الحضارة العربية
الحضارة العربية أو حضارة الإنسان العربي ، كانت من أهم الحضارات التي سطع نجمها على وجه الأرض ، وكان لها كبير الأثر في التقدم في شتى علوم الحياة ، والتي أثرت الإنسان ، فكانت الخطوة الأولى لما توصل إليه الآن من تقدم .
وقبل سطوع الحضارة العربية ، مرت بمراحل ثلاثة رئيسيّة ، هي :-
المرحلة الأولى :- كانت مرحلة الإقتباس والترجمة ، والتي سادت في العصر العباسي .
المرحلة الثانية :- مرحلة الإستفادة من تلك الترجمات والإقتباسات ، ليتولد الخلق والإبداع .
المرحلة الثالثة :- وهي مرحلة تأثر الغرب بالعلوم العربيّة ، ليبدأ بنقلها وترجمتها للغات بلادهم ، لتدخل الحضارة العربية في المرحلة العالمية ، لشموليتها ودقتها .
كانت أولى حركات الترجمة في العصر الأموي ، إبتدأ بها الأمير “خالد بن يزيد” ، حين دعوته لبعض علماء (مدرسة الإسكندريّة) إلى دمشق ، لنقل وترجمة بعض كتب الإغريق في الطب والفلك والكيمياء .
تلاه الخليفة الأموي “عمر بن عبد العزيز” ، حينما اصدر أمراً بترجمة كتاب “أهارون” من السريانيّة ، وتوقف العمل فيه ليستأنفوا ترجمته بعد نصف قرن على نطاقٍ أعم وأشمل ، ليوصف بإنجازه بأن القرن التاسع قد حدث فيه قفزةً نوعيّة في تاريخ الإنسانية ، فمع انتهاء هذا القرن كان العرب قد تمثلوا كل علوم الحضارات السابقة وخاصةً العلوم اليونانيَة ، والهنديّة والفارسيّة والقبطيّة والسريانيّة . كان للخلفاء في تلك العصور الدور الكبير في توسع وتطور الحركات العلمية والترجمة على نطاق واسع ، كما فعل المنصور حين أمر بترجمة الكتب الإغريقيّة في التنجيم والطب والفلك ، وأكمل حفيده “هارون الرشيد” تلك المسيرة من بعده وعلى نطاقٍ أوسع وأعم .
ومن أشهر الكتب التي ترجمت كتاب “كليلة ودمنة” ، والذي ترجم على يد أشهر المترجمين وهو “إبن المقفع” ليرتبط إسمه دوما باسم الكتاب الذي ترجمه عبر التاريخ ، بالإضافة الى عدة كتب في الطب والمنطق ، والتي عمل على ترجمتها من الفارسية للعربية .
وهكذا ازدهرت حركة الترجمة والتأليف وتداول الكتب بين العامة على نطاقٍ واسع ، وأقيمت دوراً للكتب في كل مكان ويزداد عدد المتاجر التي تبيع الكتب هنا وهناك ، أدى هذا الأمر إلى انتشار العلماء والمفكرين والمؤلفين ، ومن أشهرهم (محمد بن إسحق بن النديم) ، صاحب الكتاب الذي يحوي جميع الكتب والترجمات التي ظهرت خلال القرون الهجريّة الأربعة ، وسماه “الفهرست” .
بالإضافة لحركات التأليف والترجمة ، ظهر الإهتمام المبكر بالفلسفة على يد “الكندي” ليكون السبب في نشر التفكير الحر الذي اعتمد فيه على فلسفة أرسطو . كان أقبال العرب لتلك الأفكار الغريبة والحديثة بشكل كبير وسريع ، الأمر الذي أدى الى ظهور تيارات فكرية واجتماعية جديدة ، للمرة الأولى تخرج تلك الأفكار عن نطاق التفكير الديني ، وخاصة في مجال الفلسفة والمنطق ، الأمر الذي أدى الى نشوب اضطرابات ، وبالرغم من هذا الأمر الا ان تلك الأفكار كبرت وتوسعت ، وتغلغلت بين المفكرين والكتاب ، ومن أشهرهم “الفارابي” الذي كرس الكثير من أعماله لشرح أعمال أرسطو كشروح لكتب البرهان والخطابة ، تلاه ابن سينا ليعمل على محاولة التوفيق بين الدين والمذاهب الفلسفيّة .
وهكذا ازدهرت ووهج نور الحضارة لتبلغ أوجها في إسبانيا على يد “ابن رشد” لينشيء فلسفة متناقضة في التأثير على الشرق والغرب، أخيراً وبرأيي الشخصي ، لم تزدهر الحضارة العربية من قوة السلاح أو الفتوحات والتوسع لمساحات شاسعة على الأرض ، بل انطلقت تلك الحضارة من حرفٍ وكتاب ، كان الكبار كالخلفاء في تلك الفترة على قدرٍ عالٍ من الحنكة والذكاء ، بوعيهم لأهمية أمر العلم والترجمة والكتب والتأليف ، وعملو على تحمل مسؤولية قيام تلك الأمور ، وكان لهم بأن ازدهرت حضارتهم ، وذاع سيطهم ، وتناقل الكون الكتب التي انتشرت في عصورهم ، أما اليوم ، فطالب العلم على الأغلب يلجأ لغسل الأطباق في المقاهي والمطاعم ، ليعمل على الحصول على العلم الذي يطمح اليه ، وفي أغلب الأحيان لا يصل ، وإن وصل فقط في بلادنا العربيّة يضطهد !