بحث عن الديانه المصريه القديمه ، بحث كامل عن الديانه المصريه القديمه جاهز بالتنسيق ، مقال عن الديانه المصريه القديمه
بلغت الحضارة المصرية درجة كبيرة من التقدم والرقي؛ فهي مهد حضارات العالم، بل وتعتبر أول حضارة متكاملة في التاريخ؛ نظراً لاشتمالها على كثير من الفنون والعلوم والآداب.وما خلفه وراءه المصري القديم يعتبر إنجازاً ضخماً بشهادة التاريخ قديمه وحديثه. ولقد كان للفراعنة فلسفتهم الحضارية الخاصة, والتي قامت على ثوابت كالموت والخلود, والفيضان والزراعة، وغيرها.
وبلغ الدين منها مبلغاً عظيماً؛ حيث دخل في جميع جنبات الحياة فيها،ولا نكون مغالين إذا قلنا: إن الحضارة المصرية حضارة دينية يقول هيرودوت: ” إن المصريين أشد البشر تديناً, ولا يعرف شعب بلغ في التدين مبلغهم, فإن صورهم في جملتها تمثل أناساً يصلون أمام إله, وكتبهم في الجملة أسفار عبادة ونسك “.
بل إن مصر هي مسرح أول ديانة بشرية ظهرت على وجه الأرض حيث “يجمع الباحثون على أن الديانة المصرية هي أولى الديانات البشرية التي ظهرت على وجه الأرض من غير استثناء، ويؤكد بعضهم تأكيداً قاطعاً أنه لم تظهر ديانة في الدنيا[ يعني الديانات البشرية] إلا ولها في عقائد وادي النيل عنصر، وأن كل الديانات التي ظهرت في بلاد الشرق القديم ليست إلا فتاتاً متساقطاً حول مائدة بلاد الفراعنة؛ الذين سبقوا سكان الكرة الأرضية إلى حمل لواء المعرفة, وفتح كثير من مغلقات العلم, وحل ألغاز الكون “.
ولقد عبد المصريون آلهة لا حصر لها، وكان لكل منطقة مهما كانت صغيرة إلهاً خاصاً بها, وفي بعض الأحايين أكثر من إله, حتى كثر عددهم، وتعددت أنواعهم؛ شأنهم في ذلك شأن كل الديانات البدائية، أو الديانات الطبيعية.
فلقد أسبغوا الشرف على عدد ضخم من الآلهة إلى حد أن قائمة أسمائهم وحدها تملأ مجلداً كاملاً.. إذ كان لكل قرية أو مدينة، رب خاص معين.
وتطور الدين عندهم إلى أن وصلوا إلى التوحيد على يد (إخناتون) ولكنه كان توحيداً وثنياً؛ حيث وحد الآلهة في إله واحد هو الشمس تحت اسم (رع). وكذلك آمنوا بأوزوريس واعتقدوا أنه روح هذه الحياة المثمرة, وكانوا يرون فيه رمزاً للموت ثم للحياة مرة أخرى, ثم حدث تطور حيث اعتقدوا أن أوزوريس هو النيل.
والخلاصة: أن الألوهية في مصر قد مرت بالمراحل كلها من الطوطمية* إلى التوحيد.
كما اعتقد المصريون القدماء بأن هناك يوم آخر تعود فيه الروح إلى الجسد، ويحاسب فيه الإنسان أمام قاعة العدل؛ حيث يجلس اثنان وأربعون قاضياً برئاسة أوزيريس، فيسأل عما قدمت يداه ولا مدافع له إلا نفسه، ويذهب حسب عمله إما إلى الجنة عن يمين أوزيريس في فردوس السماء، أو إلى الجحيم حيث العذاب.
والحاصل أن المصريين القدماء اعتقدوا بخلود الروح, وبأن هناك آخرة, كما اعتقدوا في الثواب والعقاب, والجنة والنار. وهذه إنما هي بقايا من آثار دعوات الأنبياء الذين شرفت بهم مصر.
و الدين المصري القديم دين أسطوري ملكت الأسطورة فيه كل شيء؛ وهذا طابع الديانات البدائية. ” ففي الديانات البدائية الوثنية المرتبطة بالطبيعة ارتباطاً عضوياً ـ كالديانة المصرية ـ نمت الأسطورة كوسيلة تعبير دينية تتناسب مع البنية العقلية للإنسان في عصور نشأته الأولى في أحضان الطبيعة, وفي ظل تقديسه للطبيعة وعناصرها “.
ولقد كانت البيئة المصرية باعثة على الإبداع العقلي؛ فالنيل بطبيعته الخلابة, والأرض بخضرتها ويبوستها, وتنوع فصول العام, والبحر بمده وجزره, والشمس بإشراقها وغروبها, والقمر بنوره وسحره, والجو واعتداله؛ كل ذلك كان معيناً لا ينضب للفكر المصري الخلاق, وثروة لإبداعه الأدبي؛ فأنتج لنا كلُ ذلك: التراثَ الأسطوري المصري الذي ما وجد مثيل له عند أمة من الأمم، ولا أدل على ذلك من أنك تجد في كل حضارة شكلاً واحداً في الأسطورة المتحدثة عن مظهرٍ من المظاهر، أما في الأسطورة المصرية فالأمر يختلف حيث تجد في الموضوع الواحد أكثر من أسطورة يختلف بعضها عن بعض، بل قد تتناقض أحياناً، فهناك مثلاً موضوع (كالخلق) تجد له أربع أساطير مختلفة.
يقول كارم محمود عزيز: ” وهكذا نجد أساطير الخلق المصرية تتعدد بحيث تتسع للعديد من الأفكار المتناقضة أحياناً بما يدل على ثراء الفكر والإبداع الأسطوريين في مصر القديمة “.
وهكذا كانت حرية الاعتقاد سبباً في تعدد وتنوع الفكر الأسطوري المصري القديم, وقبوله رغم تناقضه.
وبالنظر إلى الأساطير المصرية القديمة نجد أنها: أعمال أدبية يقرؤها ويكتبها غالبا كتاب موهوبون مبرزون في اللغة؛ فهي جزء هام من الآداب المصرية القديمة، ولم يكن القصد منها أن تكون سمراً لعامة الناس، إنما كانت موجهة إلى خاصة القراء. وتنقسم إلى ما يلي:
1ـ الحكاية المسرودة: وهي حكايات استخدمت فيها موضوعات أقرب إلى السرد منها إلى الوقائع التاريخية.
2ـ القصة الفلسفية: وهي قصص رمزية كقصة الصدق والكذب اللذين تقابلا فقهر الأول الثاني.
3ـ القصة النفسية: كقصة المرأة التي تحب شاباً يصدها فتشيع خبره عند زوجها.
4ـ المعجزات والغرائب والسحر: كقصة الفلاح الغريق.
ولقد حاول المصري القديم في تصوره الأسطوري أو عن طريق الأسطورة ـ التي تجري على لسان البشر ـ فهم ما لا يمكن إدراكه بالعقل الإنساني كالعالم الإلهي المتمثل في خلق الكون بما فيه من شمس وقمر, وليل ونهار, وبحار وأنهار, وصحاري وقفار، ورعد وبرق، وهطول أمطار، وحدوث فيضان، أو انحسار للأنهار، وغيرها من مظاهر الكون وظواهره؛ فكانت مسار أسئلة وجدل بالنسبة له، فحاول أن يرضي غروره ونهمه في التطلع إلى ما جهل منها، وسبر أغوار ما عجز عن فهمه، أو تفسيره من أسرار مظاهر الكون هذه، وما تطلع إليه فيما غاب وخفي عنه، فيما وراء الطبيعة (كتصور الحياة الآخرة). يقول عبد الحميد زايد: ” واستخدمت الديانة المصرية التصورات الأسطورية لشرح بعض ما كان يؤمن به الناس ويمجدونه أو يمجونه، ومارس اللاهوت المصري الأساطير في الكثير من مناحي الحياة، وظهرت الأساطير المصرية أولا: على هيئة ترانيم وصلوات وشعائر. ثانيا: على أنها أفعال: فأقيمت احتفالات مثلت فيها معارك إلهية ومسرحيات.. مستوحاة من أسطورة أوزوريس. ثالثا: ظهرت الأساطير في الأشياء والصور، فنجدها في الأشكال والرموز والنباتات والأجرام السماوية “.
ومن خلال النظرة المتفحصة نجد أن الأسطورة المصرية كانت تأملية، ولم تكن تخيلية. أي أنها نتاج فكر عميق وبحث دقيق في كل ما يحيط بهذا المصري من الكون الفسيح، وكذلك فيما يتطلع إليه ويحلم به من مستقبل عريض وليست مجرد وحي خيال محض.
ويلاحظ أن الأساطير المصرية كانت كثيراً ما تتغير عبر الآلاف الثلاثة الأولى من عمر الحضارة المصرية؛ وذلك نتيجة لخلق تصورات جديدة، واستمرت هذه التغيرات بعد عام220 ق. م تقريبا، مع وجود علاقات جديدة بأفكار أساسية قديمة.. وبالرغم من التغيير الذي بدا واضحا في الأسطورة المصرية فإن صانع الأسطورة كان دائما يميل إلى المحافظة.. وكان للطابع المحافظ للأسطورة المصرية هذا أثره في حمايتها من التحلل منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وتميزت الأسطورة المصرية بالصمود الذي كان سبباً في استمرار الديانة المصرية، والذي ساهم في زيادة التصورات الأسطورية وتعقدها. وكان سبب هذا التغير الكبير عدم التعصب الذي كان سمة غالبة على الديانة المصرية؛ ففتح المجال لكل من أراد أن يبدع دون حرج أو تحرج.
وهذا التراث الأسطوري الضخم والعميق كان له تأثير على أساطير الحضارات المجاورة؛ حتى أن هناك من قال بأنه: ” يمكن إرجاع كل الميثولوجيا والأديان إلى مصدر واحد هو مصر “.
* الطوطم : كلمة نسبة إلى نظام تديني قديم يقوم على تقديس بعض الحيوانات أو الطيور أو النباتات على أنها آلهة أو رمزاً للآلهة تتخذه بعض القبائل رمزاً لها و لقباً لجميع أفرادها، وقيل مأخوذ من لغة الهنود الحمر في أمريكا الشمالية. وهو اسم لم يتفق بعد على ضبطه ولا تحديد معناه .. ويفسر تارة بمعنى موطن العشيرة ومستقرها ,وتارة بمعنى العلامة والشعار. الدين د/ عبد الله دراز ص150/ وآلهة في الأسواق: رؤوف شلبي، ص 254.