شعر المتنبي في مدح الرسول
مدح الرّسول عليه السّلام
وهو ما يعرف باسم المديح النّبوي، وهو الشّعر الذي يُركّز في معانيه على مدح النّبي صلّى الله عليه وسلم بذكر صفاته، وإظهار الشّوق لرؤيته، وتفضيل زيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط به،علي السّلام، على الأماكن الأخرى، مع تعداد المعجزات الماديّة والمعنوية، والإشادة شعراً بغزواته وصفاته، والصّلاة عليه تقديراً وتعظيماً.
يُظهر شاعر الماديح تقصيره في أداء واجباته الدّينية والدنيويّة تجاه الرّسول ورسالة الإسلام، ويذكر عيوب نفسه، وكثرة ذنوبه، مُناجياً الله طمعاً بالتّوبة والمغفرة، ثمّ طامعاً بوساطة الرّسول عليه السّلام وشفاعته يوم القيامة. وغالباً ما يتداخل المديح النّبوي مع التّصوف وقاصئد المولد النّبوي.
ومن المعهود أنّ هذا المدح لا يختلف تماماً عن المدح التّكسبي إلى السّلاطين والوزراء، إنّما هو خاصّ بأفضل خلق الله، رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، ويمتاز بالصّدق، والوفاء والإخلاص، والانغماس في التّجربة والعشق الرّوحاني. (1)
قصيدة نهج البردة في مدح الرّسول
ريـمٌ عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ
أَحَـلّ سـفْكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ
رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا
يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ
لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً
يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي
جحدته، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي
جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ
رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق
إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ
يـا لائـمي في هواه – والهوى قدَرٌ –
لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ
لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ
ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ
يـا نـاعس الطَّرْفِ; لاذقْتَ الهوى أَبدًا
أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ
أَفْـديك إِلفً، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى
أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ
سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميً، فأَسَا
ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ
مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا
اللاعبـاتُ برُوحـي، السّـافحات دمِي؟
الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى
يُغِـرْنَ شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ
القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ
وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ
العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا
أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ
المضرمـاتُ خُـدودً، أسـفرت، وَجَلتْ
عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ
الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا
أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ
مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا
للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ
يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ
إِذا أَشَــرن أَســرن اللّيـثَ بـالعَنمِ
وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى
يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ
يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه
أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ؟
مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه
أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ
مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ؟
وأَخـرج الـرّيمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ؟
بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب
ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ
لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى
مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ
يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ
وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ
فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ
كمــا يُفـضُّ أَذَى الرّقشـاءِ بـالثَّرَمِ
مخطوبـةٌ – منـذُ كان النّاسُ – خاطبَةٌ
مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل، ولم تَئمِ
يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها
جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ
لا تحــفلي بجناه، أَو جنايتهــا
المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ
كـم نـائمٍ لا يَراه، وهـي سـاهرةٌ
لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ
طــورًا تمـدّك فـي نُعْمـى وعافيـةٍ
وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ
كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحْجَـبْ بصيرتُه
إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلْقمـا يَسُمِ
يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا
مُسْـوَدَّةُ الصُّحْـفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ
ركَضْتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما
أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ
هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا
والنفسُ إِن يَدْعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ
صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه
فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ
والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ
والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرْتَعٍ وَخِمِ
تطغـى إِذا مُكِّـنَتْ مـن لـذَّةٍ وهـوًى
طَغْـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشُّكُمِ
إِنْ جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ
فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ
أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على
مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ
إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذُّلِّ أَسـأَله
عِـزَّ الشفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ
وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ
قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ
لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـنْ
يُمْسِـكْ بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ
فكــلُّ فضـلٍ، وإِحسـانٍ، وعارفـةٍ
مــا بيــن مســتلمٍ منـه ومُلـتزمِ
علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزُّ بـه
فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللُّحَـمِ
يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيْرًا حين أَمدحُه
ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ
محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه
وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ
وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ
متـى الـورودُ؟ وجـبريلُ الأَمين ظَمي
ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً
فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ
قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه
مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم
نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا
ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي
حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم
نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم
لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه
بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ
سـائلْ حِراءَ، وروحَ القدس: هل عَلما
مَصـونَ سِـرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ؟
كــم جيئـةٍ وذهـابٍ شُـرِّفتْ بهمـا
بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ
ووحشةٍ لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا
أَشـهى من الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ
يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه
ومَـن يبشِّـرْ بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ
لمـا دعـا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ
فاضتْ يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ
وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلُّ بـه
غمامــةٌ جذَبَتْهــا خِــيرةُ الــديَمِ
محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها
قعـائدُ الدَّيْـرِ، والرُّهبـانُ فـي القِمـمِ
إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــتْ يكـاد بهـا
يُغْـرَى الجَمـادُ، ويُغْـرَى كلُّ ذي نَسَمِ
ونـودِيَ: اقـرأْ. تعـالى اللهُ قائلُهـا
لـم تتصـلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ
هنــاك أَذَّنَ للرّحــمنِ، فــامتلأَت
أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ
فـلا تسـلْ عـن قريش كيف حَيْرتُه؟
وكـيف نُفْرتُهـا فـي السّـهل والعَلمِ؟
تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ قـد أَلـمَّ بهـم
رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ
يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه
هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ؟
لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ
ومــا الأَميــنُ عـلى قـوْلٍ بمتّهَـمِ
فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـمْ
بـالخُلْق والخَـلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ
جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت
وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ
آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ
يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ
يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ
يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ
يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً
حديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ
حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ جِـيدَ البيـانِ به
فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ
بكــلِّ قــولٍ كـريمٍ أَنـت قائلُـه
تُحْـيي القلـوبَ، وتُحْـيي ميِّـتَ الهِممِ
سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده
في الشّرق والغرب مَسْرى النّورفي الظلمِ
تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ
وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ
رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت
مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ
أَتيـتَ والنّـاسُ فَـوْضَى لا تمـرُّ بهم
إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ
والأَرض مملــوءَةٌ جـورً، مُسَـخَّرَةٌ
لكــلّ طاغيـةٍ فـي الخَـلْق مُحـتكِمِ
مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ
وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ
يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ
ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ
والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم
كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ
أَســرَى بـك اللـهُ ليـل، إِذ ملائكُـه
والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ
لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم
كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ
صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ
ومن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ
جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم
عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ
رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ
لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرّسُمِ
مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه
وقدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ
حــتّى بلغـتَ سـماءً لا يُطـارُ لهـا
عـلى جَنـاحٍ، ولا يُسْـعَى عـلى قَـدمِ
وقيــل: كــلُّ نبــيٍّ عنـد رتبتِـه
ويــا محـمدُ، هـذا العـرشُ فاسـتلمِ
خــطَطت للـدّين والدّنيـا علومَهمـا
يـا قـارئَ اللّـوح، بـل يا لامِسَ القَلمِ
أَحــطْتَ بينهمـا بالسـرِّ، وانكشـفتْ
لـك الخـزائنُ مـن عِلْـم، ومـن حِكمِ
وضـاعَفَ القُـربُ مـاقُلِّدْتَ مـن مِنَنٍ
بـلا عِـدادٍ، ومـا طُـوِّقتَ مـن نِعـمِ
سـلْ عصبـةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ سائمةً
لــولا مطـاردةُ المختـار لـم تُسـمِ
هـل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ، أَم سمِعوا
همْسَ التّسـابيحِ والقـرآن مـن أَمَـمِ؟
وهــل تمثّـل نسـجُ العنكبـوتِ لهـم
كالغـابِ، والحائمـاتُ الزُّغْبُ كالرّخمِ؟
فــأَدبرو، ووجــوهُ الأَرضِ تلعنُهـم
كبــاطلٍ مـن جـلالِ الحـق منهـزِمِ
لـولا يـدُ اللـهِ بالجـارَيْنِ مـا سـلِما
وعينُـه حـولَ ركـنِ الـدين; لـم يقمِ
توارَيــا بجَنــاح اللهِ، واسـتترَا
ومــن يضُـمُّ جنـاحُ الله لا يُضَـمِ
يـا أَحـمدَ الخـيْرِ، لـي جـاهٌ بتسْمِيَتي
وكـيف لا يتسـامى بالرسـولِ سمِي؟
المــادحون وأَربــابُ الهـوى تَبَـعٌ
لصـاحبِ الـبُرْدةِ الفيحـاءِ ذي القَـدَمِ
مديحُـه فيـك حـبٌّ خـالصٌ وهـوًى
وصـادقُ الحـبِّ يُمـلي صـادقَ الكلمِ
الله يشــهدُ أَنــي لا أُعارضُــه
مـن ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ؟
وإِنَّمـا أَنـا بعـض الغـابطين، ومَـن
يغبِــطْ وليَّــك لا يُــذمَمْ، ولا يُلَـمِ
هــذا مقــامٌ مـن الرحـمنِ مُقتَبسٌ
تَــرمي مَهابتُــه سَــحْبانَ بـالبَكمِ
البـدرُ دونـكَ فـي حُسـنٍ وفي شَرفٍ
والبحـرُ دونـك فـي خـيرٍ وفي كرمِ
شُـمُّ الجبـالِ إِذا طاولتَهـا انخـفضت
والأَنجُـمُ الزُّهـرُ مـا واسـمتَها تسِـمِ
واللّيــثُ دونـك بأْسًـا عنـد وثبتِـه
إِذا مشـيتَ إِلـى شـاكي السّـلاح كَمِي
تهفــو إِليـكَ – وإِن أَدميـتَ حبَّتَهـا
فـي الحـربِ – أَفئـدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ
محبـــةُ اللهِ أَلقاه، وهيبتُــه
عـلى ابـن آمنـةٍ فـي كـلِّ مُصطَدَمِ
كـأَنّ وجـهَك تحـت النَّقْـع بدرُ دُجًى
يضــيءُ مُلْتَثِمً، أَو غـيرَ مُلتثِـمِ
بــدرٌ تطلَّــعَ فــي بـدرٍ، فغُرَّتُـه
كغُـرَّةِ النصـر، تجـلو داجـيَ الظّلَـمِ
ذُكِـرْت بـاليُتْم فـي القـرآن تكرمـةً
وقيمةُ اللؤلـؤ المكنـونِ فـي اليُتـمِ
اللــهُ قسّــمَ بيــن النـاسِ رزقَهُـمُ
وأَنـت خُـيِّرْتَ فـي الأَرزاق والقِسـمِ
إِن قلتَ في الأَمرِ:”لا”أَو قلتَ فيه: “نعم”
فخيرَةُ اللهِ في “لا” منـك أَو “نعمِ”
أَخـوك عيسـى دَعَـا ميْتً، فقـام لهُ
وأَنــت أَحـييتَ أَجيـالاً مِـن الـرِّممِ
والجـهْل مـوتٌ، فـإِن أُوتيـتَ مُعْجِزةً
فـابعثْ من الجهل، أَو فابعثْ من الرَّجَمِ
قـالوا: غَـزَوْتَ، ورسْـلُ اللهِ ما بُعثوا
لقتْــل نفس، ولا جـاءُوا لسـفكِ دمِ
جـهلٌ، وتضليـلُ أَحـلامٍ، وسفسـطةٌ
فتحـتَ بالسـيفِ بعـد الفتـح بـالقلمِ
لمـا أَتـى لـكَ عفـوًا كـلُّ ذي حَسَبٍ
تكفَّــلَ السّــيفُ بالجُهّـالِ والعَمَـمِ
والشـرُّ إِن تَلْقَـهُ بـالخيرِ ضِقـتَ بـه
ذَرْعً، وإِن تَلْقَــهُ بالشـرِّ يَنحسِـمِ
سَـل المسـيحيّةَ الغـراءَ: كـم شرِبت
بالصّـاب مـن شَـهوات الظـالم الغَلِمِ
طريـدةُ الشّـركِ، يؤذيه، ويوسـعُها
فـي كـلِّ حـينٍ قتـالاً سـاطعَ الحَدَمِ
لــولا حُمـاةٌ لهـا هبُّـوا لنصرَتِهـا
بالسـيف; مـا انتفعـتْ بالرفق والرُّحَمِ
لــولا مكـانٌ لعيسـى عنـد مُرسِـلهِ
وحُرمَـةٌ وجـبتْ للـروح فـي القِـدَمِ
لَسُـمِّرَ البـدَنُ الطُّهـرُ الشّـريفُ على
لَوْحَـيْن، لـم يخـشَ مؤذيـه، ولم يَجمِِ
جـلَّ المسـيحُ، وذاقَ الصَّلـبَ شـانِئهُ
إِن العقــابَ بقـدرِ الـذنبِ والجُـرُمِ
أَخُـو النّبـي، وروحُ اللهِ فـي نُـزُل
فُـوقَ السّـماءِ ودون العـرشِ مُحترَمِ
علَّمْتَهــم كـلَّ شـيءٍ يجـهلون بـه
حـتى القتـالَ ومـا فيـه مـن الـذِّمَمِ
دعــوتَهم لِجِهَــادٍ فيــه سـؤددُهُمْ
والحـربُ أُسُّ نظـامِ الكـونِ والأُمـمِ
لـولاه لـم نـر للـدّولاتِ فـي زمـن
مـا طـالَ مـن عمـد، أَو قَرَّ من دُهُمِ
تلــك الشــواهِدُ تَـتْرَى كـلَّ آونـةٍ
في الأَعصُر الغُرِّ، لا في الأَعصُر الدُّهُمِ
بـالأَمس مـالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ
لـولا القـذائفُ لـم تثْلَـمْ، ولـم تصمِ
أَشـياعُ عيسـى أَعَـدُّوا كـلَّ قاصمـةٍ
ولــم نُعِـدّ سِـوى حـالاتِ مُنقصِـمِ
مهمـا دُعِيـتَ إِلـى الهيْجَـاءِ قُمْتَ لها
تـرمي بأُسْـدٍ، ويـرمي اللهُ بـالرُّجُمِ
عــلى لِــوَائِكَ منهـم كـلُّ مُنتقِـمٍ
لله، مُســتقتِلٍ فـي اللـهِ، مُعـتزِمِ
مُســبِّح للقــاءِ اللــهِ، مُضطـرِمٍ
شـوق، عـلى سـابحٍ كالبرْقِ مضطرِمِ
لـو صـادفَ الدَّهـرَ يَبغِي نقلةً، فرمى
بعزمِـهِ فـي رحـالِ الدهـرِ لـم يَرِمِ
بيـضٌ، مَفـاليلُ مـن فعلِ الحروبِ بهم
من أَسْـيُفِ اللـهِ، لا الهندِيـة الخُـذُمِ
كـم فـي الـترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ
من مـاتَ بـالعهدِ، أَو من مات بالقسَمِ
لـولا مـواهبُ فـي بعـضِ الأَنام لما
تفـاوت النـاسُ فـي الأَقـدار والقِيَـمِ
شــريعةٌ لـك فجـرت العقـولَ بهـا
عـن زاخِـرٍ بصنـوفِ العلـم ملتطِـمِ
يلـوحُ حـولَ سـنا التّوحـيدِ جوهرُها
كــالحلْي للسّـيف أَو كالوشْـي للعَلـمِ
غـرّاءُ، حـامت عليهـا أَنفسٌ، ونُهًـى
ومـن يَجـدْ سَلسَـلاً مـن حكمـةٍ يَحُمِ
نـورُ السّـبيل يسـاس العـالَمون بهـا
تكــفَّلتْ بشــباب الدّهــرِ والهَـرَمِ
يجـري الزمّـانُ وأَحكـامُ الزّمانِ على
حُـكم له، نـافِذٍ فـي الخلق، مُرْتَسِمِ
لـمَّـا اعْتلَـت دولـةُ الإِسلامِ واتسَعت
مشــتْ ممالِكُـهُ فـي نورِهـا التَّمـمِ
وعلَّمــتْ أُمــةً بــالقفر نازلــةً
رعْـيَ القيـاصرِ بعـد الشَّـاءِ والنَّعَمِ
كـم شَـيَّد المصلِحُـون العـاملون بها
فـي الشـرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
للعِلـم، والعـدلِ، والتّمـدينِ ما عزموا
مـن الأُمـور، ومـا شـدُّوا من الحُزُمِ
ســرعان مـا فتحـوا الدّنيـا لِملَّتِهـم
وأَنهلوا الناسَ مـن سَلسـالها الشَّـبِمِ
سـاروا عليهـا هُـداةَ الناس، فَهْي بهم
إِلـى الفـلاحِ طـريقٌ واضـحُ العَظَـمِ
لا يهـدِمُ الدَّهـرُ رُكنًـا شـاد عـدلُهُمُ
وحــائط البغــي إِن تلمسْـهُ ينهـدِمِ
نـالوا السـعادةَ فـي الدَّارين، واجتمعوا
عـلى عميـم مـن الرضـوان مقتسـمِ
دعْ عنـك روم، وآثِين، ومـا حَوَتا
كــلُّ اليـواقيت فـي بغـدادَ والتُّـوَمِ
وخــلِّ كِسـرى، وإِيوانًـا يـدِلُّ بـه
هــوى عـلى أَثَـرِ النّـيران والأيُـمِ
واتْـرُكْ رعمسـيسَ، إِن الملـكَ مَظهرهُ
فـي نهضـة العدل، لا في نهضة الهرَمِ
دارُ الشــرائع رومـا كلّمـا ذُكـرَتْ
دارُ الســلام لهـا أَلقـتْ يـدَ السَّـلَمِ
مــا ضارَعَتهـا بيانًـا عنـد مُلْتَـأَم
ولا حَكَتهــا قضـاءً عنـد مُخـتصَمِ
ولا احـتوت فـي طِـرازٍ مِن قياصِرها
عــلى رشـيدٍ، ومـأْمونٍ، ومُعتصِـمِ
مــن الــذين إِذا ســارت كتـائبُهم
تصرّفــوا بحــدود الأَرض والتّخُـمِ
ويجلســونَ إِلــى علــمٍ ومَعرفـةٍ
فــلا يُدانَـوْن فـي عقـل ولا فَهَـمِ
يُطــأْطئُ العلمـاءُ الهـامَ إِن نَبَسُـوا
مـن هيبـةِ العلْـم، لا مـن هيبة الحُكُمِ
ويُمطِـرون، فمـا بـالأَرضِ من مَحَلٍ
ولا بمـن بـات فـوق الأَرضِ من عُدُمِ
خــلائفُ اللـه جـلُّوا عـن موازنـةٍ
فــلا تقيسـنّ أَمـلاكَ الـورى بهـمِ
مَـنْ فـي البريـة كالفـاروق مَعْدَلَةً؟
وكـابن عبـد العزيـز الخاشعِ الحشمِ؟
وكالإِمــام إِذا مــا فَـضَّ مزدحمًـا
بمــدمع فـي مـآقي القـوم مزدحـمِ
الزّاخـر العـذْب فـي علْـم وفي أَدبٍ
والنـاصر النَّـدْب في حرب وفي سلمِ؟
أَو كـابن عفّـانَ والقـرآنُ فـي يـدِهِ
يحـنو عليـه كمـا تحـنو عـلى الفُطُمِ
ويجـــمع الآي ترتيبًــا وينظمُهــا
عقـدًا بجـيد الليـالي غـير منفصِـمِ؟
جُرحـان فـي كبـدِ الإِسـلام ما التأَما
جُـرْحُ الشـهيد، وجـرحٌ بالكتاب دمي
ومــا بــلاءُ أَبــي بكـر بمتَّهـم
بعـد الجـلائل فـي الأَفعـال والخِـدمِ
بـالحزم والعـزم حـاطَ الدّين في محنٍ
أَضلَّــت الحـلم مـن كهـلٍ ومحـتلمِ
وحِـدْنَ بالراشـد الفـاروق عـن رشدٍ
فـي المـوت، وهـو يقيـنٌ غير منبَهمِ
يجــادِلُ القــومَ مُسْــتَلاًّ مهنَّــدَه
فـي أَعظـم الرسْلِ قدرً، كيف لم يدمِ؟
لا تعذلــوه إِذا طــاف الذّهـولُ بـه
مـات الحـبيبُ، فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ
يـا ربِّ صَـلِّ وسـلِّم مـا أَردتَ على
نـزيل عرشِـك خـيرِ الرّسْـل كـلِّهمِ
مُحــيي اللّيـالي صـلاةً، لا يقطِّعُهـا
إِلاَّ بــدمع مــن الإِشـفاق مُنسـجمِ
مســبِّحًا لـك جُـنْحَ اللّيـل، محـتملاً
ضُـرًّا مـن السُّهد، أَو ضُرًّا من الورَمِ
رضيَّــة نفسُــه، لا تشـتكي سـأمًا
ومـا مـع الحـبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ
وصــلِّ ربِّـي عـلى آلٍ لـهُ نُخَـبٍ
جـعلتَ فيهـم لـواءَ البيـتِ والحـرمِ
بيـضُ الوجـوه، ووجهُ الدّهر ذو حَلَكٍ
شُـمُّ الأُنـوف، وأَنـفُ الحادثات حمي
وأَهــد خـيرَ صـلاةٍ منـك أَربعـةً
فـي الصّحـب، صُحبتُهم مَرْعيَّةُ الحُرَمِ
الــراكبين إِذا نــادى النبــيُّ بهـم
مـا هـال مـن جَـلَلٍ، واشتد من عَمَمِ
الصّــابرين ونفسُ الأَرض واجفــةٌ
الضّــاحكين إِلـى الأَخطـار والقُحَـمِ
يـا ربِّ، هبـتْ شـعوبٌ مـن منيّتهـا
واســتيقظت أُمَـمٌ مـن رقْـدة العـدمِ
سـعدٌ، ونحـسٌ، ومُلـكٌ أَنـت مالِكـه
تُــديلُ مِـنْ نِعَـم فيـه، ومِـنْ نِقَـمِ
رأَى قضــاؤك فينــا رأْيَ حكمتِـه
أَكـرِمْ بوجـهك مـن قـاضٍ ومنتقـمِ
فـالطُفْ لأَجـلِ رسـولِ العـالمين بنا
ولا تزدْ قومَــه خسـفً، ولا تُسـمِ
يـا ربِّ، أَحسـنت بَـدءَ المسـلمين به
فتمِّـم الفضـلَ، وامنـحْ حُسـنَ مُخْتَتَمِ