الحذر واجب.. بقلم هنادي الصديق
السودان اليوم:
تعالت الاصوات المطالبة بعدم إجازة مشروع قانون الإنتخابات وأتت البشريات من داخل قبة البرلمان تفيد بتأجيل مناقشته للمرة الثالثة على التوالي. وهناك أصوات أخرى تعالت مطالبة بعدم ترشيح الرئيس البشير لدورة رابعة، وهناك من يرى بعدم السماح لقيام الانتخابات من الاساس لأنها ببساطة شديدة ستعيد ذات الوجوه والشخوص الموجودة حاليا ما يعني المزيد من التراجع الاقتصادي والمعاناة والفقر.
شخصيا أرى أن الرأي الاخير هو الأصوب مع إقتراب 2020 وجاهزية حزب المؤتمر الوطني لها دونا عن بقية الاحزاب، ولعل المؤتمرات العامة التي عقدها وآخرها المؤتمر العام للحركة الاسلامية الذي إختتم فعاليته أمس الأول وسط لغط كبير بالصرف الملياري الذي شهدته الفعاليات من إيجار مقرات سكن للوفود من الولايات وايجار الصالات بخلاف ما صُرف للترحيل وللوجبات الفاخرة والمشروبات الغازية والمعدنية وهلم جرا . وفي هذا لنا عودة.
غالبية الشعب السوداني الذي كان يتسم بالطيبة ويشتهر بالعفوية، هو المسؤول المباشر في الوضع الذي يعيشه اليوم وتضررت منه الأجيال الحالية ومؤكد اللاحقة، فقد اثبتت التجارب والمواقف أننا أفضل من يُضيع حقوقه بنفسه ولا يجد سبيلا لحلحلة مشاكله المتشعبة يوما بعد يوم.
الانتخابات السابقة شهدت عزوفا غير مسبوق من قبل غالبية الشعب السوداني وخاصة الفئة (المستنيرة) عن التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والسبب كما هو معروف الإحساس بالهزيمة المعنوية التي أصابت الكثيرين، بعد أن تفتحت جبهات الصراعات القبلية والسياسية والعرقية، وبعد أن إنشطر السودان الي شطرين كل واحد منهما أعز من الآخر ولكنهم اتخموه بالمشاكل.
تلك الانتخابات جاءت باردة جدا رغم محاولات بعض وسائل الإعلام المستميتة في تجميل شكلها داخليا وخارجيا، وما دروا أن الشعب أذكى مما يتصوروا. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في القلة التي باتت تشكل خطرا على الشعب وعلى الوطن، وأعني مدمني تسلق الأشجار من اصحاب الطموحات اللا محدودة ممن وجدوا ضالتهم في بعض الأحزاب العريقة التي تفككت مثل حبات (السبحة)، وشكلت إئتلافاً قويا مع المؤتمر الوطني، بعد أن اصبحت تلك الأحزاب تستجدي الاسماء بدلاً عن الأفكار، فكان التوافق الذي يماثله المثل الشائع (وافق شنَ طبقة). فامتلأت الدوائر الجغرافية بالكثير من الاسماء الكبيرة (ظاهرا) والهشة (باطناً)، بعد أن خطط ورسم أصحاب هذه الاسماء بعناية فائقة وبصمت يحسدون عليه للوصول لكرسي البرلمان ومن بعده لكرسي الوزارة أسوة بأندادهم من الأحزاب الاخري. فالإنتخابات في السودان خاصة البرلمانية منها أصبحت ملاذا لبعض اصحاب الأجندة، وحليفا إستراتيجيا لعدد من فاقدي الهوية (المهنية)، والباحثين عن أنفسهم.
إتجه البعض من أصحاب المهن (المهجورة والمنسية)، وممن تسلقوا علي أكتاف غيرهم إلي العبور السلس عبر بوابة السياسة رغم أنه لم يعرف لهم نشاط سياسي يوما.
في الأمثال النسائية الساخرة يقولون أن أقصر طريق لقلب الرجل (معدته)، وهو أشبه بما طبقه البعض ممن ذكرتهم، فقد إختصروا الزمن وإختزلوا المسافة للوصول للسلطة عبر بوابة (السياسة). ليفعلوا ما فعلوا اليوم، لذا فالمطلوب من المواطن السوداني ان يعي الدرس جيدا بعدم السقوط في فخَ الطيبة الزائدة والعفوية الفطرية التي أقعدت بنا في مثل هذه المواقف، ولتكن البداية برفض تعديل الدستور ومقاطعة كل ما من شأنه الإلتفاف حول القانون والدستور، حتى يتسنى له أن يقول رأيه بوضوح في مستقبل هذه البلاد لأنه الوحيد الذي تذوق الامرين، بينما غرق الآخرون في نعيمها بدون وجه حق.