حكم المسلمون الأندلس
محتويات المقال
الأندلس
إنّ حاضر المسلمين في أيامنا هذه لا يختلف عما حصل للأندلس، فما وصلوا إليه كان نتيجة الضعف، والفرقة؛ فجاءت الهزيمة التي فككت الأندلس، وأخرجت المسلمين من أرضها، والأندلس مثلها مثل أي أرض مسلمة تعيش في شعور المسلمين، فهم يتحرّقون شوقاً لأن يأتي ذلك اليوم لجمع شمل المسلمين وتوحيد أراضيهم. يكاد معظم الناس في عصرنا هذا يجهلون تاريخ الأندلس، والتي دام حكمها في أيدي المسلمين لعدة قرون، ومرت بعدة مراحل من الفرقة والتوحد، والخيانات، والبطولات، وازدهار العلم، والبناء، والحضارة، فكم دام حكم المسلمين في الأندلس؟
عدد سنوات حكم المسلمين في الأندلس
إنّ الأندلس مرت بعدة مراحل، على مرّ ما يقارب الثمانية قرون، والتفصيل كالتالي:
عهد الولاة
(من عام 95 – 138 هجري). في عام 92 هجرية فتح طارق بن زياد الأندلس، ثمّ قادها بعد الفتح أول والٍ عليها وهو عبد العزيز بن موسى بن نصير، وقد كان هذا العصر تتمّة لعصر الفتوحات، وتوالى على ولاية الأندلس اثنان وعشرون والياً، ولم يكن هذا العصر مستقراً، وآخر ولاة الأندلس في هذا العهد هو يوسف الفهري، حيث استمرت ولايته تسع سنوات وتسعة أشهر.
عهد عبد الرحمن الداخل والدولة الواحدة
وهو (من عام 138 – 399 هجري)
- في عام 132 هجري انتهت الدولة الأموية، وبدأت الدولة العباسية؛ حيث تولّى الخلافة أبو العباس السفاح، وبدأ بتتبع الأمويين الذي تواروا عن الأبصار، وتفرّقوا في البلدان، وكان من ضمنهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام المعروف بصقر قريش عبد الرحمن الداخل، والذي استطاع الفرار منهم.
- استطاع عبد الرحمن الداخل التواصل مع من في الأندلس، ووجد له أنصاراً هناك، ودخل الأندلس، وجمع الناس من حوله، وحصلت المعركة الفاصلة بينه وبين والي الأندلس يوسف الفهري، وهزمه في هذه المعركة التي سميت (المصارة)، وفرّ يوسف الفهري هارباً.
- في عام 138 هجري دخل صقر قريش قرطبة، ولقّب بالداخل لأنه أول من دخل الأندلس حاكماً من الأمويين، وتمت سيطرته على قرطبة، وبعدها توجه إلى المسجد، وخطب في الناس، وكان يوم جمعة، وطمأنهم، وبثّ فيهم الأماني بمستقبل زاهر، وبدولة يعمها الخير، والعدل، وكونه خليفة أموي، اعتبر المؤرخون ولايته على الأندلس امتداداً للخلافة الأموية، إلا أنّ هذه الخلافة الأموية فعلياً قد انتهت، وحلت محلها الخلافة العباسية.
- أثناء توليه الأندلس قامت ضده خمسٌ وعشرون ثورة، استطاع أن يهزمها جميعاً، ودامت ولايته إلى أن توفّى في عام 172 هجري؛ حيث تولاها ابنه هشام.
- استمر حكم الأندلس على يد أمير واحد حتى عام 399 هجري، وكان آخر ولاتها عبد الرحمن بن الحاجب المنصور (شنجول)، وبعدها تمزقت الأندلس، وعاشت بعد ذهاب الخلافة سنوات من الفرقة والتمزق إلى دول وممالك، حتى بلغت اثنتين وعشرين إمارة.
عهد ملوك الطوائف
(من عام 400 – 483 هجري). أصبحت الأندلس عبارة عن دويلات، أو طوائف، لذلك سمّى المؤرخون هذا العهد بعهد ملوك الطوائف؛ حيث بدأت كل عائلة مرموقة بالسيطرة على مدينة، وقد وصل عدد هذه الطوائف إلى عشرين طائفة وهي: (بلنسية، ودانية والبليار، والبوت، وأركش، وقرطبة، ووَلبة، وغرناطة، وشنتمرية، ومورور، ومرسية، وقرمونة، والمرية، ورندة، وسرقسطة، وبطليوس، وإشبيلية، ولبلة، وباجة، وطليطلة، وبربشتر، وشنتمرية الغرب)، وقد استغلّ النصارى هذا التمزق، وسيطروا على ثلث الأندلس، وعاش الأندلسيون حياة من التمزق، والصراعات، أدت بعد ذلك إلى سقوط طليلطة، عندها قرر علماء الأندلس الاستعانة بالمرابطين آملين بذلك حماية الأندلس وتوحدها.
عهد المرابطين
(من عام 483 – 541 هجري)
- المرابطون هم قبيلة من البربر، وأطلق عليهم اسم المرابطين لأنّهم أقاموا رباط الخيل للاستعداد في سبيل الله، لقوله عليه الصلاة والسلام: “رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها” (متفق عليه)، وكان يطلق عليهم اسم المتلثّمين، لأنهم كانوا يضعون اللثمام على وجوههم.
- عندما استعان أهل الأندلس وعلماؤها وملوكها بالمرابطين، كان أمير المرابطين وقتها يوسف بن تاشفين، والذي عُرف بدينه وقوته العسكرية، وبالفعل حضر ابن تاشفين إلى الإندلس، ولكن ملوك الطوائف اشترطوا عليه أن يُقدّم لهم المعونة العسكرية، وينصرهم على النصارى الذين كان يقودهم آنذاك الفونسو وأنه وبعد انقضاء مهمته يخرج من الأندلس، ويتركهم يحكموا دولتهم بأنفسهم، فوافق ابن تشافين على ذلك شريطة أن لا يعاهدوا الفونسو بعد ذلك ولا يُقدّموا له المال، كسابق عهدهم، ولا يضعوا يدهم بيده، وعلى ذلك تم الاتفاق.
- حضر ابن تاشفين وعسكر جنوب الأندلس، ثمّ حارب الفونسو وحارب معه بعض ملوك الطوائف، وشاركوه الحرب، وأشهر المعارك هي معركة الزلاقة، التي هزم فيها ابن تاشفين الفونسو هزيمة ساحقة.
- بعد انتهاء المهمة غادر ابن تاشفين الأندلس، وعاد إلى المغرب، ولكنه بعدها علم بأنّ ملوك الطوائف نقضوا عهدهم معه، وخانوا الأمة الإسلامية، وعادوا إلى سابق عهدهم في محاباتهم لألفونسو، عندها قرر ابن تاشفين العودة إلى الإندلس، وتوحيدها، وقام بنفي ملوك الطوائف ومن ضمنهم كبيرهم وأعظمهم شأناً المعتمد بن عباد، ونفاه إلى المغرب.
- بدأ ابن تاشفين بعد ذلك بتوحيد الأندلس، واستطاع ذلك، وفي عام 500 هجري توفى ابن تاشفين، وولى ابنه علي على ولاية الأندلس، وكان ذلك في عام 495 هجري، وعند وفاته تولى ابنه علي إمارة المرابطين، وعاد للمغرب وجعل أخيه تميم قائد جيوش المرابطين في الأندلس.
- في عام 540 وقعت معركة تُسمّى الوقيعة الكبرى؛ حيث هُزم المسلمون على يد النصارى الذين حاربوا الأندلسيين والمرابطين معاً لإخراجهم من الأندلس.
- في عام 541 هجري انتهى حكم المرابطين في المغرب، وبدأ حكم الموحدين، وأشار المؤرخون أنه لولا قدوم المرابطين إلى الأندلس، لسقطت قبل أربعة قرون من سقوطها، واتفقوا جميعاً على هذه المقولة؛ حيث إن حضور المرابطين أخر سقوطها أربعة قرون.
عهد الموحدين
(من عام 541 – 635 هجري). دعوة الموحّدين تعود لأبي عبد الله المهدي محمد بن تومرت، وهو بربري الجنس، وبعد أن توفى أوصى بالأمر لابنه عبد المؤمن، وهو الذي حارب المرابطين، وتمكن الموحدون من بسط سيطرتهم على بعض المناطق التي كانت بيد المرابطين، وفي عام 635 انتهى حكم الموحدين في الأندلس، وكان آخر ولاة الموحدين هو أبي يوسف يعقوب المريني.
عهد مملكة غرناطة وانتهاء حكم المسلمين في الأندلس
(من عام 635 – 897 هجري)
- بعد انتهاء حكم الموحدين، أرسل أهل غرناطة إلى ابن الأحمر يستدعونه؛ حيث تمت مبايعته أميراً لمملكة غرناطة، وبدأت الدولة الجديدة، والتي عرفت بــ (الأندلس الصغرى) دولة بني الأحمر في جنوب الأندلس.
- ما جعل مدينة غرناطة مدينة منيعة هو أنّها كانت قريبة من جبل طارق، وكذلك نتيجة لبُعد المناطق النصرانية عنها، كما أنّ أهل الأندلس وممن لهم الفضل انحازوا إلى غرناطة بعد سقوط المدن، إضافةً إلى الحمية التي أثارها العلماء، فتحرك الناس بالنخوة الشرعية، وحماية الأعراض لحفظ ما بقي من الأندلس.
- حكم المسلمين للأندلس أصبح منحصراً على مملكة غرناطة، ودام ذلك الحكم إلى عام 897 هجري، وقد أرسل الملك أبو عبد الله آخر ملوك غرناطة يسأل النصارى الإذن بمغادرة الأندلس؛ حيث غادر الأندلس، واستمرت المنظمات الإسلامية في الأندلس لفترة، وآخر وجود لهم كان في عام 1183.
ومن خلال هذا الاستعراض لحياة الأندلسيين، وحال حكامها، والمراحل التي مرت بها، يتبين لنا بأنّ حكم المسلمين في الأندلس قد امتد منذ عام 95 هجري إلى عام 897 هجري، أي ما يقارب الثمانية قرون (ثمانمائة سنة وأكثر).