المرارة ، مضاعفات تشمع المرارة الاولي
المرارة ، مضاعفات تشمع المرارة الاولي
المرارة، هو سائل يتم انتاجه في الكبد ومن ثم افرازه الى الامعاء الدقيقة، وهو عنصر اساسي جدا في عملية تحليل الدهون. بالاضافة الى ذلك، يلعب سائل المرارة دورا هاما بتحليل مركبات كريات الدم الحمراء ، افراز المواد السامة والكوليسترول من الجسم.
في حالة تشمع المرارة الاولي ، يحدث ضرر لمسالك المرارة في الكبد، الى درجة لا يعود فيها اي مجال لافراز سائل المرارة الى الجهاز الهضمي. في مثل هذه الحالة، من الممكن ان يحدث تراكم للمواد الضارة في الجسم عامة، وفي الكبد بشكل خاص، ومن الممكن ان يؤدي لتندب الكبد بصورة بالغة وغير قابلة للعلاج، بل ولتشمع الكبد (Liver cirrhosis).
ما زال العامل الاساسي المسبب لحالة تشمع المرارة موضوع نقاش بين الكثير من المختصين. وعلى ما يبدو، فان المرض ناتج عن عملية يقوم خلالها جهاز المناعة بمهاجمة خلايا الجسم السليمة (Autoimmune) عن طريق الخطا، الا ان لهذا المرض ايضا مؤثرات وراثية وبيئية.
هنالك انواع من الادوية القادرة على ابطاء تطور المرض. وكلما تم الكشف عن المرض ابكر، كان بالامكان علاجه بصورة انجع.
أعراض تشمع المرارة الاولي
في بعض الحالات، يحتاج الامر لسنوات عديدة الى ان تبدا بوادر واعراض المرض بالظهور، كما ان هنالك بعض الاشخاص الذين لا يعانون من ظهور اية اعراض او علامات اطلاقا، على الرغم من تشخيص اصابتهم بتشمع المرارة.
اما من يعانون من الاعراض في مراحل مبكرة، فانهم عادة ما يشتكون من:
التعب والضعف اللذين يميزان مرض تشمع المرارة، على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بين مستوى التعب الذي يشتكي منه المريض وبين حدة الاصابة بالمرض. هكذا، فانه من الممكن ان يشعر مريض ما، في مرحلة متقدمة من المرض، بقدر اقل من الضعف، مما يشعر به مريض اخر في المراحل المبكرة من المرض.
الحكة (Pruritis)، هي احدى الشكاوى المنتشرة بين مرضى تشمع المرارة، خاصة في منطقة الرجلين، اليدين، وفي الظهر. تتغير حدة الحكة خلال ساعات النهار، وعلى الاغلب تزداد خلال ساعات الليل. كما انه من الممكن ان تؤدي الحكة القوية للازعاج عند النوم ولزيادة التعب، وحتى الاكتئاب. ليس من الواضح تماما لماذا يتسبب تشمع المرارة بظهور الحكة.
الجفاف بالعينين والفم (Sicca syndrome) يميز الكثير من الامراض ذاتية المناعة (التضادية – Autoimmune)، وبضمنها تشمع المرارة. ينتج الجفاف عن تدمير خلايا الغدد المسؤولة عن ترطيب العينين والفم، مما يؤدي لانخفاض قدرتها على افراز سوائلها بشكل كاف.
مع تقدم المرض وازدياد الاضرار اللاحقة بمسالك المرارة، تبدا اعراض اخرى بالظهور:
اليرقان (الاصفرار – Jaundice): هو احد العلامات الفارقة التي تدل على الاصابة بامراض الكبد، وهو يظهر ايضا في المراحل المتقدمة من تشمع المرارة. يظهر اللون الاصفر على الجلد وفي المنطقة البيضاء من العين. يحدث هذا التغيير باللون نتيجة ارتفاع كبير بمستوى البيليروبين (Bilirubin)، وهي المادة الناتجة عن افراغ سائل الهيموجلوبين (الدم) من كريات الدم الحمراء المسنـة او المصابة. في الحالات العادية، تقوم المرارة بافراز البيليروبين الى خارج الجسم. لكن كلما تقدم المرض وكلما ازداد عدد قنوات المرارة المتضررة، تقل القدرة على افراز البيليروبين ويبدا بالتراكم في الجسم.
فرط التصبغ (Hyperpigmentation): ظهور البقع الداكنة على الجلد ، حيث تبدا هذه البقع بالظهور في مختلف انحاء الجسم دون علاقة بالتعرض لاشعة الشمس. يعود سبب ذلك الى ارتفاع مستويات الميلاتونين (Melatonin) (وهو الصباغ الطبيعي في الجسم)، بسبب تراجع وتيرة تدفق المرارة في الجسم.
انتفاخ بالقدمين (وذمات – Edema)، والذي يبدا بالتفاقم خلال ساعات النهار، ويصل الذروة في المساء. يظهر هذا الانتفاخ في المراحل الاولى، وبعده يظهر انتفاخ في منطقة البطن (الاستسقاء – Ascites). سبب هذه الانتفاخات هو انه كلما تزايد الضرر اللاحق بالكبد، كلما تراكمت في الجسم كميات اكبر من الاملاح، والماء في اعقابها، حيث يبدا الماء بالتجمع في اماكن مختلفة من الجسم.
اورام دهنية – كوليسترول- (Xanthomas): تظهر في اماكن متفرقة من الجسم. فالمرارة هامة جدا من اجل افراز الكوليسترول الى خارج الجسم، ولذلك، ومع انخفاض افراز سائل المرارة ترتفع مستويات الكوليسترول في الجسم.
تميل الرواسب الدهنية للتراكم، بحيث ان اكثر الاماكن عرضة لتراكمها هي منطقة العينين، طيات راحة اليدين والقدمين، الكوعين والركبتين. هذا العارض يعتبر نادرا نسبيا، نظرا لان رواسب الكوليسترول تبدا بالتراكم فقط عندما يكون مستوى الكوليسترول مرتفعا جدا.
سائل المرارة حيوي لتحليل وامتصاص الدهون من الاغذية، وهذه العملية لا تتم بشكل سليم لدى مرضى تشمع المرارة. عدم امتصاص الدهون يؤدي للاسهال ولبراز دهني (Steatorrhea) ذو رائحة كريهة.
أسباب وعوامل خطر تشمع المرارة الاولي
عند الاصابة بتشمع المرارة، يقوم جهاز المناعة، وخصوصا الخلايا الليمفاوية من نمط T بمهاجمة الخلايا التي تبني قنوات المرارة، وتستبدلها بنسيج ندبي (Scar tissue) يسد الطريق امام سائل المرارة داخل الكبد. ليس من الواضح ما الذي يتحكم بعمل خلايا جهاز المناعة ضد قنوات المرارة، لكنه على ما يبدو ذو اصول وراثية ويرتبط بتلوثات فيروسية وبكتيرية معينة.
من الناحية “الوبائية”، يظهر المرض في 90% من الحالات لدى النساء. غالبية هؤلاء النساء هن بجيل 35 – 60 عاما.
مضاعفات تشمع المرارة الاولي
المرحلة النهائية من مرض تشمع المرارة هي الاصابة بتشمع الكبد، والذي من الممكن ان يظهر بعد الاصابة الفعلية بعدة سنوات. يؤدي تشمع الكبد لفشل كبدي تام، ويشكل خطورة فورية على الحياة.
ارتفاع بضغط الدم في وريد الباب الكبدي (Portal vein): فالدم من الامعاء، الطحال، والبنكرياس، يصب في هذا الوريد. وعندما يسبب تشقق الانسجة في الكبد تضيق هذا الوريد، يرتفع الضغط فيه، ويتضرر وصول الدم الى الكبد. هذا الوضع يؤدي لاداء غير سليم للكبد، مما يضر بعملية تصفية الدم وتنقيته من المواد السامة، الهرمونات، وبقايا الادوية.
الدوالي (Varicose Veins): عندما يرتفع ضغط الدم في وريد الباب الكبدي، يعود الدم الى الخلف، ويزداد سريانه في وريد المريء والمعدة. هذه الاوردة لا تلائم عبور كميات كبيرة من الدم بضغط عال، مما يؤدي لانتفاخها وحتى تمزقها. قد يكون النزيف في المريء او المعدة، وضعا يشكل خطورة كبيرة على الحياة.
ازدياد احتمالات الاصابة بسرطان الكبد.
تخلخل العظام (Osteoporosis): هو احد المضاعفات المتاخرة لمرض تشمع المرارة، وينتج عن الحاق الضرر بقدرة الكبد على توزيع مخزون الكالسيوم في الجسم وبانتاج الفيتامينD.
انخفاض القدرة على امتصاص الدهون يؤدي لانخفاض بالقدرة على امتصاص الفيتامينات الذائبة بالدهنيات (K,E,A,D).
اضطرابات ذهنية، وخصوصا انخفاض القدرة على التركيز وتراجع الذاكرة.
لدى المصابين بتشمع المرارة، يظهر ازدياد بالاصابة بامراض اخرى مثل تصلب الجلد من نوع CREST، التهاب المفاصل الروماتيزمي، متلازمة رينو (Raynaud) واضطرابات بالغدة الدرقية.
تشخيص تشمع المرارة الاولي
في كثير من الحالات يتم تشخيص الاصابة بالمرض حتى قبل ظهور الاعراض، وذلك نظرا لان فحص دم عادي يكشف عن ارتفاع مستوى انزيمات كبدية معينة في الدم. بعد ذلك يتم اجراء فحوص الامواج فوق الصوتية (الاولتراساوند) للكبد من اجل التاكد من عدم وجود اسباب اخرى لارتفاع انزيمات الكبد. كذلك، يتسم هذا المرض بظهور مضادات ذاتية من نوع Anti – mitochondrial antibodies. اما التشخيص النهائي، فعادة ما يتم من خلال اخذ عينة من انسجة الكبد.
بالنسبة لاقارب المصاب بتشمع المرارة من الدرجة الاولى، يتم اجراء فحص المضادات الذاتية في مراحل مبكرة، وقبل ظهور ارتفاع مستويات انزيمات الكبد. بهذا الشكل، من الممكن فحص احتمالات ان يصاب هؤلاء بالمرض وحتى علاجهم بمرحلة مبكرة اذا اقتضى الامر.
علاج تشمع المرارة الاولي
نظرا لعدم وجود اي دواء قادر على شفاء هذا المرض، فان علاج تشمع المرارة الاولي يتمحور حول تاخير تفاقمه قدر الامكان، اضافة للتخفيف من اعراضه ومنع مضاعفاته.
علاج المرض:
حمض الارسوديول (Ursodeoxycholic acid) – هذا الدواء يساعد على تفريغ سائل المرارة من الكبد، وثبت انه يطيل العمر. يستخدم كعلاج في المراحل الاولى من الاصابة بالمرض، غير انه لا يبقى فعالا في المراحل المتقدمة. من اعراض استخدام هذا الدواء الجانبية: ازدياد الوزن، فقدان الشعر والاسهال.
اليوم، هنالك الكثير من الادوية التي تتم تجربتها مخبريا وسريريا (Clinical trials)، والتي من الممكن ان تكون علاجات مستقبلية. عندما يتفاقم المرض ويخرج عن السيطرة، تصبح هنالك حاجة لزرع كبد. صحيح ان زرع كبد جديد يخلق تحسنا ويطيل العمر، الا ان هذا لا يمنع امكانية ان يعاود تشمع المرارة اصابة الكبد الجديد المزروع.
علاج الاعراض:
هنالك الكثير من الادوية التي تعمل على تخفيض مستويات الكوليسترول، منها “كوليستريمين” (cholestyramine)، و”كوليستيفول” (Colestipol)، والـ”ريفامبين” (Rifampin). كذلك، فان استخدام ادوية من العائلة “الافيونية” من الممكن ان يساعد بعض المرضى على مواجهة الحكة الشديدة، كما ان الفترة الاخيرة تشهد تجارب سريرية متقدمة على بعض انواع الادوية التي تمنع الشعور بالتعب والضعف.
كذلك، هناك علاجات خاصة وظيفتها منع المضاعفات الناتجة عن ارتفاع ضغط الدم في وريد الباب الكبدي، تخلخل العظام، ونقص الفيتامينات الذائبة بالدهون.