بحث عن تولد النجوم وتكونها
تولد النجوم من تجمعات غبارية وغازية فى الفضاء تسمى السديم. هذه التجمعات الغازية الهائلة التي لم تتشكل بعد هى مفرخة أو مولدة للنجوم و يطلق عليها أيضاً “الحضانات”, لأنها حضانات للنجوم الوليدة.
ويمكننا تعريف عملية ولادة النجوم بصيغة أخرى: وهي العملية التي يتكاثف بها أجزاء من الغيوم الجزيئية لتتحول إلى كرة من البلازما لتكون لاحقاً نجماً ضمن الفضاء. ويعتبر تطور النجوم أحد فروعالفيزياء الفلكية ويتضمن دراسة تشكل وولادة النجوم ودراسة الوسط بين النجمي interstellar medium والغيوم الجزيئية العملاقة كأسلاف لعملية تشكل وولادة النجوم ودراسة نجوم النمط المبكرearly type stars و وولادة الكواكب planet formation كنواتج مباشرة لولادة النجوم أيضاً. ونظريات تكون وولادة النجوم، بالإضافة لاعتبارات ولادة نجم وحيد، تقوم باعتبار ودراسة إحصائياتالنجوم الثنائية و دالة الكتلة الأولية initial mass function.
وهذه التجمعات الغازية تسمى بـ السحابات الجزيئية Molecular Clouds نظرا لوجود الهيدروجين فيها فى حالة جزيئية، من هذه السحب الجزيئية، سحابة الجبار الجزيئية التي تحتوي على حلقة بارنارد وسديم الجبار المشهور وأجزاء أخرى. و تتكون هذه التجمعات الهائلة من الغازات من الهيدروجين الجزيئي و بعض الغبار.السحب بها أيضا نسبة من غاز أول أكسيد الكربون الذي يمكن الكشف عنه بسهولة و العلاقة بين لمعان غاز أول أكسيد الكربون و كتلة الهيدروجين الجزيئي في هذه السحب يعتقد أنها ثابتة، أي أنه يمكننا حساب كتلة السحب من خلال معرفة قدر لمعان غاز أول أكسيد الكربون بها، لكن ذلك قد لا يكون صحيحا بعد اجراء الدراسات علي مجرات أخري. (وبالرصد المستمر سيتم التعرف على المكونات بالضبط عاجلًا أم آجلاً).
انكماش السحابة الجزيئية
تتجمع هذه الغازات والغبار تحت تأثير الجاذبية التى تشدها لبعضها البعض. وتنكمش هذه السحابة على بعضها البعض وتستمر في الانكماش وتزيد كثافتها إلى حد مخيف. وعند لحظة معينة ومع كتلة وكثافة معينة لهذه الغازات يبدأ (هذا الشىء الذى لا يطلق عليه لفظة نجم بعد) بالانهيار والضغط على نفسه تحت تأثير الجاذبية التى لا تفتأ تجذب كل الذرات إلى المركز. وهنا يحدث الحدث الفارق.
يبدأ تشكيل النجم بعدم استقرار جذبي داخل الغيمة الجزيئية سببه في أغلب الأحيان موجات الاهتزاز منsupernova (مستعر أعظم) أو اصطدام مجرتين. عندما تصل المنطقة إلى كثافة كافية من المادة لإرضاء معايير عدم استقرار جينز فإنه يبدأ بالانهيار تحت قوته الجذبية الخاصة عندما تنهار الغيمة تتشكل تكتلات فردية من الغبار الكثيف والغاز المعروف بكريات بوك وهي تحتوي بحدود 50 تكتل شمسي من المادة فبازدياد انهيار الكرية والكثافة، تتحول الطاقة التجاذبية إلى حرارة وترتفع درجة الحرارة. عندما تصل الغيمة تقريبا إلى الحالة المستقرة من موازنة الضغوط فالنجم المبكر يتشكل في المركز.
فترة الانكماش الجذبي تدوم تقريبا لمدة 10-15 مليون سنة. النجوم المبكرة لأقل من تكتلين شمسيين تدعوان نجوم مخطط الحرارة والزمن والتحول بينما ذوات الكتلة الأعظم هي نجوم HERBIG. هذه النجوم المولودة حديثاً تبعث طائرات من الغاز على طول محورها من الدوران، وينتج رقع صغيرة معروفة بـ”سحابة HERBIG –HARO”.
بدء الإندماج النووي وتكون النجم الأولي
تحت تأثير الضغط الشديد للداخل يحدث الاندماج النووى بين نوى ذرات الهيدروجين وينطلق أول شعاع للحرارة والضوء والضغط ليقاوموا الجاذبية و يسمى هذا النجم الوليد بـ”النجم الأولي” (Proto-Star).
وسرعان ما تزداد عملية الاندماج Fusion بين ذرات الهيدروجين مكونة غاز الهيليوم مع حرارة وضوء ناتجة من مخلفات التفاعل، وتتوجه الطاقة الناتجة من التفاعلات النووية نحو سطح النجم ليشع بنوره معلنا ولادة نجم جديد.
إتزان النجم الجديد
كما أسلفنا أن الإندماج داخل النجم يولد ضغطاً معاكساً لوزن مادة النجم (الجاذبية) و لكن هيهات, الجاذبية لا تهدأ ولا تكل ولا تمل من ضغط النجم للداخل . وعلى الجانب الآخر لا تهدأ طاقة النجم الداخلية الناتجة عن الاحتراق بالاندماج النووى لتضغط النجم إلى الخارج . و هنا فقط نوضح هاتان القوتان اللتان تسيطران على النجم منذ مولده وطيلة حياته و حتى موته بانفجاره أو بتحوله إلى قزم أبيض أو قزم بنى:
الجاذبية
و هي ميل الكتل والأجسام للتحرك والانجذاب نحو بعضها البعض كما في الجاذبية بين الأرض والشمس، أو بين الاجرام السماوية و بين بعضها .وهى القوة التى تمسك بالأشياء كى لا تطير بعيداً … هى التى تجعلك ملتصقاً بالارض و هى التى تجعل النجوم لا تشرد بعيداً عن تجمعات النجوم والمجرات . إنها قوة جاذبة تقرب دائما الأشياء من بعضها البعض وفى حالة النجم، هى التى تجمع جزيئاته قريبا من بعضها وتقربها من بعضها البعض . و قد عرفت الجاذبية بمفهومين .
أولاً مفهوم الجاذبية الكلاسيكية لـنيوتن . و ثانياً تعريف اينشتاين لها فى نظرية النسبية العامة.
التعريف الاول قانون الجاذبية العام لنيوتن : أن كل جسم يجذب جسما آخر في الكون بقوة محمولة على الخط الواصل بين المركزين وشدتها متناسبة طرديًا مع كتلتيهما وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما و وضع لها معادلة ناجحة جدا فى وصفها.
قانون الجذب العام لنيوتن
حيث. F هي القوة الناتجة عن الجاذبية. G ثابت الجذب االعام بين الكتل. m1 هي كتلة الجسيم الأول. m2 هي كتلة الجسيم الثاني. r هو البعد بين الجسيمين.
تعتبر قوة الجاذبية في الميكانيكا الكلاسيكية قوة مباشرة بعيدة المدى بمعنى أن هذه القوة تستطيع التأثير عن بعد بدون واسطة ويتم تأثيرها بشكل لحظي فأي تغير في موقع أحد الجسمين يرافقه تحول لحظي في الجاذبية بينه وبين الجسم الآخر.
و تولد الجاذبية حولها مجالا يسمى بمجال أو حقل الجاذبية، وهو الحقل المتجهي الذي يصف قوة الجاذبية التي سيتم تطبيقها على أي كائن في نقطة معينة في الفضاء .وهو الذى يجعل تأثير الشمس على الكواكب يصل إلى حد معين فى الفضاء لا تستطيع بعده أن تجذب شيئاً آخر. وإن كان سيتبقى ما يسمى بـ (المايكرو جرافيتى) Micro Gravity لأن تأثير الجاذبية يظل يضعف و يضعف ولكنه لا يختفى أبداً، فهى من أكثر القوى الكونية اتساعاً في المجال. جدير بالذكر أن القوى الكونية أربعة فقط و هم (الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والقوى النووية الضعيفة).
الجاذبية ليست أقواهم و لكنها تتمتع بأنها الأوسع مجالاً و تأثيراً فى الفضاء و تتمتع أيضا بأنها فى حالة زيادة مستمرة طالما زادت الكتلة بينما القوى الأخرى يلغى بعضها بعضاً (ولهذا سيكون هناك بعض المقالات عن هذا الاختلاف)
التعريف الثانى هو من خلال نظرية النسبية العامةGeneral Relativity لاينشتاين و تنص على أن وجود أي شكل من أشكال المادة أو الطاقة أو العزم يحدث انحناء في الزمكان وهو تعريف خاص بالنسبية يعتبر أن الفضاء المكانى والزمان هم خيوط من نسيج واحد ينحنى معا، وبسبب هذا الانحناء فإن المسارات التي تسلكها الأجسام يمكن أن تنحرف أو تغير اتجاهها ضمن الزمن. وهذا الانحراف يظهر لنا على أنه تسارع نحو الأجسام الكبيرة وعرفه نيوتن بأنه ثقالة أو جاذبية وعرفه اينشتاين على أنه انحناء للمكان والزمان الكونى نتيجة لوجود هذا الجسم به ونتيجة لهذا الانحناء تتجه الأجسام الأخرى إليه ككرة تقع فى بالوعة.
و كما هو موضح فان كل جسم يحنى الزمكان حوله ويجعل الأجسام الأخرى تتجه إليه ليتصقوا سويا. و هذه هى فكرة الجاذبية بكل بساطة.
قوى الاندماج النووى
Nuclear Fusion ممثلًا فى (القوة النووية القوية) .
الاندماج النووي عملية تتجمع فيها نواتان ذريتان لتكوين نواة واحدة أثقل. ويلعب اندماج الأنوية الخفيفة مثل البروتون وهو نواة ذرة الهيدروجين والديوترون نواة الهيدروجين الثقيل والتريتيوم وهو نواة التريتيوم دوراً هائلاً في العالم وفي الكون، حيث ينطلق خلال هذا الاندماج كمية هائلة من الطاقة تظهر على شكل حرارة وإشعاع كما يحدث في الشمس، فتمدنا بالحرارة والنور والحياة. فبدون هذا التفاعل ما وُجدت الشمس وما وُجدت النجوم، ولا حياة من دون تلك الطاقة المسماة طاقة الاندماج النووي. وتنتج تلك الطاقة الهائلة عن فقد في وزن النواة الناتجة عن الاندماج النووي، وهذا الفقد في الكتلة يتحول إلى طاقة طبقاً لمعادلة ألبرت أينشتاين التي توضح العلاقة بين الكتلة والطاقة.
الاندماج النووي في نجوم بحجم الشمس أو أصغر (تحويل الهيدروجين”بروتونات” الى هيليوم داخل الشمس).
يحدث تفاعل الاندماج النووي عندما تتداخل نواتان ذريتان. ولكي يتم هذا التداخل، لا بد من أن تتخطى النواتان التنافر الحاصل بين شحنتيهما الموجبتين (و تعرف الظاهرة بالـحاجز الكولومبي). إذا ما طبقنا قواعد الميكانيكا الكلاسيكية وحدها، سيكون احتمال الحصول على اندماج الأنوية منخفضا للغاية، بسبب الطاقة الحركية (الموافقة للهيجان الحراري) العالية جدا اللازمة لتخطي الحاجز المذكور. وفي المقابل، تقترح ميكانيكا الكم _وهو ما تؤكده التجربة_ أن الحاجز الكولومبي يمكن تخطيه أيضا بظاهرة النفق الكمومي، بطاقات أكثر انخفاضا.
وبالرغم من ذلك، فإن الطاقة اللازمة للاندماج تبقى مرتفعة جداً، وهو ما يقابله حرارة أكثر من عشرات أو ربما مئات الملايين من الدرجات المئوية حسب طبيعة الأنوية. وفي داخل الشمس على سبيل المثال، يجري تفاعل اندماج الهيدروجين المؤين عبر مراحل إلى تولد الهليوم، في ظل حرارة تقدر ب15 مليون درجة مئوية إلى 17 مليون درجة مئوية، ويحدث ذلك ضمن عدة تفاعلات مختلفة تنتج عنها حرارة الشمس.
و نختصر ببساطة، النجوم هى مفاعلات نووية عظيمة الحجم كل ما تفعله فى حياتها كى تعيش هو أن تدمج ذرات لتحولها لذرات أخرى أكبر ويتحول جزء من الكتلة المفقودة إلى طاقة تخرج على صورة إشعاع وحرارة وجسيمات . وقد أعطت النسبية الخاصة علاقة بين كتلة الجسم وطاقته (E = mc2). والكتلة هي كمية مصونة، أى لا تفنى و لا تستحدث من العدم كما هى الطاقة بالضبط.
و عندما تتساوى القوتان و يستقر النجم تحت تأثير القوى المسيطرة عليه ,يكون لدينا نجم وليد, ولد من كميات هائلة من الغبار والهيدروجين . و ينهض كالعنقاء من هذا الرماد ليحيل الكون فى مساحة حوله الى نور و أشعة.
النجم الذى يولد يصنف من “نجوم المتسلسلة الرئيسية”Main Sequence Star و الذى يصفه مخطط ال (اتش – أر) الذى يصف لمعان النجم مع درجة حرارته ونستطيع من خلاله التعرف على مصير النجم و حياته حتى موته.
مخطط H-R
ميلاد النجوم هذا هو حدث يومي كحدث فنائها والذى لا ينتهى دائما بعنف كما يتصور البعض، يحدث يوميا وفى كل مكان فى كوننا الفسيح، كوننا المكون من 125 مليار مجرة فى الكون المرئى فقط وكل منهم تحوى عدد من النجوم يسلوى فى المتوسط 200 مليار نجمة .
حجم النجم الوليد
لكل نجم فى بدايته حجم معين يعتمد اعتمادا كليا على كتلته ونوعية التفاعلات النووية بداخله.
هناك النجوم الصغيرة و التى تسمى بالأقزام الحمراء و هذه النجوم تظل تحترق لتريليونات من السنين حرقا بطيئا لمادتها الداخلية وهى أطول النجوم عمراً بلا منازع فمنذ أن خلق الكون وحتى هذه اللحظة لم يمت أى من هذه النجوم فعمر الكون 14 مليار عام تقريبا و تحتاج هذه النجوم إلى تريليونات السنين لتموت.
و النجوم متوسطة الحجم كالشمس وهى ذات الأعمار المتوسطة والتى تقدر بمليارات السنين “فقط” !. فيقدر عمر الشمس الحالى ب 5 مليارات عام وستظل على حالها هذا تحرق الهيدروجين وتحوله إلى هيليوم 5 مليارات عام أخرى و حتى يبدأ حرق الهيليوم بداخلها وتحويله إلى كربون وتنتفخ الشمس وتلتهم كوكب عطارد والزهرة والارض ويسخن مركزها بشدة وتتحول إلى ما يسمى بالعملاق الأحمر .
و النجوم العملاقة (من 3 إلى 8 مرات كتلة الشمس) المرشحة للانفجار كسوبرنوفا و تترك خلفها نجماً نيوترونياً او نجم نابض، وهذه النجوم عمرها قصير نسبياً ويقدر بملايين السنين لأنها تحرق وقودها بضراوة شديدة لكى تعادل قوى الجاذبية التى تريد سحق النجم إلى الداخل. وأخيرا ستنتصر الجاذبية عند أول بادرة من النجم لتكوين عنصر الحديد (قاتل النجوم) فتنكمش النجمة بسرعة ثم تنفجر انفجاراً عظيماً مطلقا مادتها فى الفضاء لتكوين سدم اخرى يولد منها المزيد من النجوم الاصغر فى الكتلة و على الارجح ستكون مجموعات شمسية كاملة.
و هناك النجوم الأكبر من هذا كله والمرشحة للانفجار بما يسمى الهايبر نوفا وتترك خلفها ثقباً أسوداً وهى تصنف كالنجوم السابقة بالضبط والفرق الوحيد هو كتلتها التى تزيد عن 50 كتلة شمسية
و هناك النجوم التى تنفجر وقت تكونها نظراً لوجود كميات رهيبة من المادة بداخلها فيكون انفجارها للخارج لحظياً وأقوى من قوى جاذبيتها.
و هناك أيضا النجوم الفاشلة والتى تسمى بالأقزام البنية وهى النجوم التى فشلت كليا فى تكوين أي اندماج نووى بداخلها, ولكنها كانت مرشحة لتصير نجمة إذا ما زادت كتلتها قليلًا (تشبه قليلا كوكب المشترى) …. و يعتبر المشترى بطريقة ما نجم فاشل لانه مكون من الهيدروجين و الهيليوم و لكن تنقصه الكتلة الحرجة التى يبدأ عندها النجم بتكوين أول اندماج نووى له، و بالتالى كنا سنراه على صورة شمس صغيرة تدور حول شمسنا الأم العملاقة.
وتختلف طريقة حياة النجم وطول عمره على حجمه وكتلته وبالتالي تختلف طريقة موته وفناؤه.
و هكذا قد رأينا، نجوم منها الكبير المتوحش ومنها الصغير ومنها المتوسط كشمسنا التى تبعد عنا مسافة 8 دقائق ضوئية(وهى أقرب النجوم إلينا) .الشمس التى وهبها الله لنا لتكون سبباً للحياة على كوكبنا الأزرق الجميل.
و قد يعتقد البعض أن النجوم البعيدة لا دخل لنا بها و لا دخل لها بنا. و لكن عند الرجوع بالزمن للخلف مليارات السنين, كانت ذرات أجسادنا وذرات النجوم موجودة فى بوتقة واحدة. و بانفجار النجوم تنتشر الذرات فى الكون …. و تبدأ الحياة التى أساسها الكربون و الماء (هيدروجين وأكسجين) . وكل هذا قد كون بداخل نجم من النجوم العملاقة. فالله خلق النجوم وجعلها سبباً فى تكوين الحياة.