شهادة الزور
لزُّور في اللغة هو وصفُ الشيء على خِلاف حقيقته، واصطلاحاً هو تعمُّد النكث باليمين المحلَّف وذلك لتزوير الحقائق، ويكون منطوقاً أو مكتوباً، والهدف منها التضليل للسلطة القضائية؛ وحرف مسار قضية ما عن مسارها الصحيح. وهي تُعدُّ من أنواع الكذب؛ والكذب كله مذموم وأكبر الذمِّ يقع على شهادة الزور لِما لها من أضرار جسيمة عللا المُجتمع والناس، حتى أنه في بعض الدول مثل الولايات المتحدّة؛ تم تصنيف شهادة الزور على أنها جناية تستوجب الحبس لدة قد تصل إلى خمس سنوات. وقد ذهبَ بعض الفقهاء في تعريف شهادة الزور على أنها شهادة على أمرٍ لم يحصل أمام الشخص حتى وإن كانت شهادته مُطابقةً للواقع، فمثلاً يشهد بأمرٍ حصل فعلاً ولكنه لم يكن موجوداً وقت حدوثه، قد يكون سمعه من عدة مصادر حتى تبيَّن حقيقته فشهِد بها، أو كان واثِقاً بأحدٍ فشهد بكلامه، هذا يُعتبر من شهادة الزور لأنه لم يشهّد الواقعة ولكنه قال ما سمع.
وتبدو خطورة هذا الموضوع واضحة في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فقد ذُكِرت شهادة الزور في القرآن الكريم في أكثر من موضع للدلالة على خطورتها، ومنها قول الحقِّ سبحانه وتعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)، في هذه الآية الكريمة قَرَن الخالق عزَّ وجل عبادة الأوثان بقول الزور، وطلب من المؤمنين أن يجتنبوهم لِما لهم من التأثير عليهم وعلى عقيدتهم. وفي آية أخرى يقول الحقُّ سبحانه (والذين لا يشهدون الـزور)، وذلك تكريماً للمؤمنين حيث أن هذا الفِعل شائن ويُخرجُ المرء من دائرة الإيمان، وكذلك في قوله تعالى (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) شهادة الزور أمرٌ منكر ليس من أفعال المؤمنين. وشهادة الزور فيها من المفسدة ما جعلها تُعدُّ من الكبائر وذلك في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور ” قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)، ظلَّ عليه الصلاة والسلام يردِّدُها على مسامع أصحابه حتى تمنُّوا لو يسكت، وما كان هذا إلا لخطورة شهادة الزور وضررها الجسيم. وفي حديثٍ آخر قال عليه الصلاة والسلام (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، أي من كان يشهد الزور فليس له حاجة أو يصوم فالله لن يقبل من عبادته لفعلته تلك.
والزُّور ليس شرطاً أن يكون في المحاكم وأمام القضاء، فالتقرير الملفَّق الذي يرفعه موظفٌ بزميله وهو على عِلمٍ ودراية بأن ما فيه هو محض افتراء؛ فهذا صورة من صور شهادة الزور، عدم قول الحق هو من شهادة الزور التي تحجب الحقيقة في وقت الحاجة إليها، محاولة تخريب عمل أي شخص أو تدمير جهود شخص أو أن تنسب لنفسك فعلاً أو قولاً كان لسواك، هذا كله من قول الزور، فهو إخفاء للحقيقة ولا أرى غرضاً منه سوى إلحاق الضرر بطرفٍ ليس له ذنب ولم يرتكب أية خطأ.
شهادة الزور أصبحت في زمننا الحاضر نوعاً من المِهَن، حتى أنك لترى بعض الناس أمام المحاكم مستعدون للشهادة مقابل دراهم معدودة، هؤلاء أُناسٌ فقدو حِسَّهم وانتهت من قلوبهم مخافة الله، فهم بتلك الفِعلة الشنعاء يقلبن الحقَّ باطِلاً والباطل حقاً، يُغيِّرون مجرى القضاء وإصدار الأحكام الصحيحة على المُعتدين، فيُصبِحُ الجاني الضحية، ويذهبُ حقُّ المجني عليه أدراج الرِّياح.