هل تراجع مجلس الوزراء؟.. بقلم صلاح حبيب
السودان اليوم:
نشرت عدد من الصحف اليومين الماضيين، خبراً بأن مجلس الوزراء حدد مبلغ (8993) جنيهاً، ليكون الحد الأدنى للأجور، ولكن يبدو أن السيد وزير رئاسة مجلس الوزراء، الأمير “أحمد سعد عمر” اكتشف الخطأ، فنفى الخبر في عجالة بالتلفزيون، إن الرقم الذي حدد كحد أدنى لا اعتقد أنه صحيح وليس من المنطق أن تزيد الدولة موظفيها وعمالها هذا المبلغ، وهم أصلا لم يتجاوز حدهم الأدنى (600 أو 700) جنيه، فكيف يصل إلى هذا الرقم غير المنطقي، إن المرتبات في الدولة لا تصل إلى هذه الأرقام الفلكية، وإن كانت الحياة المعيشية بهذه الزيادة لا تكفي، المواطن السوداني يكيف نفسه مع الأسعار المتصاعدة من خلال إعانات تأتيه من الأولاد الذين يعملون بالخارج، أو إيجارات لورثة أو هبات من أي جهة أخرى، ولكن بالمرتبات التي يتقاضاه أولئك العاملون في الدولة لن تكفي لأسبوع، ناهيك عن شهر كامل، فالرقم الذي نفاه الأمير “أحمد سعد عمر” إذا نظرنا إليه وإلى متوسط الأسرة التي تتكون من ثلاثة أو أربعة أشخاص لن يكفي إذا وضعنا أن اثنين منهم يدرسون بالجامعات وكل واحد يتقاضى يوميا خمسين جنيها بعد الزيادات الكبيرة في تعريفة المواصلات وحتى الأب نفسه إذا وضعناه مع أبنائه وأخذ نفس المبلغ (خمسين جنيهاً) فالثلاثة يتقاضون أربعة آلاف ونصف جنيه، أما بقية الاحتياجات المعيشية الأخرى من لحمة وخضار ولبن وزيت، فالرقم الذي وضع لن يكفي حتى إذا الأسرة لم يمرض فيها شخص خلال الشهر، إن زيادة المرتبات ليست ضرورية في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فالدولة عليها أن تعمل على ضبط الأسعار وتطبيق القانون على كل تاجر لم يتقيد بالأسعار التي تضعها الدولة، البلاد تشهد انفلاتاً غير مبرر في الأسعار فكل تاجر يضع التعريفة التي تناسبه، ولذلك نجد كل يوم سعر جديد لأي صنف من أصناف الطعام.. والمواطن مسكين ومغلوب على أمره لا يستطيع مجاراة هذا الانفلات أو يتخلى من ضروريات الحياة، فالقانون هو الرادع لهؤلاء المرابين وفاقدي الضمير، فالمشكلة لم تكن في الدولة ولا في رئيس الوزراء، ولكن المشكلة أولاً في المواطن الذي ترك التجار يتحكمون في مصيره المعيشي.. ففي كل دول العالم نجد المواطن هو الذي يجبر الشركات والتجار على التراجع عن الأسعار التي يفرضونها، ففي إحدى الدول الأوروبية حينما زادت إحدى الشركات أسعار البيض، رفض المواطنون الشراء فعدلت الشركة عن السعر الجديد وعادت إلى السعر القديم، فرفض المواطن الشراء، ثم عدلت الشركة حتى عن السعر ما بعد الزيادة فرفض أيضا المواطن الشراء، فتكبدت الشركة خسائر بلغت آلاف الدولارات، فلم تفكر تلك الشركة مرة أخرى في رفع أسعارها، ولكن مشكلتنا أن المواطن الذي يرفض الشراء تجد آخرين يأخذون بأضعاف ما يأخذه الواحد فالتاجر طالما بضاعته تشرى مهما رفع السعر، فما عليه إلا أن يزيد أو يضاعف السعر، فانظروا إلى تجار المواشي فهل يصدق أحد أن بلداً بها آلاف من رؤوس الماشية، ويبلغ سعر كيلو اللحمة ما يقارب الثلاثمائة جنيه، وبها آلاف من الأفدنة وسعر كيلو الطماطم يصل إلى ستين وسبعين جنيهاً، حتى الخضروات الملوخية والبامية والقرع والكوسة وغيرها من الخضروات المحلية تصل الأسعار إلى هذه الأرقام الفلكية، فالحد الأدنى سعادة الأمير “أحمد سعد” أن كان صحيحا أو خطأ لن يحل مشكلة المواطن، فابقوا على تخفيض الأسعار أفضل من زيادة المرتبات، وحتى لو تمت زيادتها سيبلعها السوق.