يوم عاشوراء ، فضل عاشوراء ، ما فضل يوم عاشوراء
يوم عاشوراء من المناسبات الإسلامية المهمة التي يحتفل بها المسلمون ويتقربون فيها إلى الله عز وجل بالعبادة، خاصة الصوم الذي سنّه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم. وهو واحد من أفضل أيام العام أجرا وثوابا عند الله تعالى؛ إذ يكفِّر الله عز وجل بصيامه عن العبد سنة ماضية.
ويوم عاشوراء أيضا حلقة في سلسلة متواصلة من النفحات الربانية وفرص التوبة والمغفرة التي يمد الله عز وجل بها يد تفضله ونعمائه إلينا لنغتنمها ونتعرض لها، وهو كذلك واحد من أهم المناسبات التي يحافظ على إحيائها بالصيام والطاعات عامة المسلمين في واقعنا المعاصر، حتى تكاد تشعر أنك في شهر رمضان، وأن صيامه صيام فريضة لا صيام تطوع، من كثرة الصائمين في هذا اليوم.
تعبير عن طبيعة الدين
ويوم عاشوراء هو يوم يشفّ بوضوح عن طبيعة هذا الدين وعن بعض خصائصه؛ فالاحتفال بيوم عاشوراء هو مناسبة مركزة للاحتفال بالأنبياء والرسل السابقين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: “ما هذا؟”.
قالوا: يوم صالح نجّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال صلى الله عليه وسلم: “وأنا أحق بموسى منكم” فصامه وأمر بصيامه، ثم نوى الإضافة إليه بصيام التاسع معه. وهذا ليس بغريب على دين الإسلام الذي يجعل من شروط صحة إسلام العبد ومن تمام إيمانه الإيمان بجميع الأنبياء والرسل وعدم التفرقة بينهم {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}… (البقرة: 285).
والدين عند الله دين واحد وليس أديانا متعددة {إنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإسْلامُ}… (آل عمران : 19)، وما الأنبياء والرسل إلا حلقات متتالية في سلسلة الدعوة إلى هذا الدين الواحد؛ ولذا هم إخوة في العقيدة، وهم إخوة كذلك في المهمة والوظيفة، وشركاء في الرسالة السامية المقدسة التي شرفهم الله بها، فما خصائص الإسلام في ظل الاحتفال بيوم عاشوراء؟.
استكمال لا استبدال
إنه دين البناء والإتمام والاستكمال، لا الهدم والنقض والاستبدال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “نحن أحق بموسى منهم”، ويقول: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، ويقول: “إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين”.
فالإسلام يعترف بالبناء العقائدي والأخلاقي والقيمي الذي مثَّل تراث البشرية منذ هبط آدم إلى الأرض إلى أن بعث الله تعالى نبيه الخاتم، فلم يأتِ الإسلام ليهدم ويزيل كل ما سبقه ثم يبني بناء جديدا مغايرا، ولكنه أرسى دعائم ذلك البناء الإنساني الشامخ، واستكمل البناء ولم يستبدله، وأضاف إليه ولم ينقص منه.
ومهمة المسلم في الأرض أن يلتقي مع كل قيمة نبيلة راقية وأن يتواصل مع الرصيد الإنساني الكريم، وأن يمد يده بالبناء، وليس بالضرورة بالهدم لوضع لبنات بناء جديد.
إن المسلم لا يحتاج -أو لا يلزمه- أن يهدم كل ما سبقه، ولكنه يقوم فقط بإزالة التعديات على المنظومة العقائدية والأخلاقية، وينكس ما شابها أو شوه مسيرتها من متناقضات، ويبقي على البناء الأصيل، ويضيف إليه ويتممه.
مشاركة متميزة لا مخالفة متحيزة
إنه دين يشارك الناس ولا يتفرد عنهم ولا يخالفهم لغرض المخالفة مطلقا، ولكن هو معهم ما استقاموا في الطريق القويم المستقيم، فإن خالفوا أو حادوا تميز وأمعن في تمييز الخط الأصيل الملتقي مع الفطرة السليمة التي فطر الله عليها البشر جميعا.
نلمح بعض هذه المعاني في فريضة مثل فريضة الحج، يقول الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}.. (البقرة: 199)، فلا يدعونا هاجس التميز أن نعمل بعيدا عن الناس أو في معزل عنهم. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت”؛ فمشاركة الآخرين في التعاون على البر والتقوى من مقاصد الدين ومن طبيعته التي لا تنفك عنه.
عدالة لا عصبية
دين السماحة المطلقة، والنظرة الأصيلة الثاقبة، والحكم العادل على الأمور، لا يلهينا أو يلفتنا تشتت الناس وتفرقهم وتحريفهم عن حقيقة الرسالات التي هي حلقات في دين واحد، ولا يمكن أن نحكم على نبي الله موسى عليه السلام من خلال مواقف من يدّعون اتباعه ومناصرته، فنحن أولى بموسى منهم، نحن قوم نتقرب لله تعالى بتسمية أبنائنا بأسماء الأنبياء والرسل ونتعبده بذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تسموا بأسماء الأنبياء”؛ فكم تنتشر أسماء موسى وعيسى ومريم وهارون في الشعوب المسلمة، بينما أسماء نبي الإسلام ورموزه من كبار الصحابة محرمة عند أتباع الديانات الأخرى! إن التوقف عند هذه الحقيقة وحدها بإحصائيات دقيقة أو عفوية ليرد على المتخرصين على الإسلام بالتعصب والعنصرية، لما فيه من سماحة لا نظير لها.
الإسلام دين يحكم على الحقيقة، يفصل بين النظرية والتطبيق، بين الدين وبين الأتباع، فليس تحريف الأتباع عيبا في الدين ذاته، ويرفض التعميم، يقول جل وعلا: {ومِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ ومِنْهُم مَّنْ إن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إلَيْكَ إلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}.. (آل عمران: 75)، ويقول عز وجل: {لَيْسُوا سَوَاءً}.. (آل عمران: 113)، فهو دين قائم على العدالة والإنصاف وأداء الحقوق.