من الشعر الإسلامي
محتويات المقال
الشعر الإسلامي
عُرف الشعر في التاريخ العربي مند العصر الجاهلي، وأجمع المؤرخون أن الشعر لم ينطلق منذ العصر الجاهلي، إذ إنّه عُرف ما قبل ذلك، لكن لم يردنا منه شيئاً، وبهذا يبدأ التاريخ الشعري العربي منذ العصر الجاهلي. وبظهور الإسلام اختلفت المواضيع الشعرية عمّا عرفه العرب، واختفت الكثير منها بسبب تعارضها والتعاليم الإسلامية، وعليه، يمكننا التّحدث عن الشعر الإسلامي من ناحيتين: من الناحية التاريخية، وتعني الشعر في عصر صدر الإسلام، وهي الفترة الفاصلة بين حكم الرسول عيه السلام والعصر الأموي، وضمّت حكم الخلفاء الراشدين الأربعة، وفيها ثبتت القواعد الإسلامية واتّضحت؛ لأن المسلمين عملوا بها والتزموا فيها بعد وفاة الرسول عليه السلام. أمّا الناحية الثانية تختصّ بالموضوع، فكما اختفت الموضوعات الشعرية التي تتعارض والمبادئ الإسلامية، ضهرت موضوعات جديدة تتحدّث عن الأخلاق الإسلامية، والابتهالات إلى الله، والتحبّب إلى الرسول عليه السلام، انتهاء بالشعر الصوفي الذي تغزّل فيه الشعراء بالذات الإلهيّة، وعبّروا عن مشاعر الحب لله تعالى.
في هذا المقال سنتخصّص في الشعر الإسلامي من حيث الموضوع بجميع أنواعه، من قصائد وأشعار قصيرة.
شعر إسلامي قصير
- مالي معَ اللهِ فيِ الدارينِ منْ سببٍ
إلاَّ الشهادة َ أخفيها وأبديها
وسيلة ٌ لي عندَ اللهِ خالصة ٌ
عنْ كلِّ مالاَ يؤديها أؤديها
تجارة ٌ أشتريها غيرَ بائرة ٍ
تضاعفُ الربحَ أضعافاً لشاريها
دلالها المصطفى َ واللهُ بائعها
ممنْ يحبُّ وجبريلٌ مناديها
- إِلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّي
مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّي
فَما لي حِيلَةٌ إِلا رَجائي
بِعَفوِكَ إِن عَفَوتَ وَحُسنِ ظَنّي
فَكَم مِن زَلَّةٍ لِي في الخطايا
عَضَضتُ أَناملي وَقَرَعتُ سِنّي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي
لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عَنّي
وَبَينَ يَديَّ مُحتَبسٌ طَويلٌ
كَأَنّي قَد دُعِيتُ لَهُ كَأَنّي
أَجُنُّ بِزَهرَةِ الدُنيا جُنوناً
وَأَفنِي العُمرَ مِنها بِالتَمَنّي
فَلَو أَنّي صَدَقتُ الزَهدَ فيها
قَلَبتُ لَها حَقّاً ظَهرَ المُجَنِّ
- إذا ما خلوْتَ، الدّهرَ، يوْماً، فلا تَقُلْ
خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعة
وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب
لهَوْنَا، لَعَمرُ اللّهِ، حتى تَتابَعَتْ
ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ
فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى
ويأْذَنُ فِي تَوْباتِنَا فنتُوبُ
إذَا ما مضَى القَرْنُ الذِي كُنتَ فيهمِ
وخُلّفْتَ في قَرْنٍ فَأنْت غَريبُ
وإنَّ أمرءًا قَدْ سارَ خمسِينَ حِجَّة ٍ
إلى مَنْهِلِ مِنْ وردِهِ لقَرِيبُ
نَسِيبُكَ مَنْ ناجاكَ بِالوُدِّ قَلبُهُ
ولَيسَ لمَنْ تَحتَ التّرابِ نَسيبُ
فأحْسِنْ جَزاءً ما اجْتَهَدتَ فإنّما
بقرضِكَ تُجْزَى والقُرُوضُ ضُروبُ
- مولاي ضاقت بي الأرجاء فخذ بيدي
مالي سواك لكشف الضّر يا سندي
حسبي الوقوف بباب الذلّ مُنكسراً
أُمرّغ الخـدّ في الأعتاب لم أَحِـد
مولاي جُد بالرّضا والعفو عمّا مضى
لقد أتيت ذنوباً أتلفت جسدي
ساء المصير إذا لم تنجلي أمـلي
طال المدى فأغثني منك بالمدد
دأبي التّوسل حاشا أن تُخيّبني
عَلِّي أرى لمحةً أشفي به كبدي
لن يطلي جَلَداً يارب ترحمني
فأنا المُسيء وأنت المحسن الأبـدي
- قلبي برحمتكَ اللهمَّ نو أنسِ
في السِّرِّ والجهرِ والإصباحِ والغلسِ
وما تقَّلبتُ من نومي وفي سنتي
إلا وذكركَ بين النَّفس والنَّفسِ
لقد مننتَ على قلبي بمعرفة ٍ
بِأنَّكَ اللَّهُ ذُو الآلاءِ وَالْقَدْسِ
وقد أتيتُ ذنوباً أنت تعلمها
وَلَمْ تَكُنْ فَاضِحي فِيهَا بِفِعْلِ مسي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِذِكْرِ الصَّالِحِينَ وَلا
تجعل عليَّ إذا في الدِّين من لبسِ
وَكُنْ مَعِي طُولَ دُنْيَايَ وَآخِرَتي
ويوم حشري بما أنزلتَ في عبس
قصائد إسلامية
من جميل القصائد نختار لكم المجموعة الآتية:
أنا العبد
جمال الدين الصرصري
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا
وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا
عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ
صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا
فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمُرِي
فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ
أَصِيحُ لَرُبَّمَا أَلْقَى مُجِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ السَّقِيمُ مِنْ الْخَطَايَا
وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ
حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمْ مُنِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي
إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا
أَنَا الْغَدَّارُ كَمْ عَاهَدْتُ عَهْدًا
وَكُنْتُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ كَذُوبَا
أَنَا الْمَهْجُورُ هَلْ لِي مِنْ شَفِيعٍ
يُكَلِّمُ فِي الْوِصَالِ لِي الْحَبِيبَا
أَنَا الْمَقْطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي
وَيَسِّرْ مِنْكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا
أَنَا الْمُضْطَرُّ أَرْجُو مِنْكَ عَفْوًا
وَمَنْ يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا
فَيَا أَسَفَى عَلَى عُمُرٍ تَقَضَّى
وَلَمْ أَكْسِبْ بِهِ إلَّا الذُّنُوبَا
وَأَحْذَرُ أَنْ يُعَاجِلَنِي مَمَاتٌ
يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا
وَيَا حُزْنَاهُ مِنْ نَشْرِي وَحَشْرِي
بِيَوْمٍ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَا
تَفَطَّرَتْ السَّمَاءُ بِهِ وَمَارَتْ
وَأَصْبَحَتْ الْجِبَالُ بِهِ كَثِيبَا
إذَا مَا قُمْتُ حَيْرَانًا ظَمِيئَا
حَسِيرَ الطَّرْفِ عُرْيَانًا سَلِيبَا
وَيَا خَجَلَاهُ مِنْ قُبْحِ اكْتِسَابِي
إذَا مَا أَبْدَتْ الصُّحُفُ الْعُيُوبَا
وَذِلَّةِ مَوْقِفٍ وَحِسَابِ عَدْلٍ
أَكُونُ بِهِ عَلَى نَفْسِي حَسِيبَا
وَيَا حَذَرَاهُ مِنْ نَارٍ تَلَظَّى
إذَا زَفَرَتْ وَأَقْلَقَتْ الْقُلُوبَا
تَكَادُ إذَا بَدَتْ تَنْشَقُّ غَيْظًا
عَلَى مَنْ كَانَ ظَلَّامًا مُرِيبَا
فَيَا مَنْ مَدَّ فِي كَسْبِ الْخَطَايَا
خُطَاهُ أَمَا أَنَى لَكَ أَنْ تَتُوبَا
أَلَا فَاقْلِعْ وَتُبْ وَاجْهَدْ فَإِنَّا
رَأَيْنَا كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبَا
وَأَقْبِلْ صَادِقًا فِي الْعَزْمِ وَاقْصِدْ
جَنَابًا نَاضِرًا عَطِرًا رَحِيبَا
وَكُنْ لِلصَّالِحِينَ أَخًا وَخِلًّا
وَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبَا
وَكُنْ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ جَبَانًا
وَكُنْ فِي الْخَيْرِ مِقْدَامًا نَجِيبَا
وَلَاحِظْ زِينَةَ الدُّنْيَا بِبُغْضٍ
تَكُنْ عَبْدًا إلَى الْمَوْلَى حَبِيبَا
فَمَنْ يَخْبُرْ زَخَارِفَهَا يَجِدْهَا
مُخَالِبَةً لِطَالِبِهَا خَلُوبَا
وَغُضَّ عَنْ الْمَحَارِمِ مِنْك طَرْفًا
طَمُوحًا يَفْتِنُ الرَّجُلَ الْأَرِيبَا
فَخَائِنَةُ الْعُيُونِ كَأُسْدِ غَابٍ
إذَا مَا أُهْمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبَا
وَمَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرْفِ عَنْهَا
يَجِدْ فِي قَلْبِهِ رَوْحًا وَطِيبَا
وَلَا تُطْلِقْ لِسَانَكَ فِي كَلَامٍ
يَجُرُّ عَلَيْكَ أَحْقَادًا وَحُوبَا
وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ
بِذِكْرِ اللَّهِ رَيَّانًا رَطِيبَا
وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا
وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا
تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُوعِيتَ قَبْرًا
وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا
وَصُمْ مَا اسْتَطَعْت تَجِدْهُ رِيًّا
إذَا مَا قُمْتَ ظَمْآنًا سَغِيبَا
وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا
وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا
تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا
إذَا مَا اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا
وَكُنْ حَسَنَ السَّجَايَا ذَا حَيَاءٍ
طَلِيقَ الْوَجْهِ لَا شَكِسًا غَضُوبَا
فيا مولاي جد بالعفو وارحم
عبيداً لم يزل يشكي الذنوبا
وسامح هفوتي وأجب دعائي
فإنك لم تزل أبداً مجيبا
وشفِّع فيّ خير الخلق طراً
نبياً لم يزل أبداً حبيبا
هو الهادي المشفّع في البرايا
وكان لهم رحيماً مستجيبا
عليه من المهمين كل وقتٍ
صلاة تملأ الأكوان طيبا
كيف ترقى
البوصيري
كيفَ تَرقَى رُقَيّك الأنبيَاءُ
يَا سَماءً مَا طَاولتهَا سمَاء
لم يُسَاوكَ في عُلاَكَ وَ قَدْ حَا
لَ سَنًا منكَ دُونهُم و سَنَاءُ
إنّمَا مثّلوا صفَاتك َ للنّا
س كَمَا مثّل النُجُومَ المَاءُ
أنتَ مصبَاحُ كلّ فضل فَمَا تصـ
ـدر إلاّ عنْ ضوئكَ الأضواءُ
لكَ ذاتُ العُلوم منْ عَالم الغيـ
ـب ومنْهَا لآدمُ الأسمَاءُ
لمْ تَزلْ في ضَمائر الكون تُختَـ
ـر لكَ الأمهَاتُ و الأبَاءُ
تتبَاهى بكَ العصور وتَسْمُو
بكَ عَلياء بَعدَ عَليَاءُ
نَسَبٌ تحسَبُ العليَا بحلاهُ
قلدتهَا نُجُومُهَا الجوزاءُ
حَبّذَا عُقد سُؤدد و فَخَار
أنت فيه اليتيمَةُ العَصمَاءُ
و محيًا كَالشمس منكَ مُضيء
أسفَرتْ عنه ُ لَيلة ٌ غَراءُ
ليلَة المولد الذي كَانَ للديـ
ـن سُرورٌ بيومه و ازدهَاءُ
و تَوَالتْ بُشرَى الهَواتف أنْ قَد
ولدَ المَصطفى وَ حقَّ الهَنَاءُ
واتتْ قَومَهَا بأفضل مَمَا
حمَلتْ بهْ مريمُ العذراءُ
رافعًا رأسهُ و في ذلك الرّفـ
ـع إلى كل ّ سؤدد إيمَاءُ
رامقًا طرفهُ السمَاءَ و مَرمَى
عين من شأنه العلوّ العلاءُ
وتَدلّت زهرُ النجوم إليه
فأضاءت بضَوئهَا الأرجَاءُ
وتَراءت قُصُور قيصر بالرو
م يَرَاهَا مَنْ دَارُهُ البَطحَاءُ
وَبَدتْ في رضاعه مُعجزاتٌ
ليسَ فيهَا عَن العيون خَفَاءُ
إذ أبتهُ ليتمه مُرضعَاتٌ
قلن مَا في اليتيم عنَا غَنَاءُ
فأتتهُ منْ آل سعد فتَاةٌ
قَد أبتهَا لفقرهَا الرضعَاءُ
أرضعتهُ لبانَها فسقتهُ
وبنيهَا ألبَانهُن الشَاءُ
أصبَحّتْ شوّلا عجَافًا وأمستْ
مَا بهَا شائل و لا عجفاءُ
أخصَبَ العيشُ عندَها بعدَ محل
أنْ غد للنّبي منْهَا غذاءُ
بالهَامته لَقد ضوعفَ الأ
جرُ عليهَا منْ جنسهَا و الجزاءُ
وسخَّرَ الإلهُ أنَاسًا
لسعيد فانهم سعداء
حبَّةُ أنبتتْ سَنَابلٌ والعصـ
ـف لَديه يستشرفُ الضعفَاءُ
وأتتْ جَدهُ و قَدْ فصلتهُ
وبهَا مَنْ فصَاله البرحَاءُ
إذ أحاطت به ملائكةُ اللـ
ـه فظَنَنتْ بإنهُم قُرنَاءُ
ورأى و جدهَا به ومن الوَ
جد لَهيبٌ تصلي به الأحشَاءُ
فَارقتهُ كُرهًا و كَانَ لَديهَا
ثَاويًا لا يَمل منهُ الثواءُ
شَقَّ علَى قَلبه و أخرجَ منهُ
مُضغَةً عند غَسله سَودَاءُ
خَتمته يمنى الأمين و قَدْ أو
دع مَا لم تذع لَه أنبَاءُ
صَانَ أسرَارَهُ الختَام فَلا
الفضض مُلّمٌ به ولا الإفضَاءُ
ألفَ النسكَ والعبَادةَ والخلـ
ـوةَ طفلاً وهكذَا النُجَبَاءُ
وإذَا حَلَّتْ الهدايةُ قَلبًا
نشطت في العبَادة الأعضَاءُ
بَعثَ اللهُ عند مبعثه الشَهبـ
ـب حراسًا و ضَاقَ عنهَا الفضَاءُ
تَطرُدُّ الجّنَّ عَنْ مَقَاعد للسمعـ
ـبع كمَا تُطرَدُ الذئَابَ الرعَاءُ
فمحتْ آيةُ الكهَانة آيا
ت من الوَحي مَا لهُنَّ انمحَاءُ
دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ
ابن الرومي
دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ
ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخفِقٍ
ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ
وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ
وليس بكَيْسٍ بيعُها بالرغائبِ
وما زال مأمولُ البقاء مُفضّلاً
على المُلك والأرباحِ دون الحرائبِ
حضضتَ على حطبي لناري فلا تدعْ
لك الخيرُ تحذيري شرورَ المَحاطبِ
وأنكرتَ إشفاقي وليس بمانعي
طِلابي أن أبغي طلابَ المكاسبِ
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كل مجتنىً
من الشوك يزهدْ في الثمار الأَطايبِ
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى
إليَّ وأغراني برفض المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ
وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ
حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهي
بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ
ومن راح ذا حرص وجبن فإنه
فقير أتاه الفقر من كل جانبِ
ولما دعاني للمثوبة سيّدٌ
يرى المدح عاراً قبل بَذْل المثَاوبِ
تنازعني رغْبٌ ورهب كلاهما
قويٌّ وأعياني اطِّلاعُ المغايبِ
فقدمتُ رجلاً رغبةً في رغيبةٍ
وأخّرتُ رجلاً رهبةً للمعاطبِ
أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها
وأستارُ غَيْب اللّهِ دونَ العواقبِ
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي
ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ
ومِنْ نكبةٍ لاقيتُها بعد نكبةٍ
رَهِبتُ اعتساف الأرضِ ذاتِ المناكبِ
وصبري على الإقتار أيسرُ مَحْملاً
عليَّ مِنَ التغرير بعد التجاربِ
لقِيتُ من البَرِّ التّباريحَ بعدما
لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ
سُقيتُ على ريٍّ به ألفَ مَطْرةٍ
شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ
ولم أُسْقَها بل ساقَها لمكيدتي
تَحامُق دهرٍ جَدَّ بي كالمُلاعبِ
إلى اللَّه أشكو سخفَ دهري فإنه
يُعابثني مذ كنت غيرَ مُطائبِ
أبَى أن يُغيثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ
برحلي أتاها بالغُيوثِ السواكبِ
سقى الأرضَ من أجلي فأضحتْ مَزِلَّةً
تَمايَلُ صاحيها تمايُلَ شاربِ
لتعويقِ سيري أو دحوضِ مَطيَّتي
وإخصابِ مُزوَّرٍ عن المجد ناكبِ
فملتُ إلى خانٍ مُرثٍّ بناؤُه
مميلَ غريقِ الثوب لهفانَ لاغِبِ
فلم ألقَ فيه مُستراحاً لمُتعَبٍ
ولا نُزُلاً أيانَ ذاك لساغِبِ
فما زلتُ في خوفٍ وجوعٍ ووحشةٍ
وفي سَهَرٍ يستغرقُ الليلَ واصبِ
يؤرِّقني سَقْفٌ كأّنيَ تحته
من الوكفِ تحت المُدْجِنات الهواضبِ
تراهُ إذا ما الطينُ أثقلَ متنَهُ
تَصِرُّ نواحيه صريرَ الجنادبِ
وكم خَانِ سَفْرٍ خَانَ فانقضَّ فوقهم
كما انقضَّ صقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ
ولم أنسَ ما لاقيتُ أيامَ صحوِهِ
من الصّرِّ فيه والثلوج الأشاهبِ
وما زال ضاحِي البَرِّ يضربُ أهلَهُ
بسوطَيْ عذابٍ جامدٍ بعد ذائبِ
فإن فاته قَطْرٌ وثلج فإنه
رَهين بسافٍ تارةً أو بحاصبِ
فذاك بلاءُ البرِّ عنديَ شاتياً
وكم ليَ من صيفٍ به ذي مثالبِ
ألا رُبَّ نارٍ بالفضاء اصطليتُها
منَ الشَّمسِ يودي لَفْحُهَا بالحواجبِ
إذا ظلتِ البيداءُ تطفو إِكامُها
وترسُبُ في غَمْرٍ من الآلِ ناضبِ
فدعْ عنك ذكرَ البَرِّ إني رأيتُهُ
لمن خاف هولَ البحر شَرَّ المَهاربِ
كِلا نُزُلَيْهِ صيفُهُ وشتاؤُهُ
خلافٌ لما أهواهُ غيرُ مُصاقبِ
لُهاثٌ مُميتٌ تحت بيضاءَ سُخْنَةٍ
وَرِيٌّ مُفيتٌ تحت أسْحَمَ صائبِ
يجفُّ إذا ما أصبح الرّيقُ عاصباً
ويُغدقُ لي والرّيق ليس بعاصبِ
ويمنع منّي الماءَ واللَّوحُ جاهدٌ
ويُغرِقني والريُّ رَطْبُ المحَالِب
وما زال يَبغيني الحتوفَ مُوارِباً
يحوم على قتلي وغيرَ مُواربِ
فطوراً يُغاديني بلصٍّ مُصَلِّتٍ
وطوراً يُمَسّيني بورْدِ الشَّواربِ
إلى أنْ وقاني اللَّه محذورَ شرّهِ
بعزتِهِ واللَّه أَغلب غالبِ
فأفلتُّ من ذُؤبانهِ وأُسودِهِ
وحُرَّابِهِ إفلاتَ أَتوب تائبِ
وأما بلاءُ البحر عندي فإنه
فإنه طواني على روع مع الروح واقب
ولو ثاب عقلي لم أدعْ ذكرَ بعضهِ
ولكنه من هولِهِ غيرُ ثائب
وَلِمْ لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرة ً
لوافيتُ منه القعرَ أولَ راسبِ
ولم أتعلم قط من ذي سباحة ٍ
سوى الغوص، والمضعوف غيرُ مغالِبِ
فأيسر إشفاقي من الماء أنني
أمرّ به في الكوز مرَّ المجانب
وأخشى الردى منه على كل شارب
فكيف بأمنيه على نفس راكب
أظلّ إذا هزته ريح ولألأت
له الشمسُ أمواجاً طِوالَ الغواربِ
كأني أرى فيهنّ فُرسانَ بُهمة ٍ
يليحون نحوي بالسيوف القواضب
فأن قلت لي قد يُركَب اليّمُ طامياً
ودجلة عند اليّم بعض المذانب
فلا عذرَ فيها لامرء هاب مثلها
وفي اللجة الخضراء عذرٌ لهائب
فإنّ احتجاجي عنك ليس بنائمٍ
وإن بياني ليس عني بعازبِ
لدجلة َ خَبٌّ ليس لليمِّ، إنها
تَراءى بحلمٍ تحته جهْلُ واثب
تطامنُ حتى تطمئنَّ قلوبُنا
وتغضب من مزح الرياح الواعب
وأَجرافُها رهْنٌ بكلِّ خيانةٍ
وغَدْرٍ ففيها كُلُّ عَيْبٍ لِعائبِ
ترانا إذا هاجتْ بها الرِّيحُ هَيْجةً
نُزَلزَلُ في حَوماتها بالقواربِ
نُوائل من زلزالها نحو خسفها
فلا خير في أوساطها والجوانب
زلازل موج في غمار زواخرٍ
وهدَّاتُ خَسْفٍ في شطوطٍ خواربِ
ولليمِّ إعذارٌ بعرضِ متونِهِ
وما فيه من آذيِّهِ المتراكبِ
ولستَ تراهُ في الرياحِ مزلزلاً
بما فيه إِلّا في الشداد الغوالبِ
وإنْ خيفَ موجٌ عيذ منه بساحلٍ
خليٍ من الأجراف ذات الكباكب
ويلفظ ما فيه فليس معاجلاً
غريقاً بغتٍّ يُزهقُ النفسَ كاربِ
يعللُ غرقاهُ إلى أن يُغيثَهم
بصنعٍ لطيفٍ منه خيرِ مصاحَبِ
فتلقى الدلافين الكريمَ طباعُها
هناك رِعالاً عند نَكبِ النواكبِ
مراكبَ للقومِ الذين كبا بهم
فهم وسطه غرقى وهم في مراكب
وينقضُ ألواحَ السفينِ فكُلُّها
فمن ساد قوماً أوجب الطولَ أن يُرى
وما أنا بالراضي عن البحر مركبا
ولكنني عارضتُ شَغْبَ المشاغبِ
صدقْتُك عن نفسي وأنت مُراغمي
وموضعُ سري دون أدنى الأقاربِ
وجرَّبتُ حتى ما أرى الدهرَ مُغرِباً
عليّ بشيءٍ لم يقعْ في تجاربي
أرى المرءَ مذ يلقى الترابَ بوجهِهِ
إلى أن يُوارَى فيه رهن النوائبِ
ولو لم يُصَبْ إِلّا بشرخِ شبابِهِ
لكان قد استوفى جميعَ المصائبِ
ومن صَدَق الأخيارَ داوَوْا سقامَهُ
بصِحَّةِ آراءٍ ويُمْنِ نَقائبِ
وما زال صدقُ المستشير معاوناً
على الرأي لُبَّ المستشار المحازِبِ
وأبعدُ أدواءِ الرجالِ ذوي الضّنى
من البرء داءُ المستطِبِّ المكاذبِ
فلا تنصبنَّ الحربَ لي بملامتي
وأنت سلاحي في حروب النوائبِ
وأجدى من التعنيف حسنُ معونةٍ
برأيٍ ولينٍ من خطابِ المخاطبِ
وفي النصح خيرٌ من نصيحٍ مُوادِعٍ
ولا خيرَ فيهِ من نصيحٍ مُواثبِ
ومثليَ محتاجٌ إلى ذي سماحةٍ
كريمِ السجايا أريحيِّ الضرائبِ
يلينُ على أهلِ التسحُّب مَسُّهُ
ويقضي لهم عند اقتراح الرغائبِ
له نائلٌ ما زال طالبَ طالبٍ
ومرتادَ مرتادٍ وخاطبَ خاطبِ
ألا ماجدُ الأخلاقِ حُرٌّ فَعالُهُ
تُباري عطاياهُ عطايا السحائبِ
كمثل أبي العباس إنَّ نوالَهُ
نوال الحيا يسعى إلى كلِّ طالبِ
يُسيِّر نحوي عُرْفَهُ فيزورني
هنيئاً ولم أركبْ صعابَ المراكبِ
يَسير إلى مُمتاحه فيجودُهُ
ويكفي أخا الإمحال زَمَّ الركائبِ
ومن يكُ مثلاً للحيا في عُلُوِّهِ
يكنْ مثلَهُ في جودهِ بالمواهبِ
وإنَّ نِفاري منه وهو يُريغني
لَشيءٌ لرأي فيه غيرُ مناسبِ
وإن قعودي عنهُ خيفةَ نكبةٍ
لَلؤمُ مَهَزٍّ وانثناءُ مَضاربِ
أُقرُّ على نفسي بعيبي لأنني
أرى الصدقَ يمحو بَيّنات المعايبِ
لَؤُمْتُ لَعمر اللَّه فيما أَتيتُهُ
وإن كنتُ من قومٍ كرام المناصِبِ
لهم حِلْمُ إنسٍ في عَرامة جِنّةٍ
وبأسُ أُسودٍ في دهاء ثعالبِ
يصولون بالأيدي إذا الحربُ أَعملتْ
سيوفَ سُريجٍ بعد أرماح زاعبِ
ولا بد من أن يَلؤُم المرءُ نازعاً
إلى الحَمَأ المسنونِ ضربة لازبِ
فقل لأبي العباس لُقِّيتَ وجهَهُ
وحَسْبُك مني تلك دعوةَ صاحبِ
أمَا حقُّ حامي عِرض مثلك أن يُرى
له الرفدُ والترفيهُ أَوْجَبَ واجبِ
أَمِنْ بعدِ ما لم تَرْعَ للمالِ حرمةً
وأسلمتَهُ للجود غيرَ مُجاذبِ
فأعطيتَ ذا سلمٍ وحربٍ وَوُصلةٍ
وذنبٍ عطايا أدركتْ كلَّ هاربِ
ولم تُشخِصِ العافين لكنْ أتتهُمُ
لُهاك جَليباتٍ لأكرمِ جالبِ
عليماً بأنّ الظَّعْنَ فيه مشقّةٌ
وأنّ أَمرَّ الربح ربحُ الجلائبِ
تُكلّفني هولَ السِّفارِ وغولَهُ
رفيقَ شتاءٍ مُقْفعِلَّ الرواجبِ
ولاسيّما حين ارتدى الماءُ كِبْرَهُ
وشاغَب أنفاسَ الصَّبا والجنائبِ
وهرَّتْ على مُستطرِقي البَرَّ قَرَّةٌ
يَمسُّ أذاها دونَ لوثِ العصائبِ
كأن تمامَ الودِّ والمدح كلَّهُ
هُوِيُّ الفتى في البحر أو في السَّباسبِ
لعمري لئن حاسَبْتني في مثوبتي
بخفضي لقد أجريتَ عادةَ حاسبِ
حَنانَيْك قد أيقنتُ أنك كاتبٌ
له رتبةٌ تعلو به كلَّ كاتبِ
فدعني من حكمِ الكتابة إنهُ
عدوٌ لحكم الشعر غيرُ مقارِبِ
وإِلّا فلَم يستعملِ العدلَ جاعلٌ
أَجَدَّ مُجدٍّ قِرْنَ أَلعبِ لاعبِ
أيعزُبُ عنك الرأيُ في أن تُثيبني
مقيماً مصوناً عن عناء المطالبِ
فتُلفى وأُلفَى بين صافي صنيعةٍ
وصافي ثناءٍ لم يُشَبْ بالمعاتِبِ
وتخرج من أحكام قومٍ تشدّدوا
فقد جعلوا آلاءهم كالمصائبِ
أيذهبُ هذا عنك يا ابن محمدٍ
وأنت مَعاذٌ في الأمور الحوازبِ
لك الرأي والجودُ اللذان كلاهما
زعيمٌ بكشف المطبِقات الكواربِ
وما زلت ذا ضوء نوءٍ لمجدبٍ
وحيرانَ حتى قيل بعضُ الكواكبِ
تغيث وتَهدي عند جدبٍ وحيرةٍ
بمحتفل ثَرٍّ وأزهر ثاقِبِ
وأحسُن عرفٍ موقعاً ما تنالُهُ
يدي وغُرابي بالنوى غيرُ ناعبِ
أراك متى ثَوَّبتني في رفاهةٍ
زففتَ إليَّ المُلْكَ بين الكتائبِ
وأنت متى ثوَّبتني في مشقّةٍ
رأيتك في شخصِ المُثيب المعاقِبِ
ولو لم يكن في العرف صافٍ مهنّأٌ
وذو كَدَرٍ والعرفُ شتَّى المَشاربِ
إذاً لم يقل أعلى النوابغِ رتبةً
لمِقوَلِ غَسّانِ الملوكِ الأَشايبِ
عليَّ لعمروٍ نعمةٌ بعدَ نعمةٍ
لوالِده ليستْ بذات عقاربِ
وما عقربٌ أدهَى من البين إنه
له لَسْعةٌ بين الحشا والترائبِ
ومن أجل ما راعى من البين قوله
كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ
أبيتَ سوى تكلِيفك العرفَ مُعْفِياً
به صافياً من مؤذيات الشوائبِ
بل المجدُ يأبي غيرَ سَوْمِك نفسَهُ
ورفعِك عن طود المُنيل المحاسبِ
فصبراً على تحميلك الثِّقلَ كلَّهُ
وإن عزَّ تحميلُ القرومِ المَصاعبِ
ولا يعجبنَّ الناسُ من سعي متعَبٍ
مُشيحٍ لجدوى مستريح مُداعبِ
فمن ساد قوماً أوجب الطولُ أن يُرى
مُجِدّاً لأدناهُمْ وهم في الملاعبِ
ومن لم يزل في مَصْعَدِ المجد راقياً
صعابَ المَراقي نال عُليا المراتبِ
ألم ترني أتعبتُ فكري مُحكِّكاً
لك الشعرَ كي لا أُبتلى بالمتاعبِ
نَحلتُك حَلْياً من مديحٍ كأنه
هَوى كلِّ صبٍّ من عِناق الحبائبِ
أنيقاً حقيقاً أن تكون حِقاقُهُ
من الدرّ لا بل من ثُدِيِّ الكواعبِ
وأنت له أهلٌ فإن تجْزني به
أزِدْك وإن تُمْسِكْ أقفْ غيرَ عاتِب
فإن سَألتْنِي عنك يوماً عصابةٌ
شهدتُ على نفسي بسوء المناقبِ
وقلت دعاني للندى فأتيتُهُ
فأمسكَهُ بل بثَّهُ في المناهبِ
وما احتجزتْ مني لُهاهُ بحاجزٍ
ولا احتجبتْ عني هناك بحاجبِ
ولكن تَصدَّتْ وانحرفتُ لحرفتي
ففاءت ولم تظلِم إلى خيرِ واهبِ
وما قلت إلا الحقَّ فيك ولم تزل
على منهجٍ من سُنّةِ المجد لاحبِ
وإني لأشقَى الناس إن زُرَّ ملبسي
على إثمِ أفَّاكٍ وحسرةِ خائبِ
وكنتَ الفتى الحرَّ الذي فيه شيمةٌ
تَشيم عن الأحرار حدَّ المَخالبِ
ولست كمن يعدو وفي كلماتِهِ
تظلُّمُ مغصوبٍ وعدوانُ غاصبِ
يحاول معروفَ الرجالِ وإن أَبوْا
تعدَّى على أعراضهم كالمُكالبِ
وأصبح يشكو الناسَ في الشعر جامعاً
شكايَة مسلوبٍ وتسليطَ سالبِ
فلا تَحرمنّي كي تُجِدَّ عجيبةً لقومٍ
فحسبُ الناس ماضي العجائبِ
ولا تنتقصْ من قدر حظّي إقامتي
سألتك بالداعين بين الأَخاشبِ
وما اعتقلتني رغبةٌ عنك يَمَّمت
سواك ولكن أيُّ رهبة راهبِ
كأني أرى بالظعن طعنَ مُطاعِنٍ
وبالضرب في الأقطار ضربَ مضاربِ
وليس جزائي أن أَخيب لأنني
جَبُنْتُ ولم أُخْلَق عتادَ مُحارِبِ
يُطَالبُ بالإقدام من عُدَّ مُحْرَباً
وسُمِّي مذ ناغى بقودِ المَقانبِ
ولم يمشِ قيدَ الشبرِ إلا وفوقه
عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ
فأمَّا فتىً ذو حكمةٍ وبلاغةٍ
فطالبْهُ بالتسديد وسط المَخاطبِ
أَثبني ورَفِّهني وأَجزلْ مثوبتي
وثابرْ على إدرارِ بِرِّي وواظبِ
لتأتيني جدواك وهي سليمةٌ
من العيب ما فيها اعتلالٌ لعائبِ
أثقِّلُ إدلالي لتحملَ ثِقْلَهُ
بطوع المُراضي لا بكرهِ المغاضبِ
وما طلبُ الرِّفْد الهَنيء ببدعةٍ
ولا عجبُ المُسترفدِيهِ بعاجبِ
وذاك مَزيدٌ في معاليك كلُّهُ
وفي صدقِ هاتيك القوافي السواربِ
وما حَقُّ باغيك المزيدَ انتقاصُهُ
ولاسيما والمالُ جَمُّ الحلائبِ
وأنت الذي يضحي وأدنى عطائِهِ
بلوغُ الأماني بل قضاءُ المآربِ
وتوزَنُ بالأموال آمالُ وفدِهِ
وإرفادُ قومٍ بالظنون الكواذبِ
أقمتُ لكي تزدادَ نعماك نعمةً
وتَغْنَى بوجهٍ ناضرٍ غيرِ شاحبِ
وكي لا يقولَ القائلون أثابَهُ
وعاقَبَهُ والقولُ جَمَّ المَشاعِبِ
وصَوْني عن التهجين عُرفَك موجِبٌ
مَزيدَك لي في الرفد يا ابن المَرازِبِ
بوجهك أضحى كلُّ شيءٍ منوراً
وأبرزَ وجهاً ضاحكاً غيرَ قاطبِ
فلا تبتذلْهُ في المَغاضب ظالماً
فلم تؤتَ وجهاً مثله للمغاضبِ
نشرت على الدنيا شعاعاً أضاءها
وكانت ظلاماً مُدلهِمَّ الغياهبِ
كأنك تلقاءَ الخليقةِ كلّها
مشارقُ شمسٍ أشرقتْ لمغاربِ
لِيَهنِ فتىً أطراك أنْ نال سُؤْلَهُ
لديك وأنْ لم يحتقِب وِزْرَ كاذبِ
رضا اللّهِ في تلك الحقائب والغنى
جميعاً ألا فوزاً لتلك الحقائبِ
كأني أراني قائلاً إنْ أعانني
نداك على ريب الخطوب الروائبِ
جُزيتَ العلا من مستغاثٍ أجابني
جوابَ ضَحوكِ البرقِ داني الهيادبِ
وفي مُستماحي العرفِ بارقُ خُلَّبٍ
ولامعُ رقراقٍ ونارُ حُباحبِ
تسحّبتُ في شعري ولان لجلدتي
ثراه فما استخشنتُ مسَّ المسَاحبِ
وليس عجيباً أن ينوبَ تكرُّمٌ
غذيتُ به عن آمِلٍ لك غائبِ
أقمْهُ مُقامي ناطقاً بمدائحي
لديك وقد صدّرتها بالمنَاسبِ
ذماميَ تَرْعَى لا ذمامَ سفينة
وحَقِّيَ لا حقَّ القِلاصِ الذَّعالبِ
وفي الناس أيقاظٌ لكل كريمةٍ
كأنهمُ العِقبانُ فوقَ المَراقبِ
يُراعون أمثالي فيستنقذونهم
وهم في كروبٍ جمّةٍ وذَباذبِ
إلى اللَّه أشكو غُمّةً لا صباحُها
يُنير ولا تنجاب عني بجائب
نُشوبَ الشَّجا في الحلق لا هو سائغ
ولا هو ملفوظ كذا كلُّ ناشِب