الشركات الحكومية الرمادية الخاصة!.. بقلم محمد وداعة
السودان اليوم:
في عام 2014م، كشف المسجل التجاري الأستاذة هند عبد الرحمن الخانجي، عن وجود عدد (177) شركة تساهم فيها أجهزة الدولة، غير موفقة لأوضاعها القانونية منذ تأسيسها الذي مضت عليه سنوات، وعليه بموجب السلطات المخولة للمسجل التجاري وفقاً لأحكام المادة (238) لقانون الشركات لعام 1925م فقد تم حذفها من سجل الشركات، كما أن الشركات الحكومية العاملة حالياً بلغت (251) شركة، منوهة إلى أن هناك توجيهاً من قبل مجلس الوزراء منذ مطلع العام 2013م يقضي بعدم تسجيل أي كيان تجاري (شركة أو اسم عمل) تساهم فيها الدولة إلا بعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء، مؤكدة أن هذا التوجيه قلل عدد الكيانات التجارية الجديدة التي تساهم فيها الدولة بنسبة كبيرة، بدليل أن عددها بلغ (11) شركة طيلة عام 2013م، ونفت المسجل التجاري المعلومات التي ترددت عن وجود شركات حكومية غير مسجلة، مضيفة لا توجد أية شركة حكومية غير مسجلة لدى المسجل التجاري، مشيرة إلى أن حملات المراجعة الميدانية أبرزت ضرورة إلزام جميع الشركات وفروع الشركات الأجنبية، بكتابة وصف مقر الشركة عند تقديم أي طلب لإجراء أية معاملة بالمسجل التجاري، حتى يكون المسجل على علم بمقار الشركات المسجلة لديه، وقد اتضح بعد ذلك أن تقديرات الخانجي ليست دقيقة، لأن الحملات التفتيشية اللاحقة كشفت عن وجود شركات حكومية عديدة غير مدرجة بسجل الشركات الحكومية بوزارة المالية..
وأوضح الاقتصادي د. بابكر محمد توم في ذات العام أن تصفية الشركات الحكومية سياسة معلنة كجزء من سياسات تحرير الاقتصاد وتشجيع القطاع الخاص، وهناك متابعة لها من قبل أجهزة الدولة العليا لضمان إنفاذها، لأن وجود شركات حكومية منافسة للقطاع الخاص يؤدي إلى تشوهات في الاقتصاد وسوء استغلال للمواردة؛ وخرق لوحدة الموازنة؛ لأن هناك أموالاً يفترض توجيهها في الإطار المتفق عليه؛ وأكد بابكر أن الشركات الحكومية لم يثبت لها دور يدعم الاقتصاد الوطني؛ وتسببت في حجب الموارد وقللت من التنافسية، تقارير المراجع العام لم تخلُ من الإشارة لعدم الشفافية في بعض هذه الشركات وعدم التقيد بالضوابط واللوائح، واعتقد أن الدولة ماضية في سياساتها وملتزمة بإتاحة الفرص كاملة للقطاع الخاص في المجال التجاري والاقتصادي؛ بجانب تقليص دور هذه الشركات، مشيراً إلى أن هناك أدواراً لجهات المسجل التجاري والأجهزة الرقابية الأخرى يفترض تمنع قيام الشركات الحكومية، إضافة إلى أن قيام شركات حكومية جديدة يعني اختراقاً للتوجيهات الصادرة في هذا الشأن من الحكومة والبرلمان..
أبدى البرلمان انزعاجه من أن عدد الشركات الحكومية بلغ (117) شركة مجهولة الهوية بالنسبة للمالية والمراجع العام، وهناك 27 معلومة تتبع للأجهزة الأمنية، منها 14 للقوات المسلحة و4 للشرطة و9 لجهاز الأمن، (العام الماضي كان العدد أقل)، وهذا يعني ببساطة أن قرارات الرئيس لا تجد طريقها للتنفيذ، وأن عدد الشركات الحكومية يتزايد بالرغم من قرار السيد رئيس الجمهورية القاضي بعدم تأسيس شركات حكومية جديدة وتخصيص وتصفية الشركات القائمة، الواضح أن هنالك شركات جديدة يتم تأسيسها على المستوى الولائي والاتحادي وأخرى خارج البلاد ومن وراء البحار، وأن هنالك من تفتق ذهنه وعبقريته ودهائه وقام بعملية تخصيص على طريقة (زيتنا في بيتنا)، وبطريقة مفضوحة وشكلية تم نقل الأسهم من(أحمد لي حاج أحمد) ، ومنهم من تحايل على لائحة المراجع العام وقرارات مجلس الوزراء والبرلمان وأوجد وابتكر مساهمين (قرايب وحبايب) وزاد مساهمة القطاع الخاص في شركته (الحكومية) إلى ما يزيد عن 20 % وذلك حتى لا يخضع لسلطة المراجع العام، هذه الشركات الحكومية هي وقف لأهل المسؤول الأول وكبار مساعديه، فهم فيها يعملون، وعلى خدماتها يتعاقدون بشركات أخرى خاصة، هذه الشركات لا توفر للميزانية أي إيرادات، وتظهر حساباتها تضخماً في الأصول، وسيولة تكاد لا تذكر، ويتم ترحيل متأخرات الميزانية التي انقضى أجلها لتصبح بقدرة قادر إيرادات للميزانية الجارية، وهي شركات لا تساهم ولا تقدم شيئاً لا للدولة ولا للمجتمع، تقارير المراجع العام أن هذه الشركات بها مخالفات (مهولة)- والتعبير للبرلمان – تمثلت في عدم طرح العطاءات للمنافسة العامة في مخالفة صارخة لقانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض ولائحة المشتريات الحكومية وقانون ديوان الحسابات والمراجعة القومي، والتعاقد مع شركات دون المستوى …الخ ، وعلى أي حال السيد المراجع أفاد المجلس بأنه لا يستطيع مراجعة 117 شركة حكومية لأنها مجهولة لديه؟ والسؤال لمن تتبع هذه الشركات؟ وبأمر من تم تسجيلها لدى مسجل الشركات ومن هي الجهات المؤسسة؟ وهل لديها مجالس إدارات؟ مايحير هو لماذا يتم تجاهل قرارات السيد رئيس الجمهورية المعلنة والتي قضت بتخصيص وتصفية هذه الشركات وعدم تأسيس شركات جديدة؟، ولماذا لا تنفذ هذه القرارات؟ وأين السيد وزير الرئاسة وطاقم الرئيس؟ أليس واجبهم متابعة تنفيذها؟ والتأكد من أن ذلك تمَ بالفعل وليس شكلاً، الرئيس لديه نائبين وعدد من المستشارين والمساعدين ولديه مجلس الوزراء وهؤلاء جميعاً في خدمته وينبغي أن يكونوا رهن إشارته، وهو المسؤول عن أدائهم وانضباطهم؟ ألا يظن هؤلاء أنهم بهذه المخالفات والتجاوزات (المهولة) – التعبير للبرلمان – و عدم التحرك لفعل أيى شيء لمواجهة ومحاصرة الفساد المالي والإداري، ألا يظنون أنهم يحرجون السيد الرئيس، ألا يشعر وزيرا الدفاع والعدل بالحرج والانزعاج ووزارتيهما قامتا بتجنيب الإيرادات في مخالفة صارخة لقرارات مجلس الوزراء والبرلمان.
رئيس لجنة الصناعة والتجارة بالبرلمان عبد الله مسار كشف عن أيلولة شركة حكومية (رمادية) إلى ثلاثة أفراد برأس مال يبلغ (600) مليون دولار، دون اتباع الاجراءات القانونية، من بينها الشفافية بالإعلان عن الشركة المراد خصخصتها عن طرق عطاءات مفتوحة وعروض ومنافسة ولكن ما يحدث الآن هو خلاف ذلك حيث يتم الإعلان عن المؤسسات التي تمت خصخصتها بعد الفراغ من ذلك تماماً، كما أن هنالك تناقضاً واضحاً في سياسة الحكومة، ففي الوقت الذي تتجه فيه إلى خصخصة المؤسسات والشركات الحكومية نجدها تعمل يومياً على إنشاء شركات حكومية جديدة والتي بلغ عددها في نهاية 2016م أكثر من (1300) شركة وهي لا تخضع في غالبها للمراقبة والمراجعة ولا للإجراءات المحاسبية، هذا بخلاف أعداد غير معروفة من الشركات الحكومية في الخارج، وبعضها تمت تصفيتها، والبعض الآخر انتقل إلى دولة أخرى، نواصل تقليب دفتر الشركات الحكومية الرمادية الخاصة.