اسلام كبار اليهود لسيد الانام (ص)
بسم الله الرحمن الرحيم
لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، آمن كبار علماء اليهود به على الفور ، وأولهم في ذلك عبد الله بن سلام ، وكان رئيسهم في العلم ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له :
يا رسول الله ، إن اليهود يعلمون صفاتك لأنها مذكورة عنهم في التوراة ، ولكنهم قوم بهت {يعني يجادلون بالباطل مع علمهم أنه باطل ، وينكرون الحق مع يقينهم أنه حق} ، فإذا أظهرت إسلامي فسيكذبونني ، لكن اجعلني أختبئ في مكان خلفك ، ثم أدعهم ، وسلهم عني ، وأنا أسمع ، لأتمكن من الرد على كذبهم
{فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم فحضروا ، فقال لهم : مَا رَأيُكُمْ في عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلام؟ .قالوا : عالمنا وابن عالمنا ، وحبرنا وابن حبرنا ، وعندئذ خرج عليهم عبد الله بن سلام , وقال : يا معشر يهود تعلمون أن محمدا هو النبي الخاتم الذي بشَّر به موسى عليه السلام في التوراة ، وذكره بصفاته ونعوته والتي منها
[يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشر ونذيرا ، وحرزا للأميَّن ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخَّاب في الأسواق ، ولا قوال للخنا ، وأمدح الحمادون له عز وجل على كل حال] وإني أشهدكم أني أمنت بالله ورسوله}[1]
فما كان منهم لخبثهم وفساد طبعهم ؛ إلا أنهم كذبوه ، وسبُّوه بأقذع أنواع السباب ، غير أنه أقام عليهم الحجة ، وأبطل أقاويلهم ودعاويهم
وهذا عالم آخر من علمائهم ، هو زيد بن سعنة ، قرأ صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة في التوراة ، وتحقَّق منها كلها ، ولم يبق إلا صفة واحدة منها فلما أراد أن يتحقق منها ، أقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تمراً لأجل محدد ، وحضر قبل الأوان المتفق عليه للسداد
وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه وجذبه “شدَّه” من رداءه حتى أثرَّ الثوب في عنقه الشريف صلى الله عليه وسلم وخاطبه بغلظة , قائلاً : إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل {يعني مماطلين} – والمماطل هو الذي تهرَّب من تسديد ما عليه – وكان يقصد بذلك إثارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فغضب سيدنا عمر رضي الله عنه وقال له : كذبت ، أتقول هذا لرسول الله؟ ، وهم أن يضرب عنقه بالسيف ,فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم {كِلانا كَانَ أحْوُجُ إلَيَ غَيْرِ هَذَا مِنكَ يَا ُعمَر ، تَأمُرُُهُ بِحًسْنِ المُطَالَبَةِ ، وَ تَأمُرُنِي بِحُسْنِ الأدَاءِ}
إنها العدالة التي ورثها صلى الله عليه وسلم من خلال النبوَّة ، حتي وهو طفلٌ ، فقد كان يعدل مع أخيه في الرضاعة ، حين إلتقم ثدياً واحداً ، ورفض أن يلتقم الآخر ، لمعرفته أن له شريكاً في الرضاعة ، فقد ألهمه الله العدل ، ثم قال صلى الله عليه وسلم :
{يَا عُمَرُ ، خُذْهُ إليَ البَيْتِ ، فَأعْطِهِ حَقَهُ ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ وَسَقَاً مِنَ التَّمْرِ ، جَزَاءَ مَا رَوَّعْتَهُ ، فلمَّا ذهب عمر مع الرجل ، ودخلا المنزل , قال : يا عمر تدري لم فعلت ذلك ؟ قال : لا ، قال إني تحققت من صفات رسول الله في التوراة ، ولم يبق إلا صفة واحدة وهي : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلما ، وقد تحققت منها اليوم ، وأشهدك بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله}[2]
وهذا رجل آخر من اليهود ، وكان من أثرياءهم ، لما خرج المسلمون للقاء المشركين في أحد ، قال : يا معشر يهود لم تجلسون هكذا ، وتتركون محمدا يحارب قريشاً ، وأنتم تعلمون أن محمدا هو النبي المذكور عندكم في التوراة ، والذي بيَّن لكم موسي عليه السلام صفاته وعلاماته ، وأمركم أن تؤمنوا به ، وتؤازروه ، وتناصروه ، فلم تتقاعسون عن نصرته ؟
فلم يجيبوه إلا بما تعودوا عليه من الإفك والكذب ، فقال لهم : يا معشر يهود إني ذاهب لنصرته ، والقتال معه ، فإذا قتلت ، فأشهدكم أن كل ثروتي تؤول إليه يتصرف فيها كيف يشاء ، وأخذ سلاحه ، ودخل المعركة ، وظل يحارب في صفوف المسلمين حتي استشهد
وأموال هذا الرجل هي التي كان ينفق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه ، حتي لحق بالرفيق الأعلى ، لأن من سنن الله في إرسال رسله ، أن يفرَّغهم لتبليغ الرسالة ، ويتولي عنهم تدبير معيشتهم ، حتى لا ينشغلوا إلا به ، فقيض الله هذه الأموال ليعزَّه ، فلا يحتاج إلي أحد من خلقه ، وليكون شغله كله بالله ، فلا يلتفت نفسا ولا أقل عنه إلي غيره [3]
أما يهود الشام فقد اختاروا واحدا من كبار علمائهم ، و أرسلوه إلي مكة عندما علموا اقتراب أوان ظهوره صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا يعلمون أنه سيولد بمكة
{فسكن هذا الرجل في شعب خارج مكة ، وكان أهل مكة بعد أن شاع سبب مجيئه يعرضون عليه أطفالهم بعد ولادتهم ، فكلما ينظر إلي مولود ويتبينه يقول : ليس هو ، إلي أن ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب إليه جده عبد المطلب بمفرده ، فأول ما رآه قال له : أنت جده فقال : جد من؟ فقال : نبي آخر الزمان فقد ظهر نجمه في السماء الليلة (وهناك نجم معين كبير الحجم جداً ولونه أحمر يظهر عند ولادة النبي) فقال له : أنا أبوه ، قال : لا , مكتوب في التوراة أن أباه يكون قد مات – ونص العبارة (وما ينبغي لأبيه أن يكون حياً)
ثم طلب منه أن يذهب معه لرؤيته : فأخذه إلى بيت السيدة آمنة ، فلما شاهد الغلام أخذ يفحصه حتى وجد خاتم النبوة أعلى كتفه الأيسر , وكان في حجم بيضة الحمامة , ويشع نوراً , ومكتوب فيه من الداخل (لا اله إلا الله محمد رسول الله) بشعيرات بارزة ، وتنطق من الخارج (توجَّه حيْثَ شئتَ فإنك مَنْصُور) فلما تحقق منه ، آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم , والتفت إلى عبد المطلب وقال : إني أخشي عليه من اليهود , فأنهم إذا رأوه لابد أن يقتلوه ، فقال عبد المطلب : ولماذا ؟ ، قال : لأنهم لا يريدون أن تنتقل النبوة من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل}[4]
وهكذا فأخبار اليهود في هذا الباب لا تعدُّ ولا تحصي ، أما النصارى فالأخبار عنهم في هذا الباب أكثر وأكثر ، منها ما ورد عن قيصر الروم في الرواية المشهورة التي تحقَّق فيها من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في الحوار الذي دار بينه وبين أبي سفيان قبل إسلامه ، وقد جاء في الأخبار أنه كان يمتلك خزانه من عهد آدم عليه السلام ، فيها صور الأنبياء جميعاً , ومن جملتها صورة طبق الأصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم