خامس الخلفاء الراشدين
رزقنا الله بنبي كريم، حنون علينا، محب لنا، حتى عند موته لم يفكر بنفسه قدر ما فكر بنا، وهو لم يرانا، فعندما كان رسولنا الكريم يعاني من سكرات الموت، أمر عائشة -رضي الله عنه- أن تخبر أباها (أبا بكر) بأن يؤم الناس في الصلاة، وقد ألح الرسول الكريم بالطلب على السيدة عائشة، وهذا إيذان وتصريح من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن ينوب أبو بكر عنه، يتولى أمور المسلمين من بعده .
وهكذا تتابع من بعده الخلفاء الراشدون، الذين حكموا بما يرضي الله، وعملوا على تقليد رسول الله في خطاه، وهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذين عاشوا معه عن قرب، وهم الأربعة: (أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، عثمان بن عفان) رضي الله عنهم جميعا، ولكن هناك خليفة خامس مع هؤلاء لم ير، ولم يعش مع أحد من هؤلاء الأطهار، وهو (عمر بن عبد العزيز) رضي الله عنه، الذي ملأ الأرض عدلا وخيرا، وهو ابن ابنة صاحبة اللبن، أمه ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ووالده عبد العزيز بن مروان بن أبي الحكم بن أبي العاص بن أمية .
اختلف في سنة ولادته، ولكن أصح الأقوال في سنة 61 هجرية بالمدينة المنورة، وتلقى علمه على أيدي علماء المدينة المنورة، وشب وترعرع فيها، زوجه عبد الملك بن مروان بنته فاطمة في دمشق، وجعله واليا على بلدة صغيرة (دير سمعان)، وبقي كذلك حتى سنة 86 هجرية، ثم أصبح واليا على المدينة ثم الطائف، وبذلك أصبح واليا على الحجاز، واشترط عمر لتوليه الخلافة ثلاثة شروط :
- كان أول هذه الشروط أن يخرج الزكاة في المدينة .
- وثانيها ألا يأخذ الحقوق من الناس لبيت مال المسلمين .
- والشرط الثالث هو أن يحج في نفس السنة التي تولى فيها الإمارة .
وافق الوليد بن عبد الملك على شروطه، فاجتمع عمر -رضي الله عنه- بالعلماء، وجعل الأمر بينه وبينهم شورى .
ولديك أخي القارئ كيف كان حكمه ؟ فقد كان من أعدل الحكام، ملأ الرض عدلا ورحمة، وحرم الظلم على نفسه، أذاق الناس حلاوة هذا الحكم، وتحدى الجبابرة في ذلك الوقت، الذين كان منهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وكان هذا الأخير يمقت عمر كثيرا، فوشى به الحجاج إلى الوليد وشاية كانت سببا في عزله وخروجه من المدينة، وخرج من المدينة عمر باكيا خاشيا أن تكون المدينة قد نفته، وتوجه إلى دمشق عند أبناء عمه .
وفي دمشق نفى أن يوافق الوليد على خلع سليمان من منصبه ليولي ولده، فعرفها له سليمان، وفي بداية ولايته أخبره سليمان بأنه الآن مسؤول، فجعل الصلاة على وقتها، وكان ذلك أول شيء فعله بعدما كان يؤخرها الناس كثيراأ وهكذا كان عادلا في كل ولاية تولاها .
ولما مات سليمان تولى عمر أمر الخلافة، فأصبح أمير المؤمنين، وخطب في الناس خطبة سألهم فيها إن كانوا يريدونه واليا فاختاروه، وعندما تولى الخلافة في دمشق، وكان ذلك في عام 99 هجرية، وبايعه الناس في المسجد الأموي الكبير في دمشق، وخطب في الناس خطبة أمرهم فيها بتقوى الله -عز وجل- وأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وزهدهم في الدنيا، ورغبهم في الآخرة .
اشتهرت ولايته بأنها الفترة التي عم فيها الرخاء في البلاد الإسلامية، كان عادلا زاهدا لا يهمه أمر الدنيا، شديد الحرص على أحوال المسلمين، حتى أنه كانت تخرج الزكاة في عهده، فلا تجد لها محتاجا، وكان محبوبا جدا من رعيته، حتى أنهم تمنوا أن يبقى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز واليا دائما عليهم .
انتشر الإسلام وكثر من اعتنق الإسلام، بنى المساجد، ومهد الطرق، وأكثر بيوت الطعام (التكايا)، وفي آخر خطبة خطبها في الناس أمرهم فيها بتقوى الله، والخوف منه، والزهد في الدنيا .
ولم تطل مدة حكمه، فلم تكن سوى سنتين وخمسة أشهر، حيث إنه توفي ودفن في دير سمعان سنة 101 هجرية، وقيل إنه مات مسموما من بعض أمراء بني أمية، مات ولم يكن ولا سجينا في السجون . نتمنى من الله -عز وجل- أن يرزقنا حاكما مثل عمر -رضي الله عنه ورحمه- .