الحجاج
بدايةً يجب أن نميز بين الإستدلال الذي يطلق عليه (المنطق) ، والجاج الذي هو (الخطاب) ، حيث أن الإستدلال لا يعني خطاباً، إن الحجاج مبنيّاً على الأقوال اللغويّة ، والتي تتكوّن في صلب الخطاب ، حيث يتضمن الكلام نتيجةً لما نقوله ، وذلك يعتمد على إقناع المخاطب بأدلة ، وهي النتيجة المرجوّةِ والمقصودة من وراء الخطاب ، وقد تكون الحجة بسلوكٍ لفظيٍ ظاهر ، أو غير لفظي مضمر ، أو كنصٍ مكتوب أو مشهدٍ طبيعيٍ دلالي لحجة الإقناع .
ولو أردنا أن نستخرج تعريفاً للحجاج ، لوجدنا أنه سلوكيّة إستدلاليّة ، يلجأ إليها الفرد بهدف إقناع آخرين بفكرةٍ ما ، أو رأيٍ مغاير لآرائهم ، مستخدماً أسلوباً دفاعيّاً بطرقٍ مختلفة ، فيعتمد التأكيد أو النفي لتبرير رأيه ببراهين وأدلة ، وقد يستعرض تجارب سابقة خاضها هو بنفسه أو غيره ، ليدعم موقفه .
للحجج فروعٌ عدة وأشهرها الحجج اللغويّة ، ومن سماتها :-
– حجج سياقيّة :- حيث يقدم المتكلم مفهوماً دلاليّاً ، يفضي بالتالي إلى مفهومٍ دلاليٍ آخر ، حيث يكتسب صفته الحجاجيّةِ من خلال السياق ، و الذي يحدد ماهيته وطبيعته ، من خلاال وحدة القضيّة و الهدف والعبارة والمضمون .
– حجج نسبيّة :- فنرى بعض الحجج تتفاوت نسبتها من حيث القوّةٍ والضعف ، كمثالٍ :- خصمينِ يتحاججان في أمرٍ ما ، فيدلي كلٌّ منهما بدلوه ، إذ يقدّم كلٌّ منهما حجته بالإقناع بصوابيّة موفقة ، ليفاجئنا الآخر ، بحجته الأقوى ، والأكثر صوابيّةً وإقناعاً . – حجج قابلة للإبطال :- فهي على خلاف النظريّات والبراهين ذات المفاهيم الرياضيّة الغير قابلة للجدل ، والتي تعتمد المنطق كحجّةٍ لها ، فنراها أكثر مرونةً وقابليّة للأخذ والرد ، وتتدرج بحسب السياق ، حتى أنها قد تصبح عرضةً للرفضِ والدحضِ والبطلان .
نظريّة الحجاج Argumentation Theory ، أو ما يعرف بخطاب الحِجاج ( بكسر الحاء ):-
وهو مجهود ذهني ، يعتمد في عرضه على عمليّاتٍ عقليّةٍ إستدلاليّة ، عن طريق التواصل الإنساني ، وتبادل الخطاب الفكري ، والمخزون الثقافي والحواري ، وغايتها الإقناع والتأثير في الآخرين ، وهو ساحةٌ مفتوحة لالتقاء وجهات النظر ، المتوافقة والمتعارضة، ويبحث الحجاج في مختلف الميادين المعرفيّة ، كالقانون والفلسفة واللسانيّات والمنطق ، حتى أنه تخطى الحدود ليشمل علم النفس والإجتماع ، ونظريّة التواصل وطرق التعبير وغيرها .
ويعتبر أرسطو الفيلسوف اليوناني أول من استخدم الممارسات الحجاجيّة بشموليّةٍ ودقةٍ و إبهار ، ويبدو هذا جليّاً في مؤلفاته ، ككتاب الشعر والخطابةِ والجدل ، ومن خلال إتباعه التدليل اللاصوري في مدونته “الأرغانون” ، و التي ترجمت إلى اللغةِ العربيّة ، و أعتمدت كأساس للأساليب الحجاجيّة في المدارس الإسلاميّة بمختلفِ توجهاتها ، فكانت من أهم ركائز علم الفقه والكلام والمعاني و البيان ، لا سيما عند إبن رشد وابن خلدون وابن سينا والفارابي وغيرهم .