لماذا يحب الانسان وطنه
حب الوطن لا يجوز أن يكون مشروطاً فلا يجوز أن نحبه لأنه جميل أو لأن الخضرة فيه منتشرة، ولا يجوز أن يحب الإنسان وطنه لأنه يقدم له الخدمات الكثيرة، ولا يجوز أن نحب أوطاننا لأنها في مصاف الدول أو لأن لها تاريخا كبيراً، فماذا لو كان الوطن صحراء قاحلة وقطعة من الأرض ليس لها تاريخ ولا يوجد فيه أية موارد والأوضاع الاقتصادية فيه متردية، هل سيكره الإنسان وطنه ؟؟!!
كل ما ذكر من جمال و رخاء و تاريخ و حضارة، هي من العوامل التي تزيد من تعلق الإنسان بوطنه و هي الأسباب التي تطمع الدول الأخرى بهذا الوطن، و لكن حب الوطن في جوهره ليس متعلقاً بأي شيء، حب الوطن متعلق بشيء واحد فقط و هو يقين الإنسان يقيناً تاماً بأن وطنه هو هويته وهو كيانه وهو ماضيه الشخصي وهو مستقبله وهو جزء لا يتجزأ منه، فماذا لو كان الأب فقيراً معدماً غير جميل ويعاني من العديد من الأمراض و العلل كالأمراض النفسية و العقلية ، فهل سيلقيه الابن أم أنه سيعتني به ويرعاه ؟؟!! وإذا لم يتركه وظل بجانبه طوال حياته ، فلماذا كل هذا الاهتمام وهذه الرعاية ؟! قطعاً سيكون الجواب لأن الأب وإن كانت المصائب قد ألمت به إلا أن وجوده بحد ذاته هو نعمة يجب أن نشكر الله تعالى عليها ليل نهار، فوجوده فقط هو من أعظم الأمور التي تمنن بها علينا خالقنا. وما ينطبق على هذا الأب ينطبق على الوطن.
مما سبق نرى أن حب الوطن هو حب غير مشروط، فالوطن هو المبتدأ والمنتهى، هو ما كان وما سيكون هو البوتقة التي تجمع بداخلها كافة الإخوة على اختلاف أفكارهم ولغاتهم ومعتقداتهم وثرواتهم فالوطن هو الحضن الدافئ الذي يلم شمل الجميع فبذهاب الوطن يتفرق جميع من فيه، وبذهاب الأب يتفرق الأبناء جميعهم.