صلح الحديبية
مرّ رسولنا الكريم محمد – صلّى الله عليه وسلم- خلال فترة دعوته وقبلها أيضاً بالعديد من الأحداث العظيمة التي شكلت لنا نبراساً نهتدي به إن ضللنا الطريق، فقد تعرّض الرسول الأعظم لكافة أنواع المواقف، وسجّلت لنا كتب التاريخ طريقة تعامله الحكيمة معها، والتي كانت مليئة بأسمى معاني النبوّة التي لا تُعطى إلا للمصطفين الأخيار.
عندما أسّس الرسول ومن معه من المؤمنين الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، تحوّلت حياة الدعوة الإسلامية، وانقلبت رأساً على عقب، فبعد أن كان المسلمون يدعون إلى أفكارهم الوليدة ضمن نظام مجتمعي معين، صارت لهم دولتهم، وتغيّرت ظروفهم وأحوالهم، وصاروا مضطرّين إلى اتباع أنواع جديدة من الأساليب لتجاوز ما يعترضهم من مشاق، وأوّل هذه المشاق ذلك العداء غير المبرر من كافة المشركين من مختلف القبائل العربية وعلى رأسها قريش، بل وحتى الدول العظمى آنذاك كدولة الروم.
صلح الحديبية
هو الصلح الّذي عقده رسول الله الأعظم مع كفار قريش في الحادي عشر (ذي القعدة) من العام السادس من الهجرة النبويّة الشريفة الموافق للشهر الثالث (مارس) من العام ستمئة وثمانية وعشرين من الميلاد.
في ذات الشهر من العام الهجري نفسه جهّز الرسول الأعظم نفسه وأعلن بين المسلمين في المدينة المنورة عزمه على القيام بمناسك العمرة المباركة في مكة المكرمة، فتجهّز المسلمون بشقيهم المهاجرين والأنصار للرحيل، وحزموا أمتعتهم ولم يأخذوا معهم سوى سلاح السفر فقط كونهم كانوا يريدون فقط أداء العمرة، ولم ينووا محاربة قريش أو أيّة قبيلة أخرى، وعلامة ذلك أنهم أيضاً لبسوا لباس الإحرام وتجهّزوا لها.
اقترب المسلمون وعلى رأسهم رسولنا الكريم من مكة المكرمة فوصلتهم أخبار مفادها أنّ قريش قد أعدت العدة وجهزت نفسها لمحاربتهم، عندها توقف الرسول ومن كان معه في منطقة الحديبية، وأرسلوا ذي النورين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى مكة المكرمة لإعلام أهل مكة بأن الرسول والمسلمين لم ينووا سوى الاعتمار لا أي شيء آخر. إلّا أنّ عثمان بن عفان رسول رسول الله احتُبس لدى قريش، ودبّ الخوف بين الرسول وصحابته الكرام على حياة هذا الصحابي الجليل، فبايع المسلمون الرسول بيعة الرضوان على أن لا يفرّوا أبداً من المواجهة، وكانت هذه البيعة بعد انتشار خبر مفاده مقتل عثمان بن عفان.
بدأت قريش ترسل أشخاصاً اختارتهم للتفاوض مع المسلمين، فأرسلتهم تباعاً إلى أن انتهى الأمر إلى سهيل بن عمرو الذي تعاقد الرسول معه على على صلح الحديبية، والذي كانت معظم شروطه لصالح قريش، فمن أبرز شروط هذا الصلح أن يرجع المسلمون إلى المدينة المنورة دون اعتمار، على أن يعودوا في العام القادم، وأن يرجع المسلمون كلّ من يأتيهم مسلماً إلى قريش، وأن لا ترجع قريش كلّ من يأتيها إلى المدينة والمسلمين، وأن تتوقف الحروب بين الطرفين لمدة عشرة أعوام، وأنه يحق للقبائل العربية التحالف مع أي من الطرفين مع عدم الاعتداء على أي طرف منهما.