الزي المدرسي.. جدل التصنيع والتغيير
استيقظت الأسر الأحد الماضي على القرار الذي أصدره وزير الصناعة والتجارة د.موسى محمد كرامة بتشكيل لجنة لإعداد تصور للزي المدرسي ووضع وتحديد مواصفات تلائم مناخ السودان وذلك بالاستفادة من الصناعة الوطنية وربطه بها.
ارتباك المشهد
الخبر أثار ارتباكا في أوساط الأسر السودانية لجهة أن مصدره وزير الصناعة والتجارة في شأن تربوي يخص التربية والتعليم، بيد أن كرامة بدد الارتباك بكشفه عن أن قرار تغيير الزي المدرسي جاء بالقرار الوزاري رقم (10) للعام 2018م بناءً على موجهات مجلس الوزراء لدى مناقشته تقرير صناعة الغزل والنسيج والملبوسات الجاهزة بالبلاد.
وطبقا للتقارير الإعلامية، فإن لجنة تغيير الزي يترأسها وزير الدولة أ.د.هاشم علي سالم، وعضوية كل من بروفيسور هجو الفاضل هارون رئيساً مناوباً، ود.عاصم عثمان محجوب عضواً، بجانب أعضاء ممثلين لوزارة التربية والهيئة السودانية للمواصفات، الجمارك السودانية، وغرفة النسيج (اتحاد الغرف الصناعية)، ورئيس غرفة الملبوسات الجاهزة (اتحاد الغرف الصناعية).
القرار حدد مهام اللجنة واختصاصاتها في وضع تصور متكامل عن مواصفات الزي المدرسي في البلاد بما يتناسب مع المناخ الوطني وربطه بالصناعة الوطنية للغزل والنسيج، إضافة لوضع خطة زمنية لتنفيذ المقترح على أن تستعين اللجنة من الخبرات بمن تراه مناسباً لإنجاز عملها، مشيراً إلى رفعها تقريرها الختامي في فترة لا تتجاوز الشهر من تاريخ صدور القرار.
ماذا قالت اللجنة؟
اللجنة بررت بالخطوة بأنها تأتي حرصاً على توفير الزي المدرسي بمواصفات جيدة تتناسب ومناخ السودان وحفاظاً على صحة التلاميذ وسعياً لإحلال الوارد من الزي المدرسي بالاستفادة من الصناعات الوطنية.
ويذهب رئيس اللجنة الوزير بمجلس الوزراء بروفسير هاشم علي سالم في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن اللجنة التي كونها وزير الصناعة والتجارة موسى كرامة ستعقد أول اجتماعاتها الأحد القادم، كاشفا عن أنها ستكون اجتماعات متواصلة وطويلة لجهة أنها تضم الجهات ذات الصلة بالموضوع، وأضاف: الزي المدرسي الذي يتم استيراده من الخارج لا يتناسب مطلقا مع جو السودان، مشيرا إلى أن لجنة الزي المدرسي ستضع في اعتبارها درجات الحرارة طقس السودان، قاطعا بأن تصنيع الزي في السودان سيكون في السودان ومن الخامات المحلية لضمان جودته.
المفاجأة كانت في كشف سالم عن أن اللجنة ليست معنية بتغيير الزي الحالي وإنما تصنيعه في السودان فقط.
تصنيع أم تغيير؟
على الرغم من الحديث الواضح لبروفيسور هاشم علي سالم، في تحديد أن الهدف من اللجنة تصنيع الزي المدرسي داخليا، إلا أن تناقل الخبر على أنه بمثابة تغيير للزي شكل هما للعديد من أولياء الأمور لجهة أن الوضع المعيشي يتزايد صعوبة في سبيل توفير وتجهيز وجبة الإفطار للتلاميذ، واستدعى كثيرون ورجعوا بذاكرتهم إلى تسعينيات القرن الماضي إبان تغيير الزي المدرسي للحالي الموصوف للعديد من الأسر بالمبرقع أو العسكري، حينها انقسم الشارع بين مؤيد ومعارض لجهة أنه الأمر يُعتبر تجييشا للطلاب وتعبئة في مراحل مبكرة من أعمارهم، وبرزت مطالبات سنوية من قبل أولياء الأمور بتغييره، إلا أنهم لم يحصلوا إلا على الوعود والتسويفات.
العام 2015م، كان استثناء وشهد قرارا حاسما بتغيير الزي المدرسي لتلاميذ المرحلتين الأساس والثانوية، وتم تغيير زيهم إلى اللون الرمادي، فيما كان زي تلاميذ الأساس الأخضر.
التربويون.. ماذا يقولون؟
الخبير التربوي حسين الخليفة الحسن، اعتبر في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن ثمة فوضى في الزي المدرسي لأن التلاميذ يرتدون نوعين من الزي، أولهما باللون الرمادي الذي تم تغييره مؤخرا، والثاني الزي (المبرقع)، مبررا تصميم الزي المدرسي المبرقع لمجيئه في زمن الجهاد والحرب بجنوب السودان ليتطبع التلاميذ على هيبة الحرب وقسوتها، وهو بمثابة دعوة للجهاد والاستشهاد.
ونوه حسين إلى أنه بعد انقضاء زمن الحرب وانفصال الجنوب، كان لا بد من تغيير ما تكرَّس في وجدان التلاميذ من هلع وقسوة ووحشية طبعت في الأذهان بفعل الزي (المبرقع)، الأمر الذي فرض تغييره لجهة أنه مخيف.
ودعا الخبير التربوي لأن تضم اللجنة التي كونها وزير الصناعة نوعية تتكون من علماء النفس وتربويين وتشكيليين ومسؤول من وزارة التربية والتعليم.
سيناريو الأزياء
حسين نوه إلى أن التلاميذ بعد الاستقلال مباشرة كانوا يرتدون (جلابية وعمه)، والتلميذات يرتدين الفساتين و(الطِّرَح) في الأولية والثانوي، كاشفا عن أنه عقب عام 1969م تقريبا كان تلاميذ الأولية يرتدون قميصا، وفي الوسطى قميصا أبيض من الدمورية ورداءً كاكي اللون، والتلميذات يرتدين في الوسطى فستانا أبيض وطرحة بيضاء، والثانوي بعضهن الثوب السوداني، ثم أصبح التلميذ في الأولية يرتدي قميصا أبيض وبنطلونا كاكيا، وفي الوسطى يرتدي قميصا أبيض وبنطلونا رماديا، أما التلميذات فكن يرتدين في المرحلة الأولية فستانا أخضر وطرحة، وفي الوسطى فستانا بنيا وطرحة، وفي الثانوي فستان لبنيا وطرحة أو ثوب.
مواصفات ومعايير
عضو الغرفة التجارية الفاتح عباس كشف في حديثه لـ(السوداني) أمس، عن أن الزي (المبرقع) الذي يرتديه بعض التلاميذ من مخلفات البترول، وأضاف: إذا تم إشعال النار في القماش سيتحول إلى زفت، مشيرا إلى خلط المواد بالقطن أو السليلوز الصناعي.
وتخوف عباس من وجود زي مدرسي من أقمشة غير مطابقة للمواصفات بالأسواق، بحجة أن السوق السوداني (هش)، أي تسيطر عليه الأسعار وليس الجودة.
في المقابل، اختصاصية الامراض الجلدية والتناسلية د.سعاد حسن حامد تذهب في حديث سابق لـ(السوداني)، إلى أنه لا بد من تحديد نوع القماش بسبب وجود خامات مختلفة في السوق بنفس الشكل منها الطبيعي مثل القطن وآخر صناعي مثل البولستر، كاشفة عن أن البولستر يؤدي إلى قلة تهوية الجلد وبالتالي زيادة العرق خاصة في فصل الصيف، ما يؤدي إلى الحكة والتحسس الجلدي، وقد يؤدي إلى زيادة الفطريات نتيجة لزيادة الرطوبة في الجلد، في مقابل أن الخامات الطبيعية نادراً ما تسبب حساسية الجلد.
لكل الطبقات
الكاتب والمحلل الصحفي عثمان ميرغني يذهب في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن الزي المدرسي به مشكلة منذ التسعينيات لأنه يشبه زي القوات النظامية وبالتالي أصبح التلاميذ يؤكدون استمرار حالة الحرب في البلاد، كأنما الحرب هي الوضع الطبيعي والسلام هو العكس، وأضاف أن تغيير الزي أمر لا بد منه وكان يجب أن يحدث منذ فترة لكنه تأخر لمصالح بعض الجهات التي تستورد خاماته وتستفيد من عائداته.
وأشار ميرغني إلى أن تغيير الزي ليس مهما من الناحية التربوية فحسب، بل للمجتمع السوداني كذلك، ليتكيف على الوضع الطبيعي الذي كان عليه قبل فترة التسعينيات، وأضاف: مهمة وزارة التجارة والصناعة أن تتأكد من أن الزي الجديد متوفر لدى كل الطبقات.
تقرير : وجدان طلحة
الخرطوم (صحيفة السوداني)