ما معنى الهداية
قال الله تعالى في كتابه الحكيم (وما كنّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله). والهداية هي الإستدلال، ولا تكون هداية في ضلال، بل تكون الهداية لخير وصواب، فلن تجد من يقول “هداني إلى الشر” أو “اهتديتَ إلى الخمر”، بل تقول “هداني إلى الخير” أو “اهتديتَ إلى الصّلاة”. وأمّا عن قوله سبحانه (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) فهو وارد للتهكُّم. (اهدنا الصراط المستقيم) أي دلَّنا على الطريق القويم، وهذا الدعاء الذي ندعو به يومياً سبع عشرة مرة في اليوم، مرةً واحدةً في كل ركعة مفروضة.
وعكس الهداية الضّلال، وهو الإنحراف عن طريق الصواب. وهذا الدرب ليس بحاجة إلى تعبٍ ولا تدريب، فهو أسهل الدروب وأجملها دنيوياً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حُفَّت النار بالشهوات، وحُفَّت الجنة بالمكاره). أي أن النّار محاطة بالشهوات، فمن اخترق هذا الحاجز سقط في النار، والجنة محاطة بالمكاره، فمن اخترق هذا الحاجز دخل الجنة. استرعاني عند كتابتي لهذا التفسير كلمتين، وهما سقط ودخل، سقط في النّار، ودخل الجّنة. ومن هذا التّفريق وحيث أنّنا نستعمله يومياً؛ فإنه ضمنياً نرى أنّ النّار في الأسفل؛ وأن الجّنة في الأعلى، فلم أسمع حتّى الآن عن أحدٍ سقط إلى الأعلى. وفي حواراتنا اليوميّة يُقال فلان ارتفعت مرتبته أو فلان نزل إلى القاع.
الهداية ارتفاعٌ وعلو، ارتقاءٌ عن كل ما هو ممنوع ومحرَّم، هو محاولة الوصول إلى الخير العميم ومن كل أوجهه. الهداية هي الاتّجاه نحو الحق ورفض الباطل، كبح الشهوات ورفض المغريات. كم هي سهلة المعصية باختلاف درجاتها، ولكن الطاعة ثقيلة على غير المؤمن، مع أن الطاعة مجانية والمعصية ليس مجانية. فلا يوجد من يدفع مقابل دخوله المسجد، بينما من يدخل النوادي اللّيلية فلا بُدَّ له من أن يدفع، من يقوم اللّيل يصلّي لا يتكلف مادياً، بينما من يقوم ليلهُ يرقص في الملاهي والمراقص سيدفع لِقاء رقصه. يتكلَّف الناس كثيراً للضلال، والهداية قاب قوسين أو أدنى منهم.