخذ غرارة، وجعل فيها شيئاً دقيقاً، وشحماً، وسمناً، وتمراً، وثياباً، ودراهم، حتى ملأ الغرارة، ثم قال لمولاه: يا أسلم، احمل علي، قال: يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك، فقال: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله، لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة، فحمله حتى أتى به منزل المرأة، فأخذ القدر، فجعل فيه دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده، وينفخ تحت القدر، قال أسلم: فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده، ويطعمهم حتى شبعوا[5].

كان عمرو بن العاص والياً على مصر في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، فقال عمر: عذت معاذاً[6]. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين!!.

لماذا يضربه؟ أهذا هو نهج الإسلام؟ أهذه هي العدالة المنشودة التي نزلت من فوق سبع سموات؟ أهذا ميثاق إياك نعبد وإياك نستعين؟

فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم، ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟

· ثم قال: خذ السوط فاضرب، فجعل المصري يضرب ابن عمرو بالسوط، ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى