لماذا يكذب الرجال
الكذب من أسوأ الخِصال التي يمكن أن تكون في أي إنسان، فهو بسكل بسيط عدوم قول الحقيقة كاملة أو جزءاً منها. والكذب خُلُقٌ بغيض سواء كان من الرجل أو من المرأة، فلا يمكن أن يكون مقبولاً من أحد دون الآخر؛ أو يكون أقل سوءاً إذا صدر من جنسٍ دون الآخر. والكذب مرضٌ اجتماعي قاتل، فالعلاقة التي بدأ بالكذب؛ لا بد وأن تنتهي فور معرفة الحقيقة، لأن ما بُنِيَ على باطل فهو باطل، وأكثر العلاقات التي يكون الكذب فيها عاملاً قاتلاً؛ هو علاقة الرجل بفتاة سواء انتهت بالزواج وتم اكتشاف الكذب بعده؛ أو تم إنهاء العلاقة بسبب اكتشاف أحد الطرفين أن الآخر كان يكذب عليه.
لا يوجد شيء اسمه لماذا “يكذب الرجل”، فالكذب بكل أسبابه وأشكاله مشتركٌ بين الجنسين، فالسبب الذي يدعو الرجل للكذب هو نفسه الذي يدعو المرأة للكذب. ويمكن تجميع كل أسباب الكذب بكلمة واحدة وهي “الغاية”، فالرجل حين يكذب يكون عنده غاية يرغب في الوصول إليها، ولا يجد طريقاً مشروعة تُمكِّنه من بلوغ غايته كما يريد؛ فيلجأ إلى الكذب حتى يحصل على غايته. فمن كانت غايته أن يتزوج من فتاة مُعينة؛ وهو يعرف أن لديها صفات معينة في فتى أحلامها غير موجودة لديه، فبدلاً من أن يجعل نفسه كما تريد ويبدأ بتغيير صِفاته لتُماثل صفات فارس أحلامها؛ يقوم بالتصنُّع أمامها حتى يستميل قلبها إليه. من يريد التقدم في وظيفته قد يكذب حتى يحصل على ترقية بشكل سريع؛ بدلاً من أن يجدَّ ويجتهد في عمله ويُطوِّر من نفسه. المتزوِّج قد يكذب بأنه مشغول وعنده اجتماعات طويلة؛ كتى لا يذهب مع زوجته لزيارة أهلها. وسبب آخر للكذب يكون لتجنُّب العقاب، فعندما يرتكب الرجل فِعلاً يعرف أنه خاطىء ويكون أمرهُ قد انكشف؛ فيلجأ إلى الكذب حتى ينجو من العقاب، سواء عقاب قانوني إذا فعل شيئاً مخالفاً للقانون، مثل أن يقطع إشارة حمرا ويُمسك به رقيب السير، فيكذب عليه ويقول بأنه لم يرَ الإشارة الحمراء خوفاً من العقوبة التي تقع عليه. وإذا – لا سمح الله – خان زوجته واكتشفت أمره أنه كان مع امرأةٍ أخرى؛ فقد يكذب عليها حتى لا يخسرها.
الكذب أسرع وسيلة يعتمدها شخصٌ ضعيف للوصول إلى غاية لا يمكن له أن يصل إليها بنفس السرعة بالطرق التقليدية، وهو وسيلة للتخلُّص من تبعات أفعالٍ قام بها في وقت ضعف أو بسابق تعمُّد. وقد يكذب الرجل لأنه خائف، ففي مجتمعنا يتربَّى الرجال على القوة والسيطرة، فلو فقد الرجل سيطرته على شيء ما؛ فإنه يلجأ إلى الكذب حتى يُغطي على هذا الأمر، فلو قام أحدٌ بضربه؛ فإنه لن يقول بأنه ضُرب، بل إنها كانت مُشاجرة وأنه فعل في الطرف الآخر أضعاف ما أصابه. وهو في كلِّ احواله أمرٌ بغيض وخُلُقٌ مكروه، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا، وعليكم بالصدق فإن الصدق بر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا)، نهاية قاسية لمن اعتمد الكذب مذهباً له في أمور حياته، وإنه كلما زاد الكذب من شخص أصبح أمره سهلاً عليه حتى يصبح من العسير أن يقول الصدق، وفي ذلك قال أحد الحكماء (من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه).