يا معتز .. تحرك قبل فوات الأوان !!.. بقلم الطيب مصطفى
السودان اليوم:
لا أكاد أصدق أن يتحلى الناس بكل هذا الصبر الجميل على (طوابير) الوقود الذي باتت صفوفه تتلوى بمئات الأمتار ثم – واحر قلباه – على صفوف الرغيف الذي صدقنا أنها كانت مجرد كبوة جواد عابرة لن تتكرر فإذا بها تصبح جزءاً ثابتاً من حياتنا مثل أزمة السيولة التي حرمت حتى الفقراء من أموالهم الشحيحة ومرت الشهور تلو الشهور حتى فقدنا الأمل في العودة إلى سالف أيامنا بعد أن وطنّا أنفسنا عليها بعد أن أحكمت قبضتها على خناقنا ولم تعد تغادر حلقومنا ولو ليوم واحد.
عندما سئلت عن ذلك كيف حدث ولماذا لم استطع الجواب لكن دهشتي كانت أكبر أن تعجز الدولة حتى عن تحريك عرباتها لنقل عشرات الآلاف من الصابرين المكتظين في المواقف أو الزاحفين بأرجلهم عبر الكباري والشوارع من الخرطوم حتى الحاج يوسف بل وفي طريق الكلاكلات وغيرها فلا حول ولا قوة إلا بالله.
يتحدث الناس أن عربات الشرطة تحركت في ليلة المولد لتخفف من معاناة المحتفلين بالمولد وظننا أنها ستستمر في تخفيف حدة المعاناة عن الناس إلى أن تتخذ الحكومة قراراً حاسماً لحل الأزمة ولكنها توقفت ..لماذا ؟ لا أدري والله العظيم.
إنه عجز القادرين عن التمام ..عجز طال كل أو معظم مرافق حياتنا .. قرارات تتخذ حول صادر الذهب لتحل محلها قرارات أخرى في اليوم التالي ثم أخرى في اليوم الثالث وهكذا.
من 18 جنيه للدولار يصدر فجأة قرار – نصح به أحد العباقرة – يرفع سعره إلى 47 جنيهاً بآلية كسيحة سميت بآلية صُنّاع السوق فإذا بتُجار السوق الموازي يتخذون السعر الجديد قاعدة المضاربة الجديدة لسوقهم الأسود بدلاً من الـ18جنيه مما دفع بالدولار إلى خانة الخمسينات بعد أن كان في بداية الثلاثينات، فمن هو المسؤول عن تلك الخطوة المجنونة بل من هو ذلك العبقري الذي حجّم السيولة ليحطم الثقة في النظام المصرفي مما تسبب في عام الرمادة الذي تعاني منه بلادنا منذ بداية هذا العام الذي يلفظ أيامه الأخيرة؟!
أخي معتز نصحتك من موقع المشفق والمتعاطف من أول يوم أن تواجه المواطنين – الذين أملوا فيك كثيراً – عبر الإذاعة والتلفزيون لكنك اخترت وسائط النخب عبر التويتر وما فات فوت حتى الآن .. لو كنت مكانك لفعلتها الآن واعترفت بشجاعة بأي خطأ سابق وأوضحت الحقائق للمواطنين .. يوم ناصحتك بذلك كان الناس أكثر استعداداً لسماعك لأنهم ما كانوا سيحملونك أخطاء سابقيك.. افعلها الآن بشجاعة لمواجهة حالة الندرة التي نعاني منها الآن .. قالوا إن اسعار الوقود والدقيق عندنا أرخص من جيراننا لذلك ينشط التهريب والمهربون ولا نقوى بحدودنا المفتوحة على مصاريعها ، على مواجهة التهريب كما لا نستطيع إطعام شعوب الدول المجاورة بوقودنا ودقيقنا .. قالوا إننا بالدعم الذي نغدقه على الوقود والقمح ندعم أكثر من مليونين من الأجانب الذين وفدوا إلى بلادنا بل ندعم المنظمات والسفارات الأجنبية .. قل لمواطنيك إنك ستطبق على المترفين ذات السياسة التي طبقتها على الكهرباء التي رفعت دعمها عن المترفين من ملاك القصور التي تدوي بأصوات العشرات من مكيفات الهواء مع الرفق بالفقراء الذين لا يصرفون إلا على بضع لمبات ومراوح.
اذهب إلى القضارف وتحسس بنفسك مشكلات إنتاج وتصدير السمسم الذي يهرب الآن إلى دول الجوار جراء انعدام السيولة والعمالة فما نعول عليه من صادر تتهدده مشكلات كثيرة تحتاج إلى قرارات عاجلة .. زر مشروع الجزيرة وتحسس من المزارعين ولا يحيط بك الأفندية فيحجبوا عنك الحقيقة .. زر جهاز المغتربين لترى بنفسك ما يعطل سياسات التحفيز التي تم اتخاذها لجذب مدخرات المغتربين السودانيين الذين اشتروا عشرات الآلاف من الشقق في مصر.
لا أريد أن أرجع إلى ما ناصحتك به داخل المجلس الوطني عندما تحدثت عن أن سياسة آلية صناع السوق لن تنجح بدون توفير مخدة Cushion من احتياطي العملة الحرة بحيث يجد طالب الدولار بديلاً لعملته المحلية بالسعر المعلن والعكس صحيح أما أن يذهب طالب الجنيه مقابل دولاره إلى البنك فيعتذر له وطالب الدولار كذلك فإنه لا يعني غير الفشل الذريع.. هل من وسيلة لتوفير الاحتياطي من أي مصدر كان بعد أن تجهم الحلفاء في وجوهنا وقابلوا إحساننا بالنكران والجحود؟