من قصائد المتنبي
إن قصائد المتنبي كلها لطيفة ، وجميعها يجمع الحكمة والبلاغة وجمال الصور ودقة التعبير وقد سمَّى أهل المغرب محمد بن هانئ الأندلسي متنبي الغرب ، وكذلك سمَّى الفرس سعدي الشيرازي متنبي الفرس ،وأيضا سمَّى الهنود طاغور متنبي الهند .وكل هذا إن دلَّ على شيءٍ فإنَّما يدلُّ على منزلة المتنبِّي العظيمة وحتى وقتنا الحاضر فان كبار الشعراء المعاصرين قاطبة يعدونه على رأس الشعر العربي بلا منازع .
ولعل الأبيات التالية تحتوي انعكاسا لجمال قصائده التي كلها جميلة :
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِم ” وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي “وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ
إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ” فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ
قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَة “وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ
فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ*”وَكانَ أَحسَنَ مافي الأَحسَنِ الشِيَمُ
فَوتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ” في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ
قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت “لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها …أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ
أَكُلَّما رُمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً … تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ
عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ … وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا
أَما تَرى ظَفَراً حُلواً سِوى ظَفَرٍ”تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهِندِ وَاللِمَمُ
يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي … فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ
أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً …أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ
وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ … إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي … وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ
أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها … وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكي … حَتّى أَتَتهُ يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إِذا نَظَرتَ نُيوبَ اللَيثِ بارِزَةً … فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ مُبتَسِمُ
ا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم … وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ
ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ … لَو أَنَّ أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ
إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا … فَما لِجُرحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ
وهده أبيات أخرى من جميل أشعار المتنبي الخالدة :
مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عن المَلامِ … وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلامِ
ذَرَاني والفَلاةَ بلا دَلِيلٍ … وَوَجْهِي والهَجِيرَ بلا لِثَامِ
فإِنِّي أَسْتَرِيحُ بِذِي وهَذَا … وَأَتْعَبُ بَالإِنَاخَةِ والمُقَامِ
عُيُونُ رَوَاحِلِي إِن حِرْتُ عَيْني … وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغَامِي
فَقَدْ أَرِدُ المِيَاهَ بِغَيْرِ هَادٍ … سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْقَ الغَمَامِ
يُذِمُّ لِمُهْجَتي رَبِّي وَسَيْفِي … إِذَا احْتَاجَ الوَحِيدُ إِلَى الذِّمَامِ
ولا أُمْسِي لأَهْلِ البُخْلِ ضَيْفًا … وَلَيْسَ قِرًى سِوَى مُخِّ النَّعَامِ
وَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبًّا … جَزَيْتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بِابْتِسَام
وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ … لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الأَنَامِ
ومن أشعاره الخالدة أيضا :
لا تشـتَـرِالـعَـبيـد إلا والـعَـصَـا مـعــه .. إِن الـعَـبِـيــدَ لأنـــجــاسٌ مَـنـاكــيــد
مـا كُنـتُ أَحسَبُنـي أَحيـا إلـى زَمَـن .. ٍيُسـيء بـي فيـهِ عَبـد وَهْـوَ مَحمـودُ
وَلا تَوهـمـتُ أَن الـنـاس قَــدْ فُـقِـدُوا .. وأًن مِـثْــلَ أَبـــي البـيـضـاءِ مَــوجــودُ
وأَنَّ ذَا الأَسْــوَدَ المَثْـقـوبَ مـشْـفَـرُهُ .. تـطِـيـعُـهُ ذي الـعَـضـارِيـطُ الـرعـادِيــد
جَوعـانُ يأكـلُ مِـن زادي ويُمِسكُنـي … لِـكَـي يُـقـالَ عَظِـيـمُ الـقـدرِ مَقـصُـودُ
وَيـلُـمِّـهـا خُــطَّـــةً وَيــلُـــم قـابـلِـهــا.. لِمِثْـلِـهـا خُــلِــقَ المهريَّـةُالــقُــودُ
وعِندَهـا لَــذَّ طَـعْـم الـمـوتِ شـارِبُـهُ .. إِن الـمَـنِـيَّـةَ عِــنْــدَ الــــذُلّ قِـنـديــدُ
مَن علَّـم الأسـودَ المَخْصِـيَّ مكرُمـة … أَقَـومُــهُ الـبِـيـضُ أَمْ آبــــاؤهُ الـصِـيــدُ
أم أُذْنُــه فــي يــدِ النّـخَّـاسِ دامِـيــةً … أَم قَــدْرهُ وَهــوَ بِالفِلـسَـيْـنِ مَـــردُودُ
أولَـــى الـلِـئــام كُـوَيـفـيـرٌ بِـمَـعــذِرَة … فـي كُـلِّ لُـؤْم وبَـعـض الـعُـذْرِ تَفنِـيـدُ
وهذا غيض من فيض من روائع أشعار أبو الطيب المتنبي .