مقالات في الجمال – الشيخوخة و التجميل
الشيخوخة , هذه المرحلة العمرية التي لا نعرف طعمها إلا عند تذوقها و اجتراع مرارتها و مع ذلك فإن هناك الكثيرين ممن استشعروا بها قبل ذلك و حاولوا تأخيرها لما فيها من آلام و معاناة و لما فيها من فقدان للحيوية و النشاط و نقص في الجمال و القوة و الصحة , و الهرم سلعة لابد من تذوقها لكل من طالت به الأيام و امتدت به السنين , و الإنسان و منذ فجر التاريخ و هو يحب ذاته و دوامها و رقيها , أي أن الإنسان لا يستطيع التفكير في الفناء لنفسه إلا مرغماً أو معللاً النفس بشيء ما , و يحب الإنسان لنفسه الرقي و لا يستطيع التفكير إلا في الزيادة فكيف و هو يرى الهرم يأخذ منه صحته و عافيته و جماله و على ذلك بدأ كل إنسان في مجاله يسعى للحفاظ على نفسه ما استطاع لذلك سبيلاً , يحاول اكتساب المزيد من المال و اعتلاء المزيد من المناصب و جمع أكبر قدر مما يستطيع حمله أو كنزه , و الجمال هو من أهم ما يقلق الإنسان , فهاهي فتاة جميلة ترى الرجال يحومون حولها فتعيش لحظات نشوة مما تسمع من كلمات المديح و الإطراء و كم فتح لها الأبواب رجال لا لشيء إلا لجمالها و لكنها قليلاً فقليلاً ترى نفسها تهرم و جمالها يذوي و الرجال تتباعد عنها و الأبواب توصد أمامها و هي تعرف في قرارة نفسها أن كل ما كان لم يكن إلا لجمالها الذي بدأت تفقده فكيف لها أن تستطيع الفطام عن لذةٍ طالما أسكرتها , إن هذا لشيء صعب و لا بد لها من البحث عمن يستطيع مساعدتها , طبيب أو أي شخص كان , و أما التي ما عرف الجمال إليها طريقاً فكم تتمنى لو تستطيع شراءه أو التحلي به و كم يعاني قلبها من حرقة لا يعلمها إلا الله عزوجل , و الرجال و إن كانت اهتماماتهم بالدرجة الأولى هو المال و المنصب و القوة إلا أن الجمال يعتبر بضاعة ثمينة لا يفرطون بها إن كانت لديهم أو إن استطاعوا الحصول عليها لأنك بها تستطيع الحصول على ميزات كثيرة , و هكذا و لأن هذه البضاعة مطلوبة و زبائنها كثر فقد كثر عُمّالها أيضاً و كثرت فنونهم فيها , حلالاً و حراماً , و تعددت أساليبهم للوصول إلى جمع المال منها , و طرقوا أبواباً شتى لهذه الغاية فقديماً حاولوا الإستفادة من النباتات لمأربهم و حالياً يسعون و يجربون طرقاً عديدة ذات تقنيات تحتاج إلى تخصص و تفرغ و أسسوا لهذا جامعات و معاهد و تبارى الأطباء و غيرهم في الحصول على ألقاب تجذب إليهم أكبر قدر من الزبائن و بفضل هذا السباق توصل علم التجميل لأشياء ثمينة و حَلّق عالياً في سماءٍ كم اشتاقت النفس إليها .
شيخوخة الإنسان تنتج عن أسباب وراثية و أسباب مكتسبة , أما الوراثية فتتحكم بها مورثات أبوية و لكن المكتسبة تتعدد أسبابها و تتنوع و بما أنني مختص في طب الجلد فإنني سأخوض في مجال شيخوخته و أترك الباقي لمن ذلك اختصاصه .
لجميع الذين يريدون تجنب شيخوخةً قبيحة لجلدهم عليهم أن يدركوا أن ذلك يحتاج منهم اعتناء مستمراً بأنفسهم حتى يضمنوا أفضل النتائج و ذلك تحت إشراف طبي متخصص , أما إن أرادوا نتائج سريعة لمشاكل جمالية حلت بهم فالطب الحديث قد توصل أيضاً لعلاجات باهرة لكثيرٍ منها و لكن ليس لكلها أي أن هناك الكثير مما يقلق الإنسان حول جماله سيجد أن الطب الحديث يقدم له نتائج و لكنها قد لا ترضيه تماماً .
عندما يشيخ الإنسان يبدأ جلده بالذبول و الضعف و بفقدان لونٍ و اكتساب آخر , تتغير حيوية الجلد و مرونته فيتهدل و يتدلى , تحفر خطوط العمر منذرة و محذرة و تتلاشى وظائفَ و غددٍ و تظهر أمراض و آفات جديدة .
إن التغيرات الحاصلة نتيجة المورثات و العوامل الخارجية تؤدي لتآكل و تأذي مكونات الجلد و بالتالي تتغير مواصفاته الداخلية و الخارجية و عندما يترافق التأذي الجلدي مع التأذي لأعضاء أخرى مثل العظام و العضلات فإن الجلد يشتد ضعفه و يزداد قبح مظهره .