الحشرات المسالمة
محتويات المقال
تندرج الحشرات في علم الأحياء – من حيث التصنيف – تحت مملكة الحيوانات، وهي تنتمي إلى مجموعة تُسمّى المِفصليّات، أي إنّها لا تمتلك عاموداً فقريّاً أو أيّ نوعٍ من العظام لتدعم أجسادها، وإنَّما لها أجساد رخوة تُغطِّيها قشور صلبة نسبيّاً، وهي من مِفصليّات الأرجل، وأجسادُها بشكل عامّ تتكوَّن من ثلاثة أجزاءٍ، هي: الرّأس، والصّدر، والبطن، وغالباً ما يكونُ لها ثلاثة أزواجٍ من الأرجل على جانبَي جسدها. والحشرات هي من أكثر مجموعات الكائنات الحيّة تنوُّعاً وأوسعها انتشاراً، وهذه المِيزة في الانتشار الواسع تعود لعدَّة خصائص تمتلكها الحشرات، أهمها قدرتها الهائلة على التكيّف في جميع البيئات والقارات (عدا القارّة المُتجمّدة)، وقد اكُتشفَ وصُنِّف من أنواع الحشرات حتى هذا اليوم ما يُقارب المليون نوع، ما بين الخنافس، والجنادب، والنّحل، والدّبابير، والفراش، والعثّ، والذّباب، واليعاسيب، والسّراعيف وغيرها، ويُقدَّر العدد الكليّ للحشرات على الأرض (المعروفة منها وغير المعروفة بعد) بما يتراوحُ من خمسة إلى عشرة ملايين نوع، والتي قد يطولُ الوقت حتى تُكتشَف جميعها.[١]
علاقة الحشرات بالإنسان
علميّاً، تُصنَّف الحشرات إلى مئات وآلاف الفصائل بحسب تشريحها، ومظهرها، وتكيُّفها مع بيئتها، لكن بالنسبة للشّخص العادي غير المُتخصّص فإنَّ من المُمكن تصنيف هذه الكائنات ما بيْن حشرات ضارّة للإنسان، وحشرات نافعة له، وحشرات لا تؤثر عليه، وفي الحقيقة فإنَّ الحشرات (كفصيلة كاملة) لا تُشكِّل ضرراً على البيئة؛ لأنّها جزءٌ طبيعيٌّ من النّظام البيئيّ وتُؤدِّي دوراً في توازنه، فأضرارُها توازي منافعها للبيئة، وإذا اختفت جميعُ الحشرات من على الأرض فسوف تتغيَّر البيئة جذريّاً وتندثر الكثير من الكائنات الأخرى، إلا أنَّ الإنسان يهتمُّ بمُكافحة أنواعٍ مُعيَّنة من الحشرات لما قد يكونُ لها من آثار سلبيَّة على الاقتصاد والصحَّة.[٢]
وغالباً ما يهتم الإنسان الذي يشتغل بالزّراعة أكثر من غيره بأثرالحشرات على حياته، وذلك لعدة أسباب أهمّها أنّ الحشرات تتكاثر بشكل أكبر في المناطق الزراعيّة، ممّا يجعلهما كلاهما يتقاسمان نفس البيئة، وبالتّالي فإنّه يحتاجُ لدراسة تأثيرها عليه من نواحٍ عديدة، أوَّلُها تأثيرها على إنتاجه الزراعيّ الذي يشتغل به طوال العام، وهنا تُعتبر الحشرات الضارّة بمقام الآفة بالنسبة له، وذلك لأن وجودها من المُمكن أن يُتلِف كامل محصوله بوقت قصيرٍ جدّاً، كأن يُهاجم سرب من الجراد الحقول، أو أن تعمل الحشرات الصّغيرة على إتلاف النّبات عن طريق التطفّل عليها والتهامها، ومن هُنا، فإنَّ مُكافحتها تُصبح ضرورةً أساسيَّةً للحفاظ على الإنتاج الزراعيّ. في الواقع، تُقدِّر بعضُ الدّراسات أنَّ الحشرات تستهلكُ أو تُتلِف 10% من المحاصيل الزراعيّة في الدّول الصناعيّة المُتقدِّمة، وحوالي 25% في الدّول الناميّة. كما قد تكونُ الحشرات سبباً أحياناً في نقلِ الأمراض الخطيرة التي تُؤثِّر على صحة الإنسان، وقد تُؤدي إلى وفاة أعدادٍ كبيرة من البشر، وعندها تُصبح آفة خطرة جداً.[٣]
الحشرات المسالمة
الحشرات المُسالمة هي تلك الأنواع التي لا تُسبِّب ضرراً للإنسان أو لغذائه، وقد تكونُ مُفيدة للبيئة ومُهمَّة لها، أو قد لا يكونُ لها ببساطةٍ أيّ تأثير على بني البشر. والحشرات هي كائناتٌ تُساهم في التّوازن الطبيعيّ للأنظمة البيئيّة، فرُغم أنَّ لها آثاراً سلبيَّة كبيرةً على النّباتات والمحاصيل الزراعيَّة، إلا أنَّها أيضاً تُؤدِّي دوراً جوهريّاً في الطّبيعة.
دورة العناصر الطبيعيّة
تُساعد الحشرات على إتمام الدّورة الطبيعيّة للمواد الكيمائيّة، فهي تعملُ على إشباع التّربة بالأكسجين، والاحتفاظ بمياه الأمطار، وتُساعد على تقليب التّربة أكثر من ديدان الأرض نفسها (عن طريق حفر جُحورٍ لتعيش فيها أو تدفن فيها بيُوضها)، كما أنَّها تُساهم في زيادة توزيع المواد الغذائيَّة – مثل المعادن وما سواها – في البيئة. عدا عن ذلك، تَحولُ الحشرات دون تراكم كميَّات كبيرةٍ من مُخلَّفات وسماد الحيوانات، فهي تعملُ على تفتيته وتحليله بواسطة الفطريّات والبكتيريا التي تنشرها، ولولا نشاطها هذا لأصبحت الغالبية العُظمى من الأراضي الزراعيّة والبراري المفتوحة مُغطَّاة بروث المواشي وغيرها من الحيوانات، وفي الواقع، يستورد بعضُ المزارعين في أستراليا والولايات المُتَّحدة خنافس الرّوث من شرق أفريقيا لتُساعد على التخلُّص من مُخلَّفات قطعانهم.[٣]
نقل حبوب اللقاح
من أهمِّ الوظائف الطبيعيّة التي تُؤدّيها الحشراتُ النّافعة للإنسان هي نشرُ حبوب اللّقاح ونقلُها ما بين الأزهار، وضرورةُ ذلك تكمنُ في تلقيح وتكاثر النّباتات والانتشار في الطّبيعة، فالعديد من الأشجار المُثمرة تحتاج لهذه الحشرات لإنتاج فاكهتها، ومنها البرتقال، والتفّاح، والبرقوق، والفراولة، والكُمثّرى، والعنب. وتُساهم العديد من أنواع الحشرات بصُورة جوهريّة في نقل حبوب اللّقاح، ومن أبرزها في هذا الخُصوص النّحل، والزّنابير، والفراشات، والعثّ، والذّباب. وقد تُلقِّح الحشرات أيضاً محاصيل الخضار، مثل البازيلاء، والبصل، والجزر، والملفوف، والأزهار كال[[قرنفل والأركيد وغيرها.[٤]
مصدرٌ للغذاء
القيمة الغذائيَّة للحشراتِ أيضاً هي واحدةٌ من أهمِّ فوائدها للبيئة، فهي تُشكِّل غذاءً جوهريّاً للكثير من أنواع الحيوانات، مثل آكل النّمل، والطّيور، والأسماك، والضفادع، والسّحالي، والقوارض، بل قد تكون غذاءً لبعض النّباتات الاستوائيّة الفريدة، مثل شرك الذّباب، والنّبات الإبريقيّ، والنّدية. والإنسانُ نفسه يعتمد في العديد من مناطق العالم، خُصوصاً في أفريقيا وشرق آسيا، على الحشرات كمصدرٍ للطّعام، مثل الجراد، والصّراصير، والعناكب، كما تمنحُ الحشراتُ الإنسانَ الكثير من المُنتجات المُهمَّة، وأبرزها العسل وشمع العسل (من النحل)، والحرير (من دودة القزّ)، وعدا عن ذلك كُلِّه، فالعديدُ من الحشرات تتغذّى على أنواعٍ ضارّة للإنسان من فصيلتها، ممَّا يجعلُها وسائل فعَّالة للكفاح البيولوجيّ الطبيعيّ للآفات الزراعيّة.[٢]