أبو طاهر القرمطي
ظهرت في التّاريخ الإسلاميّ كثيرٌ من الحركات التي ادعت الانتصار لآل بيت النّبوة ، فكان أن اتخذت تلك الجماعات و الحركات من ادعاء محبّة آل البيت ستاراً يخفون من ورائه عقائدهم الباطنيّة الخفيّة ، و كان من بين تلك الحركات حركة القرامطة التّي أسّسها حمدان بن قرمط ، و قد كانت تتبنّى المذهب الإسماعيلي و تعتقد بأنّ الإمام محمّد بن اسماعيل بن جعفر الصّادق هو الإمام المهدي المنتظر ، لذلك نشأ تحالفٌ في بداية الأمر بين القرامطة و الفاطميّين الذي يؤمنون بمذهب الإسماعيليّة ، و لكن سرعان ما انفكت عرى التّحالف بين الفاطميّين و القرامطة ، فقام القرامطة بعمل ثورةٍ شعبيّةٍ انتهت باستيلائهم على أجزاءٍ من العراق و كانت البحرين دولتهم و عاصمتهم التّي شكّلت قاعدةً لهم لبثّ السّموم و الآفات ، و منطلقاً للهجوم على أقدس الأماكن عند المسلمين و هو الكعبة المشرّفة ، حيث روي أنّ قائدهم المسمّى سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي الهجري و الملقب بأبو طاهر القرمطي قد أعدّ جيشاً لغزو الكعبة ، و روي أنّه قتل كثيراً من النّاس في موسم الحج حيث كان يردّد: أنا بالله و بالله أنا...يحيي الخلائق و أفنيهم أنا
و قد قام جيش القرمطي الضّال بسرقة الحجر الأسود و انتزاعه من مكانه و بقي عندهم اثنتين و عشرين سنة ، إلى أن بعث الحاكم الفاطمي في تلك الفترة برسالة تهديدٍ إليه حتى أعاد الحجر الأسود إلى مكانه .
و قد مثّل ظهور حركة القرامطة و مافعلوه من المنكرات تحولاً في الفكر الباطني ، حيث استحل القرامطة كلّ المحرمات و تجاوزوا الخطوط الحمراء في استباحة دم المسلم الحرام ، و استباحة حرمة المقدّسات الإسلاميّة ، و ممّا يساعد المرء على فهم عقيدة و تفكير و سلوك تلك الحركات الباطنيّة معرفة الإنسان لكيفيّة نشوء تلك الحركات حيث يعود أصل مؤسّسي تلك الجماعات إلى بلادٍ كانت تحسب على عقيدة الكفر لقرونٍ طويلةٍ مثل بلاد فارس، و قد فتحها المسلمون في معركة القادسيّة و نشروا فيها الإسلام ، فلم يطب لكثيرٍ ممن خسر جاهه و ماله أن ينتصر الإسلام ، فاعتنقوا الدّين الإسلامي خفيةً و اتخذوا من محبّة آل النّبي عليه الصّلاة و السّلام ستاراً يخفون وراءه حقداً دفيناً على الإسلام و منبعه الصّحيح .