في الحالة البسطامية (1+2)
السر سيد أحمد
هموم نفطية
عندما يلتقي مصدرو النفط من داخل وخارج أوبك يوم غد الخميس في فيينا فأن تركيزهم والعالم معهم سيكون على قضيتين: الى أي مدى يمكن للقرارات التي ستتخذ تحديدا فيما يخص خفض الانتاج أن تسهم في وقف تدهور أسعار النفط وأهم من ذلك الآلية التي ستنفذ هذه القرارات.
فخلال الاعوام الاربعة المنصرمة شهدت السوق النفطية تقلبات حادة بدأت بتدفق كبير للأمدادات مما دفع الى قيام تحالف بين المنتجين داخل وخارج أوبك مطلع العام الماضي ضم 28 دولة وقادته السعودية وروسيا وتبني برنامجا لخفض الانتاج بحوالي 1.8 مليون برميل يوميا خطط له أن يستمر حتى نهاية هذا العام، وهو ما أسهم في وقف تدهور الاسعار أولا وعودتها الى الارتفاع ثانيا. لكن في منتصف هذا العام ومع التلويح بحظر الصادرات النفطية الايرانية والمتاعب التي تعاني منها بعض الدول المنتجة للنفط مثل فنزويلا وليبيا ونيجيريا بدأت الاسعار في الارتفاع متجاوزة عتبة 80 دولارا للبرميل خوفا من حدوث شح في الامدادات، الامر الذي دفع بالرئيس الامريكي دونالد ترمب الى الطلب علانية من أوبك والسعودية تحديدا العمل على خفض الاسعار. وكان أن تقرر تعديل برنامج خفض الانتاج الى رفعه، لكن لم تمرخمسة أشهر على بدء تطبيق ذلك القرار حتى بدأ الحديث عن خفض جديد للأنتاج وهو ما سيطرح على أجتماع الغد. أحد الآسباب وراء ضعف الاسعار الانتاج العالي والقياسي لكل من السعودية وروسيا وأمريكا الذي يغطي نحو ثلث الطلب العالمي الذي وصل الى 100 مليون برميل يوميا. واللافت للنظر القوة التي عادت بها الولايات المتحدة الى السوق النفطية منتجة ومصدرة بعد أن بلغ أنتاجها 11.7 مليون برميل يوميا مزيحة بذلك روسيا من مرتبة أكثر الدول انتاجا نفطيا في العالم، والفضل في ذلك يعود الى تقنية التكسير الهيدرولوجي التي يتم استخدامها بفعالية خاصة في حقل بيرميان الضخم في تكساس، التي أصبحت الكابوس الجديد الذي يقض مضاجع أوبك، بل ان التقديرات تشير الى أمكانية أن يبلغ الانتاج الامريكي من النفط والسوائل المختلفة العام المقبل 17.4 مليون برميل يوميا، الامر الذي يؤهلها لأستيراد أقل كمية من النفط الاجنبي منذ 70 عاما وبكل ما يعنيه هذا التطور من أحتمالات تحولات استراتيجية في علاقات الولايات المتحدة بالمنطقة الخليجية تحديدا.
أهمية هذا التطور انه يسلط الضوء على الآلية العاملة على ضبط معادلة العرض والطلب. فعلى مدى عقود من الزمان ظلت أوبك تقوم بهذا الدور، لكن نمو الامدادات من خارجها دفع الى التعاون مع روسيا وقيام تحالف الدول الثمانية والعشرين حتى بدأ الحديث عن تطوير هذه الصيغة لتحل تدريجيا مكان أوبك في أدارة السوق، لكن وزير النفط الروسي الاسكندر نوفاك قبر الفكرة مؤخرا محبذا الاكتفاء بمعالجة وقتية لحالة السوق الراهنة بتمديد أتفاق خفض الانتاج فقط. وهذا ما يشير الى عقبتين تواجهان قضية أدارة السوق أولهما يتمثل في صعوبة قيام 28 دولة بالاتفاق على خطوات محددة مثل أتخاذ قرار بأزالة 1.4 مليون برميل من السوق لتجنب بروز تخمة نفطية كما يرى الخبراء، وتنفيذ هذا القرار بالانضباط والسرعة المطلوبة أتساقا مع الايقاع الذي تتحرك فيه السوق في جانبي الامدادات والسعر. أما ثانيتهما وهي الاهم فتتمثل في بروز الولايات المتحدة منتجا رئيسيا ومصدرا وهي تتبنى موقفا أيدولوجيا مناوئا لأي تدخل في السوق، وبالتالي يبدو من الصعب الاتفاق على ألية فعالة لضبط السوق في غياب واشنطون. وكل هذا يعيد الكرة الى الملعب السعودي واذا كانت مستعدة للقيام بدور المنتج المرجح Swing Producer الذي يرتفع بأنتاجه ويخفضه حسب حالة السوق، وهو دور مكلف سياسيا وماليا، تحملته الرياض في ثمانينات القرن على مضض، وهو ما أسهم في الاطاحة بوزير نفطها الاشهر أحمد زكي يماني ولن تعود اليه الا في أطار ضيق .
ما ستؤول اليه أوضاع السوق وأنعكاسات ذلك على أسعار النفط يهم الخرطوم التي حسبت ان الانتعاش السعري الذي شهده مطلع هذا العام مرشح للأستمرار ومن ثم تحسين فرص أغراء الشركات الاجنبية للعودة والدخول الى صناعة النفط السودانية مجددا.
خلال الاسابيع القليلة المنصرمة بذل وزير البترول والمعادن أزهري عبدالله جهدا مقدرا في الترويج للفرص الاستثمارية النفطية في السودان. وعلى غير المعهود في الحالة السودانية كانت جهوده تلك موفقة في أستخدام المنابر المناسبة مثل مؤتمر الاسبوع النفطي في جنوب أفريقيا وأخر في أبوظبي وبعض المنصات الاعلامية مثل صحيفة الفايناشيال تايمز ووكالة رويترز وشبكة سي.أن.بي.سي التلفزيونية وغيرها، وهي المصادر التي يلجأ اليها المهتمون بالقضايا النفطية عادة، بل ولقيت مقابلاته أعادة انتاج وتدوير في مواقع نفطية متخصصة مثل أويل برايس.
خلال خطاباته ولقاءاته تمكن الوزير ومن خلال لغة أنجليزية مفهومة ومتداولة في أروقة الصناعة النفطية من عرض مشروعات محددة على رأسها طرح ما قد يصل الى 30 مربعا نفطيا على الشركات الراغبة في الربع الثالث من العام المقبل، وكذلك التسويق لمصفاة بورتسودان بطاقة 200 ألف برميل يوميا ورفع الانتاج المحلي من 75 ألف برميل يوميا حاليا الى ما بين 100 الف الى 110 ألف برميل يوميا في العام 2021، وهو ما يكفي نظريا لمقابلة الاستهلاك المحلي رغم أن للشركات العاملة نصيب في هذا الانتاج. وللدقة فأن الوزير أشار الى عاملين لدفع الشركات الاجنبية للقدوم الى السودان: تحسن الاسعار وأهم من ذلك الرفع المتوقع لأسم السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب. وربما لهذا السبب تحددت فترة الربع الثالث من العام المقبل لطرح المربعات النفطية للمنافسة على أفتراض أستكمال العملية وتطبيع العلاقات مع واشنطون بصورة كاملة حتى منتصف العام المقبل، لكن هذا الاحتمال يستبطن "أذا كبيرة" أو كما يقول الفرنجة Very Big If
(يتبع غدا)