لينا يعقوب: بل “تسعة أسعار”
لا عجب أن تنشط “تجارة دولار”.. الأمر لا يثير دهشة؛ فهو يحدث في دولٍ أخرى مثل ما هو ماثل في السودان منذ سنوات.
لكننا سنُصَدِّر للعالم اكتشافاً غريباً، بإمكانية قيام تجارة في “العملة المحلية”..!
بالنظر للمشهد العام، يبدو أن أزمة “شحّ السيولة” لن تُحل قريباً؛ فالمعالجات التي وُضِعت مجرد مسكنات لآلام عميقة، تشتدّ بعد زوال مفعول المُهدِئ.
هناك منتفعون من الأزمة، وهم ليسوا قِلة، يتوزعون على الصرافات التي تُغذَّى ببضعة آلاف من الجنيهات..
أولئك يُدخِلون بطاقات متعددة تخصهم وأسرهم وزملائهم وآخرين مجهولي الهوية، يؤجرون بطاقاتهم للحصول على مبالغ “معقولة”.
قبل أيام، كتب الكاتب جمال علي حسن عموداً عن وجود ثلاثة أسعار للدولار حالياً، “آلية صناع السوق” و”الكاش” و”الشيك في السوق الموازي”، فرد عليه رئيس تحرير اليوم التالي د.مزمل أبو القاسم أنها ليست ثلاثة إنما ستة، مضيفاً عليها “سعر الدولار خارج السودان” وسعر “حصائل الصادر” وسادس موجود في “الحساب البنكي”..
لكن في الحقيقة، أصبحت تسعة أسعار، فغير تلك المذكورة، هناك سعر “الدولار الجمركي 18 جنيهاً” وسعر الدواء “30 جنيهاً” وآخر يُسمَّى “التأمين الصحي”، وكان أول ظهوره في ولاية القضارف مع محصول “السمسم”، ويعني أنك تدفع جزءً من المبلغ “كاش” والآخر بـ”الشيك”.. وهو سعر “خلطة” بين الإثنين..!
مع هذه الأسعار التي وضعتها الحكومة وأسهمت في تعددها، يتضح أن لا معالجات حاسمة يمكن أن تحدث.
ورغم أن بواخر “بنزين وجازولين” فَرَّغت حمولتها، لكن منذ أمس الأول، انتظمت صفوف جديدة أمام محطات الوقود، لتعكس أن المعالجات باتت غير مطمئنة، لأننا نسمعها شفاهةً ولا نراها واقعاً.
ما يُزعج أيضاً، أن اجتماعاً عاليَ المستوى انعقد قبل أيام، ترأسه مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح “قوش” ووالي الخرطوم هاشم عثمان، بحضور معتمدي المحليات لبحث سياسات وإجراءات “تسد المنافذ” أمام تهريب الدقيق إلى خارج الولاية، ليصل الخبز إلى المواطن بسهولة.
في السابق كان نوع هذه المشاكل يُحل من مدراء إدارات في الأجهزة التنفيذية، لكن أن تصبح قضية يجتمع لها مدير الجهاز والوالي، فالأمر يُنذر بخطر!.
لأيٍّ منهما هموم ومشاغل أكبر، وتصعيد تلك المشاكل إلى جهات عُليا، يعني أن الإدارات أو الجهات الأقل “رُتبة” لا تؤدي واجبها، وبإمكان “مشكلة” صغيرة أن تتحول إلى أزمة كبيرة ويُعقد لها لقاء قمة.
تدنت الطموحات، فأصبحت الأماني لا تبتعد من خبز وبنزين بلا صفوف، وقليل من الأموال “نقداً” من البنوك..!
انتهى الحديث عن “الفساد” و”الغلاء” و”الاستثمار” و….إلخ
والآن عهد “التأمين الصحي” كما كشف لنا محصول السمسم..!