الخشوع في الدعاء
ما من عبد ولا مخلوق خلقه الله عز وجل إلا وجبله على العبودية ، فإن لم يكن متعبدا لله تعبد لغيره والعياذ بالله ، ومن أقدم صور التعبد التي جبل الله تعالى عليها الإنسان صدق اللجوء لله جل في علاه ، بل إن الشدائد لتقطع كل الوشائج والعبادات بين القلب والمخلوقين ، حتى استدل بذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في سننالترمذيمن حديثعمران بن حصين رضي الله عنهماقال: قال ر سول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: ياحصين؛ كم تعبد اليوم إلها؟ قال أبي: سبعة، ستة في الأرض، وواحداً فيالسماء، قال: فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: يا حصين؛أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك، قال: فلما أسلم حصين قال: يا رسولالله علمني الكلمتين اللتين وعدتني، فقال: قل: اللهم ألهمني رشدي، وأعذنيمن شر نفسي. وهذا الحديث ضعفه الألباني.
ولذلك لما جاء الإسلام جعل العبادة كل العبادة الدعاء ، وانظر هداك الله إلى الصلاة التي نقيمها نحن المسلمون خمس مرات فقي اليوم والليلة ، فسورة الفاتحة كلها دعاء ، والتكبيرات بين الأركان كلها تسبيح لله ، وكذلك أدعية الركوع ، والسجود ، الرفع من الركوع ، وكذلك استحباب الدعاء وأنت ساجد، والدعاء بين السجدتين، والدعاء في التشهد ، والاستفتاح ، واستحبابه بعد التشهد ، والدعاء في التسليم ، وما استحب من الأدعية المندوبة بعد الصلاة ، وأذكار الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ والدخول والخروج من البيت والخلاء والمسجد ، ودعاء السفر واللبس وعيادة المريض والسوق وغيرها ، تدل دلالة قطعية على صدق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ” الدعاء هو العبادة ” وفي روايات ” الدعاء مخ العبادة ” .
ولكن كيف أخشع في الدعاء ؟ أخي الحبيب لعلك إذا تأدبت بأدب الإسلام المستوحى من الكتاب والسنة في الدعاء أن يخشع قلبك ، ولم لا وهو هدي المصطفى والحبيب المجتبى محمد صلى الله عليه وسلم ، خاتم المرسلين ، وإمام النبيين ، والحجة على الخلق أجمعين .
إذا أردت أخي الحبيب أن يعينك الله تبارك وتعالى على الخشوع في الدعاء فتسلح بما يلي :
أولا : لا يأخذنك العجب بنفسك والكبرياء بها لعبادة هداك الله لها ، فهذا مما يحرمك لذة الخشوع في الدعاء ، وهل الخشوع سوى الخضوع الذي ينافي العجب والكبر ؟
ثانيا : تحين مواطن استجابة الدعاء ، واستحضر عظمتها وإليك طرفا منها :
- السحر وهو ما قبل الفجر بساعة أو اثنتين .
- في السجود .
- ما بين الأذان والإقامة .
- ما بعد كل صلاة من الصلوات الخمس .
- بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .
- عند نزول الغيث .
- عند التقاء الصفوف _ الحرب بين الحق والباطل _ .
ثالثا : لتكن أخي على طهارة .
رابعا :إذا استطعت أن تقدم دعاءك بركعتين لا تحدث بهما نفسك فافعل .
خامسا : أطب مطعمك ، وبر والديك ، تكن مستجاب الدعوة .
سادسا : عند الدعاء توجه للقبلة ، واستحضر معنى ما تقول ، وما يقتضيه من خشوع ، والتفت عن دنياك إلى أخراك ، وعن المخلوقين إلى خالقك .
سابعا : ابدأ دعاءك بحمد الله والثناء عليه ، وأطل في ذلك ، ثم صل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأطل ما استطعت ، ثم اشرع في حاجتك .
ثامنا : بعد ذلك استغفر ربك ، فلعل ذنبا أذنبته يحول بين دعائك والإجابة ، وبين قلبك والخشوع .
تاسعا : لتكن همتك عالية في الدعاء ، فلم تطلب الجنة وبمقدورك طلب الفردوس الاعلى منها ، وادع للجميع ، وليكن للإسلام والمسلمين شطر من دعائك ، لعل الله يستجيب دعاءك ويعود للأمة عزها .
عاشرا وأخيرا : ليكن دعاءك بالغفران والرحمة ، للجميع وخص من تريد من أهل ، ووالدين وأساتذة ، وعلماء ، وأصحاب فضل عليك وعلى الامة ، ثم اختم دعاءك بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لا تنس قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” يستجاب لاحدكم مالم يستعجل ” قيل كيف يستعجل يا ر سول الله ؟ قال: ” يقول : دعوت ولم يستجب لي ” وما تلك النصيحة اخي إلا لأن دعاء المؤمن على ثلاثة أ حوال :
- إما أن يعجل له ثمرته في الدنيا .
- وإما أن يعتلج مع قضاء نازل فيرده ، كما هو معلوم من الحديث .
- أو أن يدخره الله لك حسنات يوم القيامة ، وما أعظمه من شرف ! وكم يتمنى العبد يوم القيامة لو أخر الله جل في علاه كل دعائه له ليوم القيامة ، وليس هذا إلا للمؤمن ، أما الكافر إن دعا الله كما في الاضطرار فإن الكريم جل وعلا يترفع عن أن يرد يديه صفرا ، فيعجل له ثمرته في الدنيا أو يرد عنه قضاء كتبه عليه .
بهذا أخي تنعم بدعاء خاشع ، ولسان ذاكر ، وقلب نقي، وحياة هنية ، وميتة سوية ، ومرد غير مخز ولا فاضح . أسأل الله جل في علاه أن يحشرنا مع سيد الدعاة ومصطفاه في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه .