سمك الباسا الفيتنامي
محتويات المقال
سمك الباسا
تعدّ الأسماك بأنواعها المختلفة أحد أهمّ وأشهر الوجبات في العالم، ومن مصادر الثروة الحيوانيّة التي تعمل على تحريك وتنشيط الصيد والتجارة وحركة الاستيراد والتصدير، وتوجد أنواع معيّنة من السمك لا تعيش إلّا في مناطق معيّنة، ومن الأسماك التي أثيرت حولها ضجّة كبيرة على نحوٍ خاصّ حديثاً سمك الباسا، وهذا السمك هو نوعٌ من سمك السِّلَّور الذي يتمّ استيراده من فيتنام بعد تقطيعه وتعبئته على شكل فيليه، وهناك الكثير من الآراء والخلافات المُتعلِّقة به ومدى صلاحيته كغذاء، وذلك لما أشيع عنه بتسببه بالإصابة بمرض السرطان، وبسبب تربيته في مياه نهر ميكونغ المعروف بارتفاع نسبة التلوُّث فيه، إذ إنّه يتغذّى على البكتيريا الضارّة.[١]
الخصائص الأحيائيَّة
يُصنَّف سمك الباسا ضمن فصيلة السلوريَّات، وهي مجموعة تشمل فئةً واسعةً من الأسماك التي تشيع تسميتها بـ”السلور” أو “القرموط”، وتعتبر السلوريّات من أكبر مجموعات الأسماك، إذ تشمل أكثر من 3,000 نوعٍ مُختلف.[٢] يمتاز سمك الباسا بجسدٍ طويل ونحيلٍ بعض الشيء، وله رأس دائريّ الشكل وصغير الحجم، أمّا أسنانه فهي كبيرة وعريضة في الفك السفليّ ويُمكن رؤيتها من الخارج عندما يغلق فمه، كما أنَّ لديه بطناً عريضة، وظهر هذه الأسماك رمادي اللَّون، أمّا بطنها وأسفل جسدها فأبيض فضيّ.[٣]
بصُورة عامَّة، ينتشر سمك الباسا في منطقة جنوب شرق آسيا، بدول كمبوديا، ولاوس، وتايلند، وفيتنام، وهو يتكاثر في أوقاتٍ مُعيَّنة من العام، حيث يضع بيوضه في المياه المفتوحة ويُلقِّحها خارجيّاً، ويبدأ الصِّغار بالتفقيس في شهر يونيو، حيث يبلغ طولهم 5 سنتيمراتٍ خلال بضعة أيّام، حيث تترك الأسماك البالغة بيضها قُرب مصبّ نهر ميكونغ، ويكون على الصغار السِّباحة بعكس التيار والتغذّي على النباتات حتّى تكبر، لكن عندما يتراجع منسوب المياه في نهاية موسم الأمطار، تُضطرُّ أسماك الباسا اليافعة إلى الهجرة إلى أعلى النهر للاستقرار في برك المياه الصَّغيرة.[٤]
تعيش هذه الأسماك في الأنهار مُتوسِّطة أو كبيرة الحجم بمُختلف أنحاء فيتنام تتراوح درجة حرارتها من 18 إلى 40 درجة مئويَّة، ويُمكن أن تنمو حتّى يبلغ وزنها 44 كيلوغراماً،[٥] إلّا أنَّ مُعظم الأنواع الرائجة تجارياً لا تبلغ سوى كيلوغراماً إلى كيلوغرامٍ ونصف، وهي تُربَّى حتّى تبلغ سن 10 إلى 13 شهراً.[٣] يَصل سمك الباسا إلى الأسواق بُطُرقٍ عدَّة، فمن المُمكن أن يُربَّى عن عمدٍ في مزارع أسماك مُجهَّزة تجهيزاً خاصاً، حيث يُوضَع في شباك كبيرة داخل الأنهار تسمح له بالاحتكاك مع بيئته المائية الطبيعيَّة، كما يُمكن أن يصطاد مباشرةً من البرية، ويُعتبر الباسا نوعاً قارتاً، فهو يتغذَّى على لحم الأسماك الأخرى أحياناً، لكنَّه يعتمد أيضاً على النباتات المائيَّة وثمار الفاكهة والقشريَّات والرخويَّات كمصدرٍ للطعام.[٥]
المزايا الغذائيَّة لسمك الباسا
يُمكن لسمك الباسا أن يكون غذاءً صحياً جيِّداً، فهو يمتاز بانخفاضسعراته الحراريَّة الكبير، إذ يحتوي كلُّ 100 غرام من فيليه الباسا على 90 سُعرة حراريَّة فحسب، وهو ما يُعادل 4.5% من الحصَّة المَنصوح بها يومياً للإنسان البالغ من السُّعرات، ولذلك فقد يكون خياراً مناسباً لمن يتَّبع حمية غذائيَّة، رُغم ذلك يحتوي الباسا على نسبةٍ لا بأس بها من الدهون مقارنةً بسُعراته، إذ إنَّ 4% من وزنه يعود إلى الدهون، إلّا أنَّ مُعظمها من الدهون غير المُشبعةالمناسبة للصحَّة والتي تساعد على امتصاص الفيتامينات، كما أنَّ 2.6 إلى 6.7% من محتوى الدهون في هذا السمك يعود إلى أحماض أوميغا3، التي تُؤدِّي دوراً جوهريّاً في صحَّة الدماغ والجسم. فضلاً عن ذلك، يحتوي هذا السَّمك على مقدارٍ معتبرٍ من البروتينيبلغ حوالي 14%، إلا أنَّه -من جهةٍ أخرى- يحتوي نسبة مرتفعة قليلاً من الكولسترول، وشيئاً من الصُّوديوم.[٦]
الآثار الضارَّة لسمك الباسا
ثمَّة عددٌ من القضايا المُثارة حولة بيئة تربية سمك الباسا التي تثير قلق مُنظَّمات الصحَّة، من أهمِّها تغيير البيئة الطبيعيَّة للأسماك، وتلوُّثها الغذائيّ والعضويّ، وطريقة تفاعلها مع الحياة البرية من حولها، ومدى فاعليَّة تطبيق قوانين إنتاج السَّمك عليها. يُعتبر الباسا سمكاً قارتاً، ولذلك فهو لا يحتاج إلا افتراس الكثير من الكائنات من البيئة التي ينشأ فيها عند حصوله على غذائه، ممَّا يجعله أقلَّ عُرضةً بقليل للتأثر بالتلوّث البيئيّ من حوله.[٥]
اكتسب سمك الباسا شعبيَّة كبيرة في سوق فيليه الأسماك بسبب مذاقه الجيِّد والنَّظيف أو الرقيق مقارنةً بأنواع الأسماك الأخرى المُنتشرة في السوق، ولحمه الأبيض المُتقشِّر، وسعره المنخفض، لكنَّ هذا الانتشار السَّريع يُثير قلق عددٍ من الجهات. من الحُجج الرَّائجة ضد سمك الباسا أنَّه يعيش ويترعرع في مياه نهر ميكونغ، التي يُقَال إنَّها مُعرَّضة لمقدارٍ عالٍ من التلوث بسبب المُخلَّفات الصناعية والكيميائيَّة التي تُلقيها فيه المصانع المُحيطة به. تزعم بعض الجهات أن تناول سمك الباسا قد يُسبِّب مُشكلاتٍ صحيَّة خطيرة، مثل التسمُّم بالزئبق، وأنَّه مُلوَّث بكميَّات من المعادن الثقيلة والمضادات الحيويَّة السامَّة. اكتُشفت بالفعل في سمك الباسا وحسب الأبحاث نسبٌ من 14 مُركَّب كيميائي ذي خواصٍّ سُميَّة، لكن بنسبٍ صغيرة جداً. من النقاط المُثارة حول سمك الباسا أيضاً نوعية الغذاء التي يتلقَّاها، حيث من المُحتمل أن يكون يخضع لغذاءٍ يتكوَّن من أشياء مثل العظام وبقايا الأسماك الميِّتة، وذلك للتسريع من نموِّه بأقل تكلفة.[٧]
من جهةٍ أخرى، لا تُشير جميع الآراء في هذا الاتجاه. فقد أظهرت بحوث عُلماء من الحكومة الأسترالية يعملون في هيئة نهر ميكونغ على مدى الـ15 عاماً المُنصرمة أنَّ مياه النهر نظيفةٌ وصالحةٌ تماماً، وأنَّ نهر ميكونغ لا يخضع لأيِّ مقدارٍ مُقلقٍ جدياً من التلوث، وذلك بسبب تدفُّقه السريع والكبير من جهة أولى، وقلَّة المنشآت الصناعيَّة المُحيطة به من جهة ثانية. في الواقع يعتقد بعض الباحثين الأستراليِّين أنه قد يكون واحداً من أنظف الأنهار كبيرة الحجم في العالم. وأما القلق حيال السِّعر المُنخفض لهذا النوع من السَّمك، فإنَّه يعود بصُورة أساسيَّة إلى السُّرعة الكبيرة التي يكتمل فيها نموُّ سمك الباسا، وإلى انخفاض تكلفة رعايته وإنتاجه في دولة فيتنام بسبب انخفاض المستوى المعيشيّ. بشكلٍ عام، لم تُسفِر تحقيقات الحكومة الأسترالية حيال سمك الباسا عن أيِّ مخاطر صحيَّة حقيقيَّة تنطوي على استهلاكه.[٨]
المنافسة في تجارة الأسماك
أصبح سمك الباسا مُنذ بداية القرن الحالي سبباً رئيسياً في مُناقسة منتجي السمك الفيتناميِّين لأصحاب المزارع المحليَّة في العديد من الدول، ومن أهمِّها الولايات المتحدة، حيث بلغت نسبة الأسماك المستوردة في السوق الأمريكيَّة (ومن أهمِّها الباسا) حوالي 90% في سنة 2009.[٩] بشكلٍ عام، تعتمد تجارة السمك الفيتناميَّة في جوهرها على إنتاج نوعين من الأسماك، هُمَا الباسا والترا، وهما -عند تجهيزهما وتعبئتهما- شبيهان جداً بسمك السلور الرائج في الولايات المتحدة، إلّا أنَّهما أعرض قليلاً وأقل ثخانة من حيث المظهر.[١٠]
تدعم الحكومة الفيتنامية الشُّيوعية إنتاج أسماك الباسا بكميَّات كبيرة وتكلفة مُنخفضة كجُزءٍ من سياستها الاقتصادية، إلا أنَّ إغراقها المُفاجئ للأسواق الأمريكية قد أثار قلق حُكومة الولايات المتحدة بشدَّة، والتي اتَّهمت فيتنام في عام 2002 بالإغراق المُتعمَّد للسوق وتحطيم أسعار المُنتجات تحت المستوى العادل، ممَّا يُخالف الاتفاقيات التجارية المُبرَمة بين البلدين. بحسب الإحصائيات الرسميَّة، ارتفعت كميَّة السمك الفيتنامي التي تدخل موانئ الولايات المتحدة من 575,000 باوند في عام 1998، إلا أكثر من 20 ميلون باوند في عام 2001. أدَّت هذه التغيرات المُفاجئة في السوق إلا غضب تجار سمك السلور في أمريكا، والذين بدؤوا بالضَّغط على حُكومتهم لتقييد استيراد السمك الفيتنامي،[١٠] ممَّا دفع الحكومة الأمريكية إلا إصدار قرارٍ في عام 2002 يقضي بمنع كتابة عبارة “سمك السلور” على السمك الباسا الفيتنامي، ومُنذ ذلك الحين أصبح يُباع تحت لقي “سمك السوي” (بالإنكليزية: Swai). بسبب هذا القانون، لم يعد يُعامل سمك الباسا كنوعٍ من السلور في الولايات المتحدة، وبالتالي فقد أصبح يخضع لمعايير صحيَّة دقيقة جداً.[٩]