بأي حق يُغلق الباب ؟؟
من رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة فيبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ،ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ؛بل هو أشد فرحاً بتوبة أحدنا من رجل فقد راحلته في فلاة وعليها طعامه وشرابه حتى إذا أيقن بالهلاك إذ بها بين يديه فقال من شدة الفرح :اللهم لك الحمد أنت عبدي وأنا ربك ،أخطأ من شدة الفرح .
والله سبحانه يحب التوابين ،ويتوب على عباده ليتوبوا .
فباب التوبة مفتوح لا يُغلق إلا أن تغرغر الروح أو تطلع الشمس من مغربها .
وهذا الباب مفتوح لكل أحد ؛كبر ذنبه أو صغر ،أحبه الناس أم أبغضوه أرادوا له الهداية أم أرادوا له الشقاء ؛قال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلم خلقه به :(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ).
ودعوة الناس إلى التوبة وترغيبهم فيها وظيفة ورثة الأنبياء من العلماء والدعاة والمصلحين .
والدعوة إلى التوبة برفق ولطف وحرص على توبة المدعو مما رغب فيه
رب العالمين وسار عليه أئمة الدين ؛تأمل قوله سبحانه لموسى وأخيه عندما أرسلهما لفرعون :(فقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى ).
ما أحلم الله وأرحمه وأكرمه ؛قولا ليناً لمن ؟
إنه لفرعون مُدعي الربوبية ومُذبّح الأبناء ومُستحيي النساء والمُفسد في الأرض بشهادة رب العالمين ؛ومن أصدق من الله قيلا ؟
قامت الثورات العربية فسقط الملوك وأعوانهم ،وتغيرت خرائط الكراسي ولم يلق أولئك الحكام وأعوانهم إلا السب والذم .
فإن كان من حق الشعوب أن لا ترضى بهم حكاماً نظير ظلمهم وبطشهم فإن من حق أولئك الحكام على الدعاة والكتاب ومن قبلهم العلماء دعوتهم إلى التوبة وترغيبهم فيها ؛فماذا ينفعك إن عذب الله عبداً من عباده ؟
فمن يوصل لهم نداء التوبة ؟
أم من يقول لهم قولاً لينا ً ؟ أهم أشقى من فرعون !
بأي حق يُغلق باب التوبة عنهم وعن غيرهم من المخطئين ؟
ألا يقول بعض الدعاة إلا ما يرضي الناس !وقد علموا كره الناس وبغضهم لأولئك الحكام .
إن نداء التوبة نداء عالمي من حق كل أذن أن تسمع هذا النداء ومن حق كل نفس أن يوجه لها هذا الخطاب .
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لابن عمه علي رضي الله عنه :لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم .
لماذا يحكم بعض الناس على غيرهم بالهلاك والعذاب وأرواحهم لم تزل في أجسادهم ؟
ألم يحبط الله عمل رجل أقسم أن لا يغفر الله لفلان ؟ فكان جواب الرب الرحيم ؛من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لعبدي قد غفرته له وأحبط عملك !
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها .
ولم يرسل الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين ؛قال تعالى :(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ). وكذلك أتباعه .
فرفقاً بالمذنبين ورفقاً بالمخطئين في دعوتهم ،وليس في الإقرار لهم على أخطائهم .
اللهم تب على من تاب واغفر ذنوب من أناب ،اللهم وفقاً للتوبة النصوح برحمتك وفضلك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين .والله أعلم.