طريقة استخراج غاز الميثان من الروث
لم يُكتب للتجربة التي قامت بها «وكالة التنمية الأميركية» ومنظمة «مرسي كور» لإنتاج مادة الغاز والوقود المنزلي من روث البقر أن تنجح وتستمر. وكانت الوكالة الأميركية موّلت إنشاء محطات خاصة لإنتاج الغاز، خلال عقد التسعينيات، في بعض قرى عكّار، بالتعاون مع مؤسسة عصام فارس.
مربو الأبقار في عكّار والشمال يرون أنهم فوّتوا على أنفسهم فرصة الاستفادة من هذه التجربة، واستغلالها لمواجهة تداعيات الارتفاع غير المسبوق في أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية والأسواق العالمية هذه الأيّام، والتسابق الدولي لناحية البحث عن بدائل وحلول افتراضية وممكنة لأزمات النفط المقبلة.
وأوضح رئيس مصلحة الزراعة في الشّمال معن جمال لـ«الأخبار» أنّ «تلك التجربة كانت عبارة عن نموذج يحتاج إلى من يتبناه ويرعاه ويطوّره لاحقاً، بعد مغادرة بعثتي الوكالة والمنظمة، وهو ما لم يحصل مع كل أسف»، لافتاً إلى أنّ هذه «التجربة موجودة في سوريا بكثرة، وفي الصين تفرض الحكومة على كلّ مواطن ريفي إيجاد محطة كهذه لتأمين الاكتفاء الذاتي»، مشيراً إلى أنّ «السماد المستخرج من الروث بعد إخراج الغاز منه، يعدّ من النوعيات الممتازة، كونه يتخلص بعد تخميره من الكثير من الشوائب، ولقد كانت تجارب استخدامه ناجحة جداً، وخصوصاً في زراعة الذرة».
وإذ عمل الأميركيون على إطلاق هذه التجربة في بلدات ببنين والفريديس وكفرنون وتل عباس الشرقي وغيرها في عكّار، لفت رئيس اتحاد بلديات الجومة المهندس الزراعي سجيع عطية إلى أنّه يفضّل «التجارب الكبيرة لإنتاج الغاز بهذه الطريقة، لأنّ التجارب الفرديّة التي أقيمت في عكّار بسيطة، وتقام لصالح عائلة واحدة، لكنّها تحتاج لاستمرارية وصيانة قد لا تتحمّل أعباءها عائلة واحدة».
ويوضح عطية أنّ «الغاية من المشروع كان إطلاع الناس على طريقة يستفيدون منها لإنتاج الوقود المنزلي (الميتان)، وتحمي البيئة بإزالة الفضلات الحيوانية التي تنتشر في عراء المناطق الزراعية المعتمدة على تربية المواشي. والفضلات تستخدم كسماد عضوي غير ملوّث وغير كيميائي، بعد استخراج الغاز منها»، واصفاً التجارب التي أقيمت بأنّها «فردية، لكنّها نجحت في أداء المهمة التي أقيمت من أجلها»، مشيراً إلى أنّه «برغم نجاح التجربة، فإنّها لم تعمّم على نطاق واسع كما أملنا، لأنّه من الأفضل إقامة مشروع كبير للبلدة يتضمّن محطّة لإنتاج الغاز».
لكنّ تجربة الاستفادة من فضلات الحيوان، والإنسان أيضاً، ليست حديثة العهد بنظر الخبير الزراعي المتقاعد جورج جحا، الذي يلفت إلى أنّ «الفكرة قديمة، واطّلعت عليها في مدينة عنابة الجزائريّة، وقد أقيمت التجربة بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية». ورأى جحا أنّه «من الأفضل إقامة مزرعة كبيرة على طريقة تعاونيّة، يقدّم فيها التمويل للبلدة، ويغطي المشروع نفقات استمراره، على أن تضم 50ـــ100 بقرة، تعطي حليباً وافراً، تؤمّن العمل لعدد من المواطنين، ويكفي روثها لتزويد معمل تعبئة غاز صغير يؤمّن للبلدة حاجتها من الوقود».
مختار بلدة الفريديس عثمان إبراهيم شرح كيفية إقامة التجربة وعملها، فأشار إلى أنّها «مثل الحفرة الصحيّة التي تقام تحت الأرض للفضلات المنزلية، حيث لا تتوافر أقنية تصريف صحيّ»، لافتاً إلى أنّ «هناك نموذجين منها، الصيني ويعتمد على الفضلات البشرية والحيوانيّة، والأميركي الذي يعتمد على روث البقر والماشية».
وعن طريقة بناء الحفرة، يقول إبراهيم إنّها «تبدأ من مساحة واسعة في الأسفل، (4×4م)، تصبّ بالإسمنت، وتبنى الجدران من حجارة ناريّة بشكل مخروطيّ مقلوب، قاعدته العريضة من الأسفل، وتنتهي الجدران بفتحة متر مربّع واحد، والغاية ضبط الغاز المنبعث من التفاعل الكيميائي للروث. وتغطّى فتحة المتر المربع بلوح حديد، أو بلاستيك مقوّى، ويمدّد عبره أنبوب ينقل الغاز إلى المنزل بصورة مباشرة».
ويفيد رشيد إبراهيم، صاحب حفرة مماثلة في البلدة، «بأننا نقيم حفرتين صغيرتين على هامش الكبيرة، واحدة تحتوي خلّاطاً للروث بعد إضافة الماء إليه لتليينه، فيعبر عبر قناة مقفلة إلى داخل الحفرة، والثانية تنقل فضلات الروث من الحفرة إلى الخارج بطريقة ذاتية بعد نفاد الغاز منها، فننقلها إلى الأرض كسماد للمزروعات».
ويؤكّد المختار عثمان وجاره رشيد أنّ «عشرة كيلوغرامات من الروث تكفي لاستخراج حاجة المنزل من الغاز، وهي كميّة تؤمّنها بقرة واحدة. وقد خدمتنا لاثني عشر عاماً».
واختصر إبراهيم مشكلات الحفرة ووصفها بالبسيطة، إذ «ينخفض إنتاج الغاز في الطقس البارد، والتعامل مع الروث يعطي بعض الروائح الكريهة، والأهمّ أنّ الحفرة تحتاج لصيانة دوريّة مكلفة. وبسبب ذلك أوقفت أغلب العائلات الاعتماد عليها».