الغموض يكتنف المشهد وماكرون في مأزق .. بقلم محمد عبد الله
السودان اليوم
انتشر ست وتسعون الف شرطي وعنصر أمن في الأراضي الفرنسية لمواجهة التظاهرات الشعبية العارمة التي انداحت ككرة الثلج وأصبحت حالة التعبئة العامة تغطي الجمهورية الفرنسية ككل ومدينة الحرية والنور باريس بشكل خاص ، وما أزم الامور واقلق الفرنسيين أن مطالب الجماهير لم تعد تنحصر في إلغاء الزيادات علي أسعار الوقود وتخفيض الضرائب بل فقد الشعب – علي الأقل في غالبه – الثقة في السلطة التنفيذية إذ رفض المتظاهرون الوعود التي اعلن عنها رئيس الوزراء بتخفيض الضرائب علي الطاقة ، وارتفع سقف مطالبهم وتحولت من مطلبية وخدمية إلي سياسية حادة تنادي بضرورة رحيل ماكرون ، وهذه التحولات الكبري تضع كل الحكومة الفرنسية بأجهزتها المختلفة في مأزق كبير بل كل النظام الديمقراطي يجد نفسه يمر باختبار صعب ودقيق فلا إمكانية لقمع التظاهرات كما يحدث عندنا في عالمينا العربي والإسلامي ويصعب الصبر علي الحراك المتوسع باستمرار والذي يخيف الحكومة ويضيق خياراتها في التعامل معه والوصول إلي حل لهذه الهزة العنيفة .
الآن يدخل الحراك الشعبي أسبوعه الرابع – إذ يتظاهرون كل سبت – والغضب الشعبي قد بلغ مداه من الحكومة حتي ان مشاركين في التظاهرات قالوا إن الرئيس ماكرون وحكومته تأخروا في الاستماع لصوت الجماهير المطالبة بإصلاحات اقتصادية وتحسينات معيشية وهذا ما جعل الفجوة اليوم تتسع بين الحكومة والجمهور.
متظاهرون تحدثوا عن شرخ اجتماعي كبير أحدثته سياسات الرئيس ماكرون في المجتمع الفرنسي بعد أن اتجهت لدعم الأغنياء وتقديم التسهيلات لهم والتوسع في فرض ضرائب تقع مباشرة علي عموم الناس مع إعفاءات كبري منحها الرئيس لأثرياء البلد مكافأة لهم علي دعمهم الذي أوصله إلي السلطة لا حبا فيه ولا قبولا واقتناعا ببرنامجه الانتخابي وانما تجنبا لفوز مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبان التي خافها الأثرياء فدعموا ماكرون ووجد نفسه مجبرا علي رد الجميل لهم.
الشارع الفرنسي بحكومته ومتظاهريه ظل يحبس الأنفاس قلقا من انفراط الأمن وزيادة اعمال العنف في المظاهرات كما حدث في اليوم الأول من شهر ديسمبر وكان يصادف الاسبوع الثالث للحراك الشعبي ويومها وقع جرحي واندلعت حرائق وأعمال تخريبية وتم اعتقال عشرات الناس سواء بتهمة التخريب أو الاشتباه في تورطهم في أعمال شغب محتملة وهذا الاحتقان أربك الحكومة ورئيسها وأخاف المجتمع من وقوع الديموقراطية العريقة في مأزق وشل الحياة التجارية وهدد الاقتصاد الفرنسي إذ لأول مرة تضطر مراكز تسويقية كبري إلي إغلاق أبوابها مع اقتراب موسم اعياد الميلاد ورأس السنة وهو وقت تبلغ فيه الحركة التجارية والسياحية ذروتها لكن الاضطرابات أربكت السوق واقلقت الجميع .
لا احد يدري ما الذي تؤول إليه الأمور في بلاد الحرية والديموقراطية لكن من المؤكد أن تحولات ستحدث وسيدفع ماكرون ثمن تعنته وإصراره منذ مجيئه للسلطة علي رفض الاستماع إلي النقابات العمالية والاتحادات المهنية وتصميمه علي عدم التعامل معهم واليوم افتقد أجهزة كانت ستتفاوض معه وحكومته نيابة عن المتظاهرين وتخفيض التوتر منعا لسيناريوهات مؤسفة أن تقع لكن الرئيس الفرنسي بسياسته الحادة تجاههم لايمكنه اليوم اللجوء إليهم لنزع فتيل الفتنة ولو فعل فإن يستجيبوا له وهذا ما يجعله مختارا لايظري ماذا يفعل .