هل انتهى عصر المثقف الشمولي؟

انتهى المثقف الشمولي؟
يذكرنا المثقف الشمولي من جهة علاقته بالمعرفة
بأولئك الفلاسفة الكبار الذين أحاطوا بالعلوم والمعارف
على تعدد وتنوع صنوفها وحقولها, وساهموا في تأسيسها, ووضع نظرياتها
وتقعيد أصولها, في عصورهم وأزمنتهم, وفي ثقافاتهم ومجتمعاتهم
ويبرز من هؤلاء أفلاطون وأرسطو في الحضارة اليونانية القديمة
والفارابي وابن سينا وابن رشد في الحضارة الإسلامية الوسيطة
وديكارت وكانت واسبينوزا في الحضارة الأوروبية الحديثة
وهذا يعني أن المثقف الشمولي لا ينتمي إلى حضارة معينة
ولا يصنف على ثقافة خاصة
ولا يتحدد بزمن محدد, فجميع الحضارات أنجبت نموذج المثقف الشمولي
في عصور ازدهارها وتقدمها العلمي والحضاري
وبالتالي فإن المثقف الشمولي الحقيقي, هو أقرب إلى شخصية أولئك الفلاسفة
الذين عرف عنهم الإحاطة بالعلوم والمعارف على تعدد وتنوع صنوفها وحقولها.
وهذا الصنف في عالمنا العربي الراهن هو بحكم النادر والنادر جداً
ولا أدري إذا كان عبد الرحمن بدوي هو آخرتميّز بشمولية المعرفة باقتدار
هؤلاء في العالم العربي الذي يصدق نادراً ما نسمع اليوم عن مثقف
عليه وصف المثقف الشمولي أم لا؟
فهو المثقف والفيلسوف الأكثر قرباً وتشبهاً وتقمصاً بأولئك الفلاسفة
الذين طالما عايش نصوصهم, وتوغل في علومهم, وترجم كتاباتهم
ويكفي لدهشتنا معرفة ما كان يتقنه من لغات
حيث عرف عنه أنه يتقن قراءة وكتابة وترجمة
اليونانية والألمانية والإنجليزية والإيطالية والأسبانية
ولعله بات من النادر أيضاً, وجود مثل هذا المثقف الشمولي
حتى في عالمنا وعصرنا الراهن, فنادراً ما نسمع عن مثقف أو مفكر أو عالم أو فيلسوف
اتصف وتميز بشمولية المعرفة بإحاطة وتمكن واقتدار
بهذه النماذج تتكشف صورة المثقف الشمولي الحقيقي
وتتحدد المعايير في إطلاق هذا الوصف.
ويتأثر المثقف في طرائق علاقته بالمعرفة, بطبيعة اتجاهات المعرفة السائدة في عصره
فإذا كانت المعرفة تميل أو تنحاز إلى الشمولية, فإن المثقف سوف ينحاز إلى مثل هذه الشمولية
أما إذا كانت المعرفة تميل وتنحاز إلى التخصص, فإن المثقف سوف ينحاز إلى هذا التخصص بطبيعة الحال
باعتبار أن المثقف يتأثر بهذه المعرفة, بوصفها معرفة ساهمت في بنائه وتكوينه.
ولعل هذا ما يفسر ميل المثقف في الأزمنة السابقة نحو الثقافة الشمولية والمعرفة الشمولية
حينما كان هذا الميل موجوداً في الثقافة والمعرفة
ويدفع المثقف لأن يأخذ من كل شيء من العلم والمعرفة بطرف
وحينما كانت العلوم والمعارف شديدة التداخل والتشابك فيما بينها
وحينما كانت الفلسفة تلعب دور الحاضن والمرجع والموجه للعلوم والمعارف
وهذا ما يفسر كذلك ميل المثقف في الأزمنة الراهنة
نحو التخلي عن الثقافة الشمولية والمعرفة الشمولية
والاقتراب من حقول معينة في بنائه وتكوينه الثقافي والمعرفي
لكون أن المعرفة السائدة في هذا العصر تميل وتنحاز نحو المعرفة المتخصصة
وذلك بعد أن تغيرت أحوال المعرفة في العالم تغيراً جذرياً
وأصبحت المعرفة تتراكم وتتضاعف بسرعة مذهلة
وبعد أن انقسمت وتفرعت المعارف والعلوم
وبات من الصعب ولعل من المستحيل كذلك
الاحاطة بهذه المعارف والعلوم, فهل انتهى عصر المثقف الشمولي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى