قصة النبي لوط عليه السلام
قصة النبي لوط عليه السلام
نسب سيدنا لوط(ع) وأحواله:
هو سيدنا لوط بن هاران أخ إبراهيم(ع) لأبيه تارخ أي آزر بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن شالح بن أفخشذ بن سام بن نوح عليهم السلام.
ولد لوط(ع) في العراق في قرية من قرى الكوفة يقال لها “كوثار” أو “فدّان آرام” وأمه أخت أمّ إبراهيم(ع) وهي ابنة لاحج، وكان نبياً منذراً لم يرسل إلى أحد.
ولوط(ع) هو أخو سارة زوجة إبراهيم(ع) لأمّها.
وكان متحلياً بالتقوى والصبر على المحن وطاعة الله تعالى والشكر له على كل نعمة ودفع النقم، كما كان في غاية الكرم والإستمساك بالذمام وحفظ الجار والضيف، غنياً ذا ثروة من الذهب والفضة وصاحب إبلٍ وغنمٍ وبقرٍ كثير، وله عبيدٌ وإماءٌ كثرٌ.
عاش لوط(ع) في زمن إبراهيم(ع) وولديه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، ولما بُعث إبراهيم(ع) نبياً رسولاً آمن لوط(ع) بنبوَّته ودعا إليه وإلى شريعته، كما ذكر ذلك الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال عز من قائل في قصة إبراهيم(ع): {فآمن له لوط}.
ولمَّا اضطرّ إبراهيم(ع) إلى الخروج من وطنه العراق بسبب مضايقة الكافرين له، هاجر لوط(ع) معه كما ورد في القرآن الكريم: {وقال إني مهاجرٌ إلى ربي}.
وتبع لوط(ع) إبراهيم(ع) في رحلاته، وقد ورد ذكره(ع) في أربع عشرة سورة من سور القرآن الكريم هي على التوالي: سورة الأنعام، سورة الأعراف، سورة هود(ع)، سورة الجحر، سورة الأنبياء، سورة الحج، سورة الشعراء، سورة النمل، سورة العنكبوت، سورة الصافات، سورة ص، سورة ق، سورة القمر، وسورة التحريم.
إلى سدوم:
خرج لوط(ع) مع إبراهيم(ع) في رحلته من العراق إلى الشام وفلسطين، حيث استقرَّ لوط(ع) في سدون بالقرب من عاموراء، على شاطئ البحر الميت، في مايعرف اليوم بالأردن.
كان أهل سدوم قوماً بخلاء يستثقلون الضيف ويسعون للتخلص منه بشتى الوسائل، وكانوا يسمَّون “أهل المؤتفكة” لأنّهم كانوا أهل إفكٍ ولهوٍ ولغوٍ ودجلٍ وباطلٍ وفساد، لايستحيون من فعل القبيح، يأتون المنكرات بمحضر النساء والبنات كما وصفهم الله تعالى حيث وجّه الخطاب إليهم على لسان نبيِّه لوط(ع): {وتأتون في ناديكم المنكر}.
ليس هذا فحسب، بل كان أهل سدوم أهل ظلم وجور، حتى أن القاضي عندهم كان يحكم لهم على الغرباء، بحقٍ وبغير حق، حيث يُروى أن سارة زوجة إبراهيم(ع) بعثت إلى سدوم رسولاً من قبلها ليستطلع لها أخبار أخيها لوط(ع) ويأتيها بها. فلما وصل الرسول إلى تلك البلاد لقيه رجل من أهلها وضربه بحجر على رأسه، فسال دمه على وجهه وثيابه، ثم أن ذلك الرجل تعلَّق برسول سارة وأخذ يطالبه بأجر على فعلته تلك، بحجة أنَّ الدم الذي سال لو بقي لأضرَّ بجسم الرسول. وبعد مشاحنات ومجادلات دعاه رسول سارة إلى القضاء وهو لايعرف ماذا ستكون النتيجة…
وتوجها إلى قاضي سدوم فما كان منه إلا أن حكم على الرسول المضروب للرجل المعتدي… فعمد رسول سارة إلى حجر وضرب به راس القاضي فشجّه وأسال دمه وولى هارباً وهو يقول له: “ادفع إلى ضاربي هذا مايتوجب لي عليك لقاء ضري إياك”.
ومهما يكن من أمر صحة هذه الرواية وطرافتها سواء أكانت صحيحة أم مروية على سبيل التندّر والتهكم والمبالغة في التدليل على ظلم أهل سدوم، فإنها تبقى دليلاً على أن أهل تلك البلاد كانوا يتجاوزون الحدود في أعمالهم وتصرفاتهم.
ويحدثنا المؤرخون أن أهل سدوم كلهم باستثناء أهل بيت واحد هو بيت لوط(ع) كانوا يتضارطون في مجالسهم ونواديهم، ويجتمعون على نكاح الرجل الغريب، ويتوالون على ذلك حتى في محضر نسائهم وبناتهم، كما كانوا يخذفون الغرباء الذين يمرون في ديارهم بالحجارة، فأيهم أصابه حجر أخذوا ماله ونكحوه، وكان لهم قاضٍ يفتي لهم بذلك، بلاحشمة أو حياء، حتى أنهم قطعوا الطريق على المارة خشية هذه الفاحشة المنكرة.
لوط(ع) ينصح أهل سدوم:
رأى لوط(ع) عمل أهل تلك البلاد، فساءه ذلك منهم، خصوصاً وأنه كان يعيش بين ظهرانيهم وقد تزوج امرأة منهم، وحاول (ع) إصلاح حالهم، فدعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ونهاهم عن الفواحش والمحرمات والمنكرات التي كانوا يرتكبونها. وقد قصَّ القرآن الكريم قصّة تلك الدعوة فقال: {ولوطاً إذ قال لقومه: أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين؟ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء! بل أنتم قوم مسرفون}.
أما أهل سدوم فكانت ردة فعلهم على هذه الدعوة معاكسة، فراحوا ينهون لوطاً عن استقبال الضيوف ويهددونه بالإخراج من بلادهم إن هو أصر على دعوته وملاحظاته وتأنيبه لهم، ومازادتهم دعوته إلاّ إصراراً على منكرهم، واستمروا في كفرهم وفجورهم، كما حكى ذلك القرآن الكريم: {وماكان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}.
واستمر لوط(ع) في نصحة وإرشاده، فما كان منهم إلا أن اشترطوا عليه ألاَّ يضيف أحداً من الناس، وإلا طردوه من ديارهم، ولكنه(ع) راح يكرر دعوته لهم، رغم مضايقاتهم له، محاولاً ثنيهم وردعهم عن ارتكاب المحرمات والفواحش، ولكن برفقٍ ولينٍ هذه المرَّة قائلاً لهم: {أتأتون الذكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم؟ بل أنتم قوم عادون}!
ولكن الشيطان كان قد استحوذ عليهم وطمس على قلوبهم وأبصارهم وعقولهم، حتى أن لوطاً(ع) كاد ييأس من إصلاح حالهم وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، وراح يتطير بالضيوف ويتحاشى استقبالهم، خشية معرفة هؤلاء القوم بهم وسعيهم لارتكاب الفاحشة فيهم.
فقد حدث أن بعث الله الملائكة الذين أمرهم بإنزال العقوبة بأهل سدوم، بعثهم ضيوفاً على لوط(ع) ولوط لايعرف مَنْ هم ولاماذا يريدون، فاستاء من حضورهم وارتبك كما قال تعالى: {ولما جاءت رسلنا لوطاً سئ بهم، وضاف بهم ذرعاً، وقال هذا يوم عصيب} وبات لايدري ماذا يفعل حتى يصرفهم، قبل أ، يعلم أهل سدوم بقدومهم.
زوجة لوط(ع) لاتحفظ سره:
ورد الملائكة(ع) على لوط عليه السلام وهو في أرض له يسقي زرعها، ويعمل فيها، وهو لايعرفهم، فطلبوا منه أن يضيفهم عنده فاستحيا ألا يجيبهم إلى طلبهم، رغم ما كان يخشاه عليهم من أهل سدوم، فانطلق أمامهم وراح يلمح لهم في كلامه عن فعل أهل تلك البلاد وسوء تصرفهم، علَّ الضيوف يعلمون فيغيرون رأيهم وينطلقون إلى قرية أخرى يستضيفون أهلها، ولكن الملائكة كانوا يعلمون كل شئٍ عن أفعال أهل سدوم. وكانوا على يقين أنه لن يصيبهم منهم أذى ولا حتى لوط(ع)..
وعرف الملائكة الضيوف مقصد لوط(ع)، ولكنهم قالوا له: نحن أبناء سبيل، أفلا تضيفنا هذه الليلة عندك؟.
قال لوط(ع): إن أهل هذه القرية قوم سوء يأتون المنكر، فهم ينكحون الرجال ويأخذون أموالهم..
فقال الملائكة: لقد تأخرنا فأضفنا الليلة فقط.. وظل يحادثهم في الحقل حتى أرخى الليل سدوله، وهو يقصد أن يذهب بهم إلى بيته دون أن يشعر أهل سدوم بهم.
ثم إن لوطاً(ع) انطلق أمامهم إلى منزله، وأخبر زوجته واهله بأمرهم، قائلاً لها: إنه قد أتانا أضياف هذه الليلة فاكتمي أمرهم ولاتعلمي أهلك بهم، ولكِ عليَّ أن أسامحك بكل مابدرَ منك تجاهي من أذى إلى اليوم.. فقالت: أفعل.