من القاتِل..؟.. بقلم زاهر بخيت الفكي
السودان اليوم:
الحكاية أبداً ما جديدة والموتى كُثر ..
في بداية تسعينيات القرن الماضي أصابت الملاريا الفتاة الجميلة (شامة) والتي لم تقوى بجسدها النحيل على حُمى الملاريا وسهرها المتواصِل ، غيّبتها عن الوعي عافت معها الأكل والشُرب وصارت تُكثِر من الكلام والصراخ ، أصابتها الملاريا في زمانٍ كانت الأدوية فيه تُثقِل أرفف الصيدليات التجارية والمُستشفيات الحكومية كذلك تمتلئ صيدلياتها بالأدوية المجانية وشبه المجانية والقرية حالها كحال جميع قُرى السُودان لم يسمع أهلها بعد بأمراض سوء التغذية وتبعاتها ومخازنهم مملوءة بالمنتوجات الزراعية وحظائر المواشي حاضرة بمواشيها..
اجتمع رأي القوع على أنّ المس أصاب شامة والعيون تتربّص بها وبجمالها ..
لم يتوانى والدها ولم ينتظِر مفعول علاج الأطباء على إبنته أخذها وذهب بها إلى شيخه وكانت المُفاجأة أن وجد الشيخ قد ذهب يبحث عن (العلاج) خارج السودان وترك أمر إدارة المسيد لأحد حيرانه الكبار ، ترك الرجُل إبنته في المسيد بعد أن أوثقوها أمامه بإشراف وكيل الشيخ ووالدتها المُرافقة لها لم تتوقّف عن البكاء وهي ترى إبنتها الجميلة في حالة يُرثى لها تزيد المجنون الحقيقي في جنونه وتجعل من سليم العقل مجنونا ، تركها والدها موثقة في خلوة مُتسخة تلسعها السياط لإسكاتها عن الصراخ وما يُقدم لها من غذاءٍ بائس لاقيمة غذائيه فيه..
أحد أقرباء شامة المُستنيرين ذهب بعد مُضي أيام من دخولها ومن وراء والدها إلى المسيد ووجدها في حالة أقرب للجنون شعرها (منكوش) وثيابها وحالة الوهن التي وصلت إليها تُحدِّث عن ما وصل إليه حالها لم يسأل عن الشيخ أو يستأذنه في تحريرها من قيودها وذهب بها مُباشرة إلى طبيب باطني أظهرت نتائجه أنّ الفتاة تُعاني من فقر دم بسبب الملاريا وعزوفها عن الأكل وتحتاج إلى تغذية وإلى طبيب نفسي يُعيد إليها توازنها ويُخرجها من حالتها ويُعيدها إلى زمان ما قبل دخولها إلى المسيد ، أيام قليلة عادت بعدها شامة إلى طبيعتها وخرجت من أزمتها..
كم يا تُرى من دخلوا مثلها ولم يخرُجوا..؟
من قتل سامي تحقيق رائع جاءت به الجريدة يحكي عن مأساة شاب سوداني جامعي أودعه أهله في مسيد أحد الشيوخ كانت السلاسل في انتظاره قضى فيه قرابة العام وقد أثقلت القيود كاهل الفتى إلى أن حرره الموت منها مبكياً على شبابه وهكذا قضى الكثير من مرضانا البُسطاء نحبهم بلا مُساءلة أو مُحاسبة..
من المسؤول يا تُرى وقدسية هذه الأماكن عند الأتباع يجعل منها مناطق ممنوع الاقتراب منها..
الجهل رُبما يتسيّد الأسباب واعتقاد البعض الشديد في مشايخهم يجعلهم يُصدقون أكاذيب بعضهم وقدراتهم على علاج كُل الأمراض ويؤمنون بطريقة العلاج ويستحسنون النتائج ويقبلونها بكامل رضاهم حتى إن أفضت إلى الموت ..